لم تكن الزيارة إلى محافظة "إدلب"، وأيضاً إلى مدينة "أريحا" تكتمل دون تذوق الحلويات الشعبية "الشعيبيات" التي تعرض في الأسواق بأشكال وأنواع مختلفة ومذاقات مميزة، تجبر كل من كان يزور المنطقة أو يمر بها، على التوقف وشراء كميات من هذه "الشعيبيات"، وتقديمها كهدية مميزة سواء للأهل والأصدقاء داخل "سورية" وحتى لمن هم خارجها.

الشعيبيات تجمعنا

يقول "أحمد ادلبي" من أهالي مدينة أريحا لــ مدونة وطن ، أن "الشعيبيات" أكلة لذيذة جداً، هي أكلة الغني والفقير والكل يحبها، وتعد الوجبة الخاصة من الحلويات التي تتميز بها مدن محافظة "إدلب" ويفتخرون بها، ويعتبرونها من تراث محافظتهم، ويضيف "ادلبي": "نهديها لأقربائنا في المدن الأخرى عندما نزورهم، أو حين يطلبون منا إحضارها، يأكلها أهل المحافظة في كل الأوقات، وخلال عملية النزوح التي تعرض لها أهالي مدن المحافظة سواء الى المحافظات في الداخل السوري أو إلى الدول المجاورة والأوروبية، نزحت معهم أيضاً الى حيث حط بهم الرحال، فقد بدأ عدد من أهالي "إدلب" اللاجئين بافتتاح محلات خاصة بالشعيبيات، وبدؤوا ببيعها".

شارع العرب

وسط العاصمة الألمانية "برلين" في شارع العرب تحديداً، و الذي سمي بهذا الاسم نظراً لكثرة ما يقطنه من اللاجئين العرب، هناك في ذاك الشارع اتخذ الأخوان ( ابراهيم و إيهاب سحاري ) محلاً راقياً لصناعة الحلويات ومن أهمها "الشعيبيات" التي حققت سمعة كبيرة.

يقول "ابراهيم" الذي تواصلت معه المدونة: "جئت إلى ألمانيا سنة 2002 بهدف الدراسة حيث درست في كلية الهندسة الكهربائية والالكترونية وتخرجت سنة 2011 ، وفي موجة اللجوء التي حدثت عامي 2014 – 2015 حاولت ومع شقيقي" إيهاب" أن نترك بصمة السوري الموجود في "ألمانيا" وخصوصاً لأهالي محافظة "إدلب" التي إليها أنتمي، من خلال الأكلة الأكثر شعبية وهي "الشعيبيات".

الشعيبيات في برلين

ويتابع "سحاري" قائلاً : "كلمة شعيبيات جعلت من المحل الأول في العاصمة الألمانية "برلين" خصوصاً بعدما كتب على لوحة صغيرة وضعت وسط المدينة ومكتوب عليها: (لأول مرة في برلين "شعبيات" إدلب الخضراء)، وهذا ما أدى الى استقطاب الكثير من السوريين الذين يغلبهم الحنين الى الوطن، بوجود هكذا محل ينتج "الشعيبيات".. بدأنا المحل بثلاثة عمال، اليوم لدينا 15 معلماً متخصصاً بصناعة الحلويات والتي أهمها "الشعيبيات" وأصبح لدينا – والكلام لـ إبراهيم – موقعاً للتسويق الإلكتروني يستطيع أي شخص من دول الاتحاد الأوروبي أن يطلب ما يريد من إنتاج محلنا، ونحن مستمرون ونعمل على تطوير إنتاجنا الذي يحقق المزيد من النجاح، وخاصة بعد زيارة مجلس مدينة "برلين" الذي يقوم بمتابعة ومعاينة مستلزمات عمل وصناعة الحلويات.

إقبال كبير

بينما أشار الشقيق الأصغر "إيهاب" سحاري، إلى أن المحل ينتج إلى جانب "الشعيبيات" أصنافاً أخرى مثل البقلاوة العربية والتركية والكنافة النابلسية وحلاوة الجبن، ونسبة الإقبال بشكل عام جيدة نظراً لأن الناس هنا تفضل الحلويات الطازجة، وفيما يتعلق بالصعوبات فهي موجودة لأن المواد الأولية هنا تختلف عن المواد الأولية في "سورية" إلا أننا نحاول جاهدين قدر الامكان إيصال نكهة "الشعيبيات" ذاتها.

وعن الأسعار يقول "سحاري": "السعر حسب النوع هناك 4 أصناف من الشعيبيات، فقرص الشعيبيات المحشي بالقريشة بــ 2 يورو وبالقشطة بــ 2.5 يورو, وبالجوز بــ 2.5 يورو، وبالفستق الحلبي بــ 3 يورو، وتوقع سحاري أن ترتفع الاسعار في ظل الغلاء العالمي.

تاريخ قديم

يدور خلاف بين صناع الحلويات حول انتشار حلوى "الشعيبيات"، فهناك من يقول إنها أتت في حقائب الرحالة القادمين من الشمال السوري، ورواية أخرى ترجح قدومها على ظهور الخيول والعربات القادمة من "حلب"، إلا أن الجميع اتفق أنها أتت من "إدلب" ليتمسك بها سكان تلك المحافظة، التي اشتهرت بالشعيبيات الى جانب زراعة أشجار الزيتون وإنتاج زيته، وأصبحت (الشعيبيات) جزءاً من قائمة حلوياتهم الشعبية.

يشير "أحمد غنوم" صاحب محل لصناعة "الشعيبيات" ، لقد اختارها المسافرون وباتت حلوى على مائدة الأغنياء والفقراء، وهدية ثمينة للقادمين من خارج المحافظة، أو ضيافة الأعراس عندما تنتقل المرأة إلى بيت زوجها، وهي عادة ما زالت تمارس حتى اليوم.

ولم يكتفِ أهل محافظة "إدلب" بتعلم طريقة عمل "الشعيبيات"، فقط بل أدخلوا عليها بعض التعديلات، التي تجعلها مميزة عن أي حلويات مشابهة، وبهذا تحولت "الشعيبيات" الادلبية السورية إلى العديد من الدول العربية والأجنبية، وتميزت الكثير من العائلات في إدلب وأريحا ( غنوم – قزموز- حلوم -سيد يوسف – حبوش ) وغيرهم بصناعتها.

وحسبما أشار "محسن قزموز" - صانع شعيبيات فإن "الشعيبيات" تعتمد صناعتها على بعض المكونات الأساسية مثل الدقيق والسمن العربي والنباتي، مع إضافة خميرة وسكر، وماء ورد وغيرها من المكونات الأخرى، التى تضيف لها نكهة مميزة، جعلتها تنال إعجاب الكثير من السوريين وغيرهم من الدول الأخرى العربية والأجنبية، حتى أصبحت من أشهر أصناف الحلويات الشرقية في "سورية".

حلوى سياحية

مدير السياحة في "إدلب" "ميمون فجر" في حديثه لــ مدونة وطن، يبين أن سبب تسمية حلوى "الشعيبيات" بهذا الاسم إلى "الشعبية" التي جمعتها بفضل شهرتها ومذاقها المميز، ويحرص السياح (خاصة الخليجيين منهم) على اقتناء الحلوى التي تشتهر بها محافظة "إدلب" منذ المئات من السنين حتى أن بعض العائلات الادلبية ارتبطت أسماؤها بصناعة الحلوى وظلت ملاصقة لها ومعروفة بها.

وأضاف: "يُعرف عن" سورية" عامة ومحافظة" إدلب" على وجه الخصوص غناها بالحرف والصناعات الشعبية التقليدية، كصناعة الفخار والنسيج والسلال والعديد من الحرف الأخرى، إضافة إلى ذلك فقد اشتهرت أيضا بصناعة حلوى " الشعيبيات" التي توارثتها الأجيال أبا عن جد، فارتبطت هذه الصناعة الشعبية باسم "إدلب"، كما يقول بعض من توارث صناعتها عن أجدادهم.

ويشير فجر إلى أن حلوى (الشعيبيات) أصبحت اليوم جزءاً لا يتجزأ من مفردات السياحة في "سورية"، وتجد رعاية واهتماما من الدولة ومن القائمين عليها.

الأصل سوري

يقول "أسعد حبوش"، صاحب محلات لبيع "الشعيبيات"، إن أصل الحلوى سوري، فجده الأكبر تعلم هذه المهنة من أصدقائه في مدينة "اريحا" السورية منذ حوالي 160 عاماً، مؤكداً أن صناعة الحلوى أصبحت مرتبطة بتراث أهالي محافظة "إدلب" وأطلق عليها في الدول الغربية اسم "شعيبيات إدلب الخضراء".

ويقول "فادي حلوم" ، صانع حلوى "الشعيبيات" أباُ عن جد، إن صناعة الحلوى في أريحا تمتد لأكثر من 180 عاماً، وهذه الحرفة تطورت بشكل كبير من خلال إضافة النكهات الطبيعية والزعفران والهيل وماء الورد والمكسرات الطازجة.

ويرى "حلوم" أن السياح والمسافرين من أكثر الزبائن شراء للحلوى" الشعيبيات"، وأنهم وراء تطور صناعتها على مدى التاريخ بسبب إقبالهم الكبير عليها، كما أن الجهات الحكومية والخاصة في محافظة "ادلب" تحرص أيضاً على تقديم هذه الحلوى حصراً كهدايا للزوار والسياح والمسؤولين، ويشير إلى أن الكثير من الحرفيين المختصين في "الشعيبيات" أضافوا تحسينات كثيرة على صناعتها، وهناك أسعار متفاوتة حسب الطلب والرغبة.