تستمر مدونة وطن "eSyria" بمشروعها الذي تستهدف من خلاله استعراض تاريخ أهم المكتبات العامة والخاصة -حتى الشخصية منها- في خطوةٍ لتوثيقها، وحفظ جهود مؤسسيها، والإضاءة على أهمية الكتاب الورقي ودوره في نشر وتعزيز الثقافة بالمجتمع.

نواة أولى..

ضمن سياق هذا المشروع نستعرض مع الأديب والقاص "عيسى إسماعيل" أهمَّ المراحل التي أفضت لتأسيس مكتبته الحالية التي تشغل إحدى غرف منزله الكائن في قريته "عرقايا" الواقعة في ريف "حمص" الشمالي الغربي حيث يقول: «بدأت علاقتي مع الكتاب في منتصف سبعينيات القرن الماضي حينما كنت طالباً في المرحلة الثانوية التي درستها في مدينة "حمص"، بالنسبة لي- كطالبٍ قادمٍ من الريف – كان شراء الكتاب يتمُّ على حساب مصروفي الشخصي القليل أصلاً.. كانت رواية الأديب المصري "نجيب محفوظ" التي حملت عنوان "زقاق المدَّق" أول كتابٍ اشتريته في حياتي؛ لأنني كنت مولعاً –وما زلت- باللغة العربية وبآدابها رغم أنَّ دراستي الجامعية تخصَّصت بمجال "اللغة الانكليزية".. ذاك الكتاب أعده النواة الأولى لتشكيل مكتبتي الشخصية، وتلته رواية "سيدة في خدمتك" لمؤلفها "إحسان عبد القدوس" الكاتب الشهير المصري أيضاً».

بدأت علاقتي مع الكتاب في منتصف سبعينيات القرن الماضي حينما كنت طالباً في المرحلة الثانوية التي درستها في مدينة "حمص"، بالنسبة لي- كطالبٍ قادمٍ من الريف – كان شراء الكتاب يتمُّ على حساب مصروفي الشخصي القليل أصلاً.. كانت رواية الأديب المصري "نجيب محفوظ" التي حملت عنوان "زقاق المدَّق" أول كتابٍ اشتريته في حياتي؛ لأنني كنت مولعاً –وما زلت- باللغة العربية وبآدابها رغم أنَّ دراستي الجامعية تخصَّصت بمجال "اللغة الانكليزية".. ذاك الكتاب أعده النواة الأولى لتشكيل مكتبتي الشخصية، وتلته رواية "سيدة في خدمتك" لمؤلفها "إحسان عبد القدوس" الكاتب الشهير المصري أيضاً

هدية ذات أثر..

بزغت موهبة ضيفنا "عيسى اسماعيل" بكتابة القصَّة القصيرة مذ كان طالباً في كلية "الآداب" بجامعة "دمشق"، التي دخلها إثر حصوله على منحة جامعية داخلية كونه حصل على المرتبة الرابعة على مستوى القطر حينها بنتائج الشهادة الثانوية وبفرعها الأدبيِّ، هذا ما جاء على لسانه أثناء الحديث مع مدونة وطن "eSyria" التي خصَّها بذكر الحدث الأهم الذي ساهم بشكلٍ كبيرٍ في توسيع مكتبته الشخصية ويضيف: «عام 1978 التقيت مع الدكتورة "نجاح العطار" التي كانت تتولى حينذاك منصب وزيرة الثقافة، ضمن وفدٍ طلابي بعد حصولي على جائزة أفضل قصَّة قصيرة على مستوى "سورية"، وبعد إدراكها شغفي باللغة العربية والقراءة كانت هديتها الأكثر قيمةً وأثراً في نفسي التي تجلَّت بمئة كتابٍ استلمتها من مستودع الوزارة الكائن حينذاك بمنطقة "الروضة" والذي تشغله حالياً "الهيئة العامة السورية للكتاب" مقرَّاً لها، هذه الهدية تنوَّعت ما بين الروايات والمجموعات الشعرية والإصدارات المترجمة للعربية، ولأهم الأدباء السوريين الراحلين من أمثال: "حنا مينة" و"جان ألكسان" والشاعر القدير "سليمان العيسى" وغيرهم».

الأديب عيسى اسماعيل أثناء فترة المطالعة في مكتبته

البائع الجوال..

بعض شهادات التقدير التي حصل عليها عن نتاجه الأدبي

استمرت مكتبة الأديب "عيسى اسماعيل" الشخصية بالنمو والازدهار على مدى عقودٍ لاحقةٍ، من خلال المواظبة على شراء الكتب من المكتبات الخاصَّة في مدينة "حمص"، ومن مكتبات الرصيف – كما يصفها –، وعن ذلك يقول: «ظاهرة المكتبات العمومية والخاصَّة كانت مزدهرة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والإقبال على القراءة مخالفٌ لما هو الحال عليه لدى الأجيال الحالية، وكان لكلِّ مكتبةٍ تفرُّدٌ بأصناف الكتب التي تحتويها، ومما أذكره عن تلك الحقبة الجميلة، ارتيادي مكتبة "السباعي" التي كان محلُّها في شارع "القوتلي" خلال فترة السبعينيات لشراء الروايات العربية والمصرية تحديداً، والتي كانت تصدر عن "دار المعارف" الشهيرة، أضف كذلك منشورات "دار اليقظة" المتخصصة بالترجمة والتي كانت تصدر من "بيروت"، بينما كان التوجه صوب مكتبة "علوان" عند البحث عن الكتب الفلسفية والتراثية والدينية..كنت حريصاً على اقتناء الكتب والمجلدات ذات القيمة المهمة بمحتواها الفكري، ومنها مؤلفات الدكتور "شوقي ضيف" مثلاً، إلى جانب ذلك كنت مواظباً على شراء الكتب المعروضة على سور الحديقة المقابلة لمبنى "دار الحكومة"، والتي كان يطلق عليها اسم "حديقة الدبابير"، فقد كان البائع الأشهر في المدينة للكتب المستعملة والرخيصة الثمن، عدا ذلك، تعززت محتويات مكتبتي من خلال أحد باعة الكتب الجوالين المدعو "خالد السباعي"، الذي واظبت على الشراء منه خلال الفترة ما بين عامي 2002-2010، حينما كنت مديراً لإعدادية "حافظ محمد"، ومن ثمَّ لثانوية "قتيبة" حيث كان مواظباً على زيارتي فيهما وجلب أحدث الإصدارات من الروايات العربية وبطبعتها الأصلية، أذكر تماماً شرائي منه لمؤلفات الروائية الجزائرية المشهورة "أحلام مستغانمي"، هذا الرجل كان صاحب رسالةٍ أكثر منه شخصاً هادفاً للربح المادي من عمله».

دور العمل الإعلامي..

ازدهرت مكتبة الأديب "عيسى اسماعيل" لاحقاً، وخاصَّةً أثناء فترة عمله كمراسلٍ ثقافيٍّ لجريدة "البعث" في مدينة "حمص"، التي بدأها في سنة 1987 ولمدة ثمانية أعوامٍ لاحقةٍ، حيث مكَّنه ذلك من الاحتكاك بالأدباء والشعراء وتعزيز صداقاته معهم، من خلال الزاوية الشهرية التي كانت مخصَّصةً للإضاءة على الإصدارات الجديدة لهم، والتي حملت عنوان "كتب من حمص"، وتلقائياً كان يحصل على إهداءات أولئك الكُتَّاب له، إضافةً لعمله اللاحق كمراسل لدى جريدة "الثورة" في المدينة خلال 1997-2002.

ويضيف: «بالفترة ذاتها كانت لي بعض المقالات المترجمة للعربية والمستقاة من بعض المجلات الأجنبية المشهورة مثل "نيوز ويك" و"واشنطن بوست" الأميركيتين، إلى جانب مجلة "الأدب السوفيتي" التي كانت تصدر باللغة الإنكليزية، وكلًّ ذلك لمصلحة جريدة "البعث" التي كانت ترسل لي أعداداً دوريةً منها، والبعض من تلك المقالات المترجمة كانت تنشر في مجلة "الآداب الأجنبية" الصادرة عن "اتحاد الكُتَّاب العرب"، والتي تحوَّل اسمها فيما بعد إلى مجلة "الآداب العالمية"، ذلك كُلَّه زاد من رصيد مكتبتي ومن تنوُّع محتوياتها إن كان من المجموعات الشعرية والقصصية والروايات، كذلك إلى جانب أعداد من المجلات المحلية والأجنبية، هنا لا بدّ من أشير إلى امتلاكي الأعداد الدورية من إصدارات مجلتي "العربي" الكويتية و"المعرفة" ما بين أعوام 2000-2010».

مساهمات خاصَّة..

رؤية الأديب والقاص "عيسى اسماعيل" لأهمية دور الكتاب والمكتبة في حياة الإنسان، لم تنحصر فقط من خلال تعزيز مكتبته الشخصية، بل عكس ذلك الأمر من خلال تفعيل وتعزيز المكتبة الموجودة في مبنى جريدة "العروبة" المحلية التي ترأس تحريرها سنة 2009، بعدما كانت محتوياتها من الكتب لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة، هذا ما استدعى منه تحرُّكاً ذاتياً، مستثمراَ علاقاته الخاصَّة التي أفضت للحصول على 500 كتاب من مكتبة "الأسد" الوطنية، إضافة لإهداءات من إصدارات أدباء المدينة على وجه التحديد، إلاَّ أنَّ الحدث الأهم من وجهة نظره، هو إهداء الأديب "محمد قرانيا" لمكتبته الشخصية بعد لقاءٍ شخصيٍّ معه بإحدى المناسبات الثقافية، ورغم وجودها في مدينة "حلب"، إلاَّ أنَّ ذلك لم يمنعه من إرسال سيارةٍ خاصَّةٍ وإحضارها إلى مبنى الجريدة معززاً مكتبتها بتلك الهدية القيِّمة، مكتبته الشخصية متاحة لجميع أهالي بلدته "عرقايا" والبلدات المجاورة لها، الراغبين بالحصول على أيَّة معلومة يريدها طالب الاستعارة وهذا الأمر حصل، وما زال مستمراً ليومنا هذا بحسب ما جاء على لسان الأديب "عيسى اسماعيل" أثناء متابعة الحديث مع مدونة وطن "eSyria"».

خطوةٌ واجبةٌ...

قبل إجراء اللقاء مع الأديب والقاص "عيسى اسماعيل" وصل العدد الإجمالي لمحتويات مكتبته إلى الرقم 4018 والكتاب الأخير، الذي أُضيف لها حمل عنوان "قطب العصر عمر اليافي" لمؤلفه الدكتور "عمر موسى باشا"، كما ذكر لمدونة وطن "eSyria" وتابع قائلاً: «هذا الرقم لن يتوقَّف بكلِّ تأكيد، لأنني ما زلت مواظباً على شراء الكتب – ليس كما في السابق – وإنما بحسب الاستطاعة المادية، نظراً لارتفاع أسعار الكتب بوقتنا الراهن، ولا بدَّ من الإشارة لدور معارض الكتب التي تقام بين الفينة والأخرى إن كان من قِبلِ "وزارة الثقافة" أو "اتحاد الكُتَّاب العرب" الذي يقيمها في الجامعات تحديداً، وبأسعارٍ زهيدةٍ جداً، هذا من شأنه تشجيع الأجيال الشَّابة على اقتناء الكتب وترسيخ عادة القراءة لديهم، وبالتالي تكوين نواةٍ لمكتباتهم الشخصية مستقبلاً، أمَّا بخصوص مستقبل مكتبتي فإنيِّ أشجع أبنائي الثلاثة على حبِّ المطالعة وهم يقومون بذلك الأمر بين حينٍ وحين، إلاَّ أنَّ ابنتي الكبرى والمحبَةُ للقراءة هي الأقدر بينهم على استمرارية المحافظة عليها، وبرأيي الشخصيِّ يجب على أصحاب المكتبات ذات السعة الكبيرة والتنوع الغنِّي بالمحتوى أن يوصوا بإهداء مكتباتهم بعد رحيلهم إلى المراكز العلمية والأدبية لتستفيد منها الأجيال القادمة».

نهايةً نُذكِّر بأنَّ الأديب والقاص "عيسى اسماعيل" هو عضو في "اتحاد الكُتَّاب العرب" ضمن "جمعية القصَّة والرواية" وبرصيده الأدبيِّ أربع مجموعاتٍ شعرية، بالإضافة لروايتين وكتابين نقديين.