يعدُّ وادي اللوا في محافظة "السويداء"، الممتد من قرية "أم الزيتون" جنوباً وحتى قرية "الصورة الكبيرة" شمالاً، بمنزلة الذاكرة المؤرخة لتاريخ منطقة "اللوا" الحاضنة لعشر قرى مائياً وأثرياً، فالأخاديد التي رسمها الماء على أرض الوادي تدل على أنّ السيول المائية هي اللغة التي كانت حاضرة في تلك الحقب الزمنية، إضافة لاحتضانه عشرات المعالم الأثرية التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني الميلادي.

معالم أثرية

شكّل وادي اللوا الذي استُخدمت مياهه في إرواء الأراضي الزراعية من قبل السكان المحليين في هذه المنطقة، نقطة الإنطلاق لدى هؤلاء السكان نحو زراعة المحاصيل الحقلية الصيفية والأشجار المثمرة، إذ يقول الباحث الأثري الدكتور "نشأت كيوان" لمدوّنة وطن eSyria ": "يعود تاريخ وادي اللوا الذي شييدت على جانبه الأيمن عشر قرى، إلى القرن الثاني الميلادي، حيث يحتضن هذا الوادي العديد من المعالم الأثرية والتاريخية الدالة على تعاقب حضارات عدة على هذه المنطقة، وتُظهر الأقنية الحجرية التي اندثر معظمها، كيفية قيام قاطني تلك المنطقة باستجرار مياه الوادي عبر مجارٍ منظمة إلى البرك المائية القديمة، والآبار الرومانية التي كانت بمنزلة المُثبت الأساسي للأهالي في هذه القرى، ومن الملاحظ أيضاً أن حافة الوادي الغربية تشرف عليها صبات بازلتية بارتفاع يبلغ حوالي سبعة أمتار".

ويضيف "كيوان": "من أهم المعالم التاريخية التي تم تدوينها على الوادي، المطاحن الحجرية التي استخدمها الأهالي مع بداية القرن العشرين، ولم يبقَ منها سوى حجارتها، كما تدل الأبحاث والدراسات الأثرية أنه يوجد على جانبي الوادي العديد من المُغر الطبيعية الصغيرة التي استخدمت للسكن في العصور القديمة، مستفيدين من مياه الوادي، الذي يعد المجمع الأساسي لمياه الأمطار".

الدكتور نشأت كيوان

ذكريات لا تنسى

الصخور في وادي اللوا

يقول أحد أبناء المنطقة "فارس شرف": "نحن كساكني هذه المنطقة منذ حوالي سبعين عاماً، لنا ذكريات لا تنسى مع وادي اللوا، لكونه كان في يوم من الأيام بمنزلة الشريان المائي الوحيد، الذي استطاع أن يضخ روح الحياة لمئات الدونمات من الأراضي الزراعية ليصار إلى زراعتها فيما بعد بالمحاصيل الصيفية".

ويضيف: "لقد كان هذا الوادي المُجمع المائي الوحيد في تلك المنطقة لمياه الأمطار، فمن منا لا يتذكر كيف كان يأتينا هذا الوادي فارشاً أذرعه على جميع الأراضي الواقعة على جانبيه، خاصة في شهر آذار من السنة، وكيف كان أهالي القرى يخرجون شيباً وشباباً لتنظيم مجرى هذا الوادي كي لا تذهب المياه من غير منفعة، إضافة لذلك فقد كان الوادي بمنزلة صمام أمان لأهالي هذه القرى من الناحية المائية، لكونه يغذي مئات المناهل المائية الواقعة في هذه القرى، من خلال أقنية ترابية أو حجرية تم إحداثها خصيصاً لهذه الغاية".

فارس شرف

رحى المطاحن

ويقول "أحمد ذياب": "لوادي اللوا عندنا نحن جيل الأربعينيات ذكريات جميلة، حيث كانت مياهه تدير رحى مطاحن الحبوب لنحصل على مادة الدقيق.. كان أهالي القرية ينتظرون مجيء الوادي بفارغ الصبر، ليبادروا للذهاب إلى مطحنة الحبوب لتأمين مؤونة البيت من الدقيق، إضافة لذلك كان وادي اللوا يعد المصدر المائي الرئيس لري الأراضي، لتتم زراعتها فيما بعد بالبندورة والخيار والكوسا.. الخ، حيث كان المزارعون يتبادلون الأدوار في سقاية الأراضي بالتناوب".

ويتابع بالقول: "عدا عن ذلك كان أهالي القرى التي يمر منها وادي اللوا خاصة خلال شهر نيسان، يذهبون إلى هذا الوادي لغسيل المدافئ التي تعمل على المازوت والسجاد المنزلي وغيرها من مستلزمات المنزل، والأهم من ذلك فقد كان هذا الوادي ولا سيّما في تسعينيات القرن الماضي، ملتقى الأصدقاء والأهل خاصة الباحثين عن الراحة والطمأنينة ضمن أحضان الطبيعة".

ويشير إلى أن وادي اللوا وبعد إقامة سد شهبا، انعدم جريانه وللأسف تحول هذا الوادي إلى مكب للنفايات والصرف الصحي ولم يبق منه سوى ذكريات الطفولة والشباب".