على بعد حوالي واحد كيلومتر من أقرب تجمع سكني في قرية "خربة القبو" التابعة لمنطقة "القدموس" بريف مدينة "بانياس"، قرر الشاب "سعيد صيوح" نحت الصخر ليكون مسكناً يتسع لأسرته، مستمداً عزيمته من مساندة زوجته وشعور أطفاله بالبرد، وموظفاً الطبيعة لإنتاج احتياجاته المنزلية، فتصبح البساطة بمختلف أشكالها عنواناً لحياته.

أولويات

بدأت قصة كفاحه منذ عام 2006، وبعد عدة أعوام شاركته بها زوجته ودعمته وحفزت قدراته، بحسب حديثه لمدونة وطن، ولكن تغير الظروف وتبدل قواعد الأولويات الحياتية بالنسبة له جعل التغيير لا بد منه لتحسين أوضاعه على حد قوله، وزيادة عدد الأبناء، ولم تعد الغرفة الصغيرة تتسع لهم.

تكسير الجرف الصخري لم يكن بهدف إنشاء كهف وإنما تأمين مواد بناء رديفة للإسمنت ليكون هيكل الغرفة متيناً، ولكن بعد ظهور الشكل العام للكهف أعجبتني الفكرة لإكمال نحته خاصة مع زيادة عدد أفراد العائلة ونمو الأطفال وتكرار عمليات الصيانة للغرفة الصغيرة

في العام 2006 بدأ "سعيد" بتكسير الحجارة الصماء من جرف صخري مجاور للمكان الذي قرر بناء غرفته الخاصة كشاب أعزب يفكر بالزواج وتأسيس أسرة، ليكون منتج التكسير أحد مواد بناء الحجارة الطبيعية مع الإسمنت وفق الطريقة التراثية للبناء، ومع تكرار الحاجة لمواد البناء ريثما أنهى بناء الجدران، احتاج أيضاً مواد شريكة للأسمنت "بحص" لتجهيز الأرضية والسقف، وهنا وجد نفسه يدخل داخل الجرف الصخري ليصبح أشبه بالكهف الحجري.

عائلة سعيد أمام منزلهم

يقول "سعيد": «تكسير الجرف الصخري لم يكن بهدف إنشاء كهف وإنما تأمين مواد بناء رديفة للإسمنت ليكون هيكل الغرفة متيناً، ولكن بعد ظهور الشكل العام للكهف أعجبتني الفكرة لإكمال نحته خاصة مع زيادة عدد أفراد العائلة ونمو الأطفال وتكرار عمليات الصيانة للغرفة الصغيرة».

الكهف منزلاً

ويضيف : «ما كنت أجنيه من عملي بالأعمال الحرة كان يسد رمق الأسرة من الحاجيات اليومية فقط، ولا يمكن الادخار منه لبناء غرفة رديفة بشكل نظامي تتسع لأفراد الأسرة، وهنا قررت متابعة نحت الجرف الصخري لتصبح مساحته الداخلية حوالي /30/ مترا مربعا، ولكن استدعائي للخدمة الاحتياطية أثر في متابعة العمل ومصدر الدخل الأساسي، وأدى إلى ضيق مادي كبير، وخاصة مع تزايد حاجات الأبناء وتغير الأوضاع الاقتصادية وإصابتي الحربية، وكل هذا دفعني وعزز ثقتي لمتابعة نحت الجرف الصخري حتى أنهيه وفق ما خططت له، ولكن الظروف المادية حالت دون تجهيزه بالطريقة المخطط لها، كوضع باب حماية له، ولم يكن بمقدوري متابعة العمل بسرعة وهنا بدأت أستغل كل لحظة من وقت إجازتي لإكمال النحت».

المنزل الكهف

تسعين بالمئة من الكهف أصبح جاهزاً للسكن ولكن ضعف القدرات المادية حال دون تأمين الفرش الداخلي، ولكن هذا لم يمنع استخدامه.

ويتابع بالقول: «الكهف هو مكان الجلوس فقط، وفيه تلفاز وبعض أدوات المطبخ، التلفاز لا يعمل نتيجة ضعف الكهرباء التي أستجرها بسلك من منزل عائلتي في القرية، فأقرب شبكة كهرباء تبعد حوالي واحد كيلومتر، وهذا يفوق طاقتي لإيصالها، وفيما يخص الليالي فقد اعتدنا قضائها على ضوء الشموع أو الليدات بعد شحن البطارية في منزل عائلتي في القرية، نتيجة ضعف الكهرباء الواصلة إلينا.

حتى أن الطريق الواصل إلى الكهف عبارة عن ممر صغير بين السناسل الحقلية لا يمكن وصول السيارة إليه، وكل ما احتجته للبناء كنت أقوم بنقله حملاً على الأكتاف، أما حكايتنا مع طهي الطعام فهي لا تنتهي على النار التي تبقى مشتعلة دوماً لزوم تسخين مياه الاستحمام والغسيل أيضاً، أما بالنسبة لتأمين المياه فينقلها الأولاد بالأوعية البلاستيكية من نبع القرية الذي يبعد حوالي واحد كيلومتر».

علامات الرضى

المعمرة "جميلة محمد" التي اعتادت زيارة العائلة ومساعدتهم في أعمال المنزل نتيجة ظروفهم السيئة، أكدت أنه يتم تأمين حاجيات المنزل مما تنتجه أرضهم الصغيرة بجانب الكهف والدجاجات العشر التي يعتنون بها، والأطفال يعانون في الذهاب إلى المدرسة والعودة منها تحت الأمطار وأشعة الشمس ولمسافة كبيرة مقارنة مع أعمارهم الصغيرة، ولا يمكنهم الاعتماد على أنفسهم لتدني مستواهم المعيشي».

سعادة الأطفال بتفاصيل حياتهم كبيرة في الوقت الحالي ولكن هذا لا يعني أنهم لم يتعرضوا للتنمر من قبل أقرانهم في المدرسة، ولكنهم لم يبالوا بل تفوقوا في دراستهم دوماً.