لا تكاد تخلو منطقة من مناطق جبل العرب من الأودية القديمة التي رسمت أخاديدها ومجاريها الطبيعية، وكانت عنصراً مهماً من عناصر الحياة لحضارات ما زالت تتهامس أحاديث الصباح مع شرايين حياتها، ولا تزال الشواهد عليها حاضرة، فنبتة الغار وشجرة الزعرور التي ولدت على ضفتي وادي "الشام- اللوا- الزيدي" لا تزال فروعها متجددة، وعلى جانبي هذه الأودية تاريخ كتبه الأقدمون وأرخ له السكان الحاليون.

أكسير حياة

يقول الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" لمدوّنة وطن "eSyria": "هنا على جانبي الأودية العشرة القديمة المغذية لقرى وبلدات المحافظة كافة، والتي تجاوز عمرها الزمني ثلاثة آلاف عام، التقت القوافل التجارية وهناك في الطرف الآخر من وادي "الشام والزيدي اللوا والذهب"، تعاقبت العصور النبطية والرومانية اليونانية وصولاً إلى التجمعات السكانية الحالية التي سكنت المنطقة قديماً، ترفدها عشرة أدوية موغلة في القدم، كانت السبب الرئيس في تحويل آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية من بائرة إلى منتجة، وقد كانت هذه الأودية التي صنعتها يد الطبيعة ونظم جريانها وحفظ مياهها قاطنو هذه المنطقة، من أهم المُجمعات المائية لمياه الأمطار والثلوج، وإضافة للأودية العشرة هذه اشتهرت أيضاً سفوح المنطقة الشرقية من المحافظة ولا سيّما المُشرفة على الحماد والزلف، بغناها بالعديد من الأودية القصيرة والعميقة، وكانت تعرف بالخلول، أهمها وادي "بصير - الدياثة- الشام - السرجة"، وكان لهذه الأودية الفضل الأكبر في استقرار سكان تلك المنطقة الحاليين، خاصة بعد أن تحولت أودية المنطقة إلى بوابة مائية فصلية لتغذية سدة الرشيدة وسد الزلف".

شرايين للمناهل المائية

ويشير "كيوان" إلى أن سكان المنطقة الأقدمين استطاعوا التحكم بمياه الأودية من خلال رفدها بأقنية مائية لا تزال آثار بعضها قائمة لتاريخه، أهمها "قناة وادي اللوا- العمارة - العفيفة"، وذلك من خلال جر مياه الأودية إلى مناهل مائية أحدثت خصيصاً لتجميع المياه، لتستخدم فيما بعد للشرب ولسقاية المواشي، علماً أن تعبئة المناهل من مياه الأودية تناقلها قاطنو منطقة جبل العرب جيلاً بعد جيل حتى وصلت للسكان الحاليين، والزائر لقرى وبلدات المحافظة سيلحظ عدم خلو أي منها من هذه الآوابد، إلا أنه للأسف الشديد لم يعد لهذه المناهل أي استخدامات ليتحول معظمها إلى مصبات لمياه الصرف الصحي ومكبات القمامة والأوساخ.

وادي اللوا

عامل استقرار

وادي الشام

استمد الإنسان قديماً وحاضراً ديمومة استقراره من توافر المياه فكانت الأودية ومتمماتها المائية، هي بيت استقراره لذلك ووفق ما قاله رئيس دائرة آثار السويداء "وليد أبو رايد" فقد أقام الذين تعاقبوا على المنطقة تجمعاتهم السكانية، على جانبي الأودية الموغلة في القدم، والتي تعد المنظم الأساسي لمياه الأمطار والثلوج، لينتهي بها المطاف ضمن البرك المائية أو ما تسمى (مطخ)، فالجريان السطحي لمياه الأمطار في الأودية السيلية والمسيلات العامل الفعال في جريان المياه العذبة، والمغذية للمياه الجوفية، وخاصة أن بعض الأودية هي نفوذة كوادي اللوا، والمسألة المهمة أن شبكة الأودية الشعاعية تنقل المياه التي بدايتها من جبل العرب إلى حوران فوادي اليرموك غرباً، وإلى حوض دمشق وسهل بلي وبويضان شمالاً، وإلى حرة الزلف ومنخفض الرحبة شرقاً، وإلى منخفض الأزرق جنوباً، وكانت الاستفادة من مياه الأودية محصورة قديماً على ما يتجمع من مياه في البرك والمطوخ والغدران وقيعان الأغشية البازلتية، بينما حالياً باتت هذه الأودية الرافد الأساسي لسدود المحافظة، فجريانها خاصة بعد ذوبان الثلوج يزيد من نسبة تخزين السدود، أما البرك القديمة والآبار فقد أصبحت بعيدة عن متناول الأودية لتبقى أقنيتها القديمة مجرد ذكرى نستذكرها في حال صادف مرورنا جانبها".

الدكتور نشأت كيوان