العشرات من المناطق الحراجية الطبيعية والاصطناعية تضمها مدينة القدموس وريفها، حيث تعدُّ الغابات من أهم النظم الحيوية المتميزة بتنوع الغطاء النباتي الذي تحتويه إلى جانب العديد من أنواع الحيوانات والطيور وبعضها من الأنواع النادرة، وقد شكلت المناطق الحراجية في معظمها محمية طبيعية لها، لكن التحولات المناخية من جهة وبعض الضغوط الاقتصادية من جهة أخرى شكلت تهديداً كبيراً لرئة الساحل السوري.

40%

تابعت المنصة تقييم أثر الحرائق التي حدثت خلال عام 2021 على الغطاء النباتي، وكمثال لم تصل مساحة الحرائق التي اندلعت في منطقة "القدموس" خلال هذا العام 2021 للهكتار الواحد، في حين كانت تزيد عليها بأضعاف خلال حرائق 2020. كما أن أعداد الحرائق كانت قليلة جداً مقارنة بأعدادها لعام 2022

تشغل الغابات والمناطق الحراجية في مدينة "القدموس" وريفها نسبة تُقدر بحوالي 40 بالمئة من نسبة الحراج في محافظة طرطوس، حيث تكثر فيها الغابات ذات التنوع الطبيعي والتضاريسي بحسب "خضر أحمد" رئيس شعبة الحراج في دائرة زراعة "القدموس" في حديثه لمدوّنة وطن، فالمدينة تضم عدداً من غابات الصنوبريات منها غابة "المشفى" التي تبلغ مساحتها 75 هكتاراً، وغابة "ضهر المدايا" مساحتها 100 هكتار، وغابة "الغرزية" مساحتها 300 هكتار، وغابة "المولى حسن" مساحتها 50 هكتاراً، هذا إلى جانب عشرات الغابات التي توجد في ريف المنطقة وبعضها يمتد على مساحات واسعة جداً.

غابة المولى حسن وإطلالة على مدينة القدموس

قيمة جمالية

جانب من غابة السلورية

يعدُّ جبل "المولى حسن" من أهم المواقع السياحية المطلة على مدينة "القدموس" وجوارها، حيث تغطيه غابة مكونة من أشجار الصنوبر والسرو والأرز، وقد يصل ارتفاع بعض هذه الأشجار إلى 30 متراً، وتحتوي الغابة على مقام المولى "حسن جلال الدين"، ومنه اكتسبت تسميتها، كما أن أبرز ما يميزها هو إشرافها على الطريق الدولي الواصل بين مدينة "بانياس" الساحلية ومدينة "مصياف" في المنطقة الوسطى، وبمشهد بانورامي تُطل على جبال "اللاذقية وطرطوس ولبنان"، وقد ساهم موقع الغابة في جذب العديد من المشاريع السياحية كالفنادق والمقاهي، بالإضافة إلى أنها تشهد الكثير من الأنشطة الكشفية.

وكغابة "المولى حسن" تضم منطقة" القدموس" كذلك غابات أخرى تحمل ذات المواصفات الجغرافية والتضاريسية والطبيعية، منها غابة محمية "جبل الشعرة" الطبيعية وغابة "جبل زغرين" في قرية "كاف الجاع" الواقعتان على سفوح مخاريط بركانية بحسب المدرس والجغرافي "سامي حسن" وهو من أهالي "القدموس".

ويضيف: «تعد هذه الغابات من أهم البيئات الحيوية التي تشهد تنوعاً بيولوجياً، وموئلاً للكثير من الأحياء المهددة بالانقراض نتيجة الصيد الجائر من قبل أهالي المنطقة، أو نتيجة التعدي على بيئتها الحيوية، لذلك ومن خلال الاهتمام بها، ولكونها تحقق معايير اليونسكو يمكنها أن تُدرج كموقع للتراث العالمي، ما يسهم في جذب مشاريع سياحية بيئية تؤمن المزيد من فرص العمل للسكان وتسهم في تحسين مستواهم المعيشي وتقليل البطالة، وتسهم من خلال ذلك في دفع السكان لحمايتها ذاتياً والحفاظ عليها كونها ستصبح مصدراً لرزقهم».

َقصد للمصطافين

أيضاً من أشهر غابات ريف "القدموس" غابة قرية "السلورية" التي تقع على جبل يرتفع حوالي 950 متراً عن سطح البحر، وتغطي أشجار الصنوبر "البروتي" فيها مساحة 50 بالمئة من أراضي القرية، وعلى أطرافها تتداخل بيوت القرية الحجرية مع أشجار الغابة في انسجام يضفي رونقاً خاصاً على المكان.

ومن غابات" القدموس" الأكثر جذباً تلك القريبة من نبع "عين الريس" الواقع عند المدخل الشمالي الغربي للمدينة والمطل على قلعتها الأثرية الشهيرة، حيث تشكل الغابة مقصداً لأهالي مدينة "بانياس" الهاربين من حر ورطوبة الصيف الساحلي، والباحثين عن أجواء الاستمتاع باللعب بالثلج في فصل الشتاء.

وإلى جانب ذلك تكثر في منطقة" القدموس" بعض المساحات المتفرقة من أشجار السنديان والبلوط المعمرة والتي قد يصل عمر بعضها إلى مئات السنين، وهي مناطق حراجية محمية من قبل السكان كونها تقع بالقرب من بعض المزارات الدينية التي توجد في المنطقة بكثرة.

تحديات وجهود

يشير المهندس "علي عمران" رئيس دائرة زراعة القدموس في حديثه للمدونة عن الصعوبات التي تواجه واقع الحراج في المنطقة، ويتمثل أهمها بقلة الإمكانيات والآليات، كذلك تضاريس المنطقة التي تتميز بوعورتها وانحداراتها الشديدة، إلى جانب كثرة التعديات عليها لقلة المحروقات ما يدفع أهالي المنطقة لقطع الأشجار واستخدام أخشابها في التدفئة خلال فصل الشتاء البارد والقاسي جداً، ويضاف إلى ذلك أيضاً خطر الحرائق في كل عام وما تسببه من أضرار كبيرة أثرت في بعض أنواع الأشجار والنباتات الحراجية والأراضي الزراعية المجاورة، وما تحتويه من محاصيل وأشجار مثمرة، بالإضافة إلى هروب الكثير من طوائف وخلايا النحل.

ويرى "عمران" أن استثمار الغابات بالشكل الأمثل يمكن بالتوعية الدائمة للمواطنين، من خلال إقامة الندوات والمحاضرات التي تهدف إلى حماية الغابة وعدم إشعال النار فيها، أو ضمن الأراضي الزراعية القريبة منها، كذلك منع القطع الجائر للأشجار مع التأكيد على وجود قوانين رادعة لذلك، مبيّناً أن دائرة الزراعة في "القدموس" تعمل بشكل دائم لتلافي حدوث أي مشكلات قد تسبب أضراراً تطال غابات المنطقة، منها شق الطرقات الحراجية وخطوط النار وتعزيلها بشكل مستمر، وتنظيف جوانب الطرقات، وحراثة الأراضي الزراعية المجاورة لها لضمان عدم نمو أي أعشاب قد تكون وقوداً أثناء اشتعال الحرائق.

مخاطر متوقعة

استناداً إلى متغيرات عوامل الطقس الأساسية المؤثرة في الحرائق وهي الحرارة والرطوبة والرياح، من المتوقع أن يدخل موسم الحرائق مبكراً هذا العام، إذ أشارت بيانات التنبؤات الفصلية التي أصدرتها المديرية العامة للأرصاد الجوية للفترة من شهر نيسان حتى شهر حزيران 2022 إلى تأثر منطقة شرق المتوسط بامتداد المرتفعات الجوية شبه المدارية الحارة، وامتدادات منخفضات حرارية سطحية ترفع من درجة الحرارة بحيث تكون أعلى من معدلاتها، كما تكون الهطولات المتوقعة دون معدلاتها لمثل هذه الفترة، الأمر الذي يؤشر إلى ظروف جفافية تعزز من المعاملات الداعمة لخطورة الحرائق بحسب رئيسة منصة الغابات ومراقبة الحرائق د."روزا قرموقة" وتضيف: «تابعت المنصة تقييم أثر الحرائق التي حدثت خلال عام 2021 على الغطاء النباتي، وكمثال لم تصل مساحة الحرائق التي اندلعت في منطقة "القدموس" خلال هذا العام 2021 للهكتار الواحد، في حين كانت تزيد عليها بأضعاف خلال حرائق 2020. كما أن أعداد الحرائق كانت قليلة جداً مقارنة بأعدادها لعام 2022».

أجريت اللقاءات بتاريخ 10 نيسان 2022.