عندما يدور الحديث عن فن التطريز، تأخذنا المخيلة في رحلة بعالم الجدّات والأعمال اليدوية التي لم تتفوق عليها الآلات رغم حداثتها، فالتطريز فن يعود إلى ثلاثين ألف سنة مضت، و هذا يدل على أصالة هذا الفن وعراقته، بدءاً من "الهند" و"الصين" حتى "مصر" وبلاد الشام.

الشابة الموهوبة "ليليان خاشو" من مدينة "صافيتا"، 29 عاماً، خريجة المعهد المصرفي التجاري، لم تجد الفرصة المناسبة للعمل في مجال دراستها، فاتجهت إلى عالم القماش والخيوط الملونة، لتستهويها مهنة التطريز وتدخل من خلالها عالم الاحتراف.

فن بالصدفة

تقول "خاشو" في حديثها لمدوّنة وطن "eSyria": "بدأت علاقتي مع فن التطريز بالصدفة، لتتحول فيما بعد إلى شغف أثار إعجاب وتشجيع المحيطين بي.. فن التطريز يحتاج إلى الموهبة والمهارة، ورُكنا نجاح هذه الموهبة هما الذوق الفني والصبر، بالإضافة إلى الأداة الأساسية وهي الغرزة، والنظافة والعمل النابع من القلب، لتجتمع هذه الأركان وتقدم الفكرة المطرّزة بشكلها النهائي.. هناك رسومات تستهوي البعض كرسومات الخضار والحيوانات، حيث أبدع البعض بهذه الرسومات وتميزوا بها دون غيرهم.

تؤكد الشابة على أهمية انتشار الورش من خلال الجمعيات الحرفية، لترويج هذا الفن العريق تاريخياً، و"سورية" -باعتراف عالمي- هي سيدة النسيج، وأول من عرفت الأصبغة والتلوين، خاصة "الأغباني" الذي طرزته الإبر الدمشقية، ونحن بدورنا نعمل على استمرارية هذا الفن ضمن إمكانياتنا.

عشق الفلكلور

يستهوي "خاشو" التطريز الفلكلوري "الفلسطيني" الذي يختلف عن التطريز "السوري" بسبب الاختلاف الديموغرافي، وهي تأمل الحصول على اهتمام الهيئات الحرفية المختصة، بالعمل على تمتين حضور الخيط "السوري" كسابق عهده في المعارض المحلية والعالمية.

ليليان خاشو

وتعدّ فن التطريز كغيره من الفنون التقليدية، كالموسيقا والرسم والنحت، فهو ليس مقتصراً على الإناث فقط، فالإبداع عنصر مشترك عند كلا الجنسين، ولكن بما أنّها مهنة ناعمة فقد استحوذ عليها العنصر النسائي أكثر.

تقول "خاشو": "نستطيع إدخال الحداثة على التطريز بعد إتقان الأساسيات وهنا تظهر الموهبة، ومن هذا الخليط نبتكر أسلوبنا الخاص في اختيار تدرجات الألوان، أو تصميم غرزة جديدة، والآن هناك تقنيات حديثة تقوم على إسقاط الصورة الثلاثية الأبعاد على اللوحة المطرّزة، و لهذا النمط جمهوره، ويوجد حالياً إقبال كبير على تعلم هذا الفن لعدة أسباب، منها رغبة ربات البيوت بتطريز واقتناء مثل هذه اللوحات للعرض في المنازل، أو رغبة في التعلم لإصلاح الملابس التي أصبح شراؤها عبئاً كبيراً، أو لإعالة أنفسهن، وأكثر الفئات العمرية إقبالاً من هنّ في مقتبل العشرينيات".

تنمية الموهبة

تشير" خاشو" إلى أن الممارسة الدائمة للتطريز تخلق سلاسة ولغة بين الأنامل و الإبرة، ويجب على من يقوم بالتطريز التعلم من الخطأ أثناء الغرز، وهناك أيضاً دورات اليوتيوب التي توفر المال والوقت وتُغذي الموهبة وتقدم كل جديد، بالإضافة إلى ورش التدريب.

وتؤكد أهمية احتفاظها بالقماش القديم الذي يعبر عن بداية شغفها بطارة القماش، ليتيح لها المقارنة ورؤية المستوى الذي وصلت إليه يدها في العمل، تحب التطريز الصيني وتعشق أسلوب "ميشيل ستاب"، وترى أنه على المطرّز أن يجدد في أسلوب العمل، ولا يعتمد فقط على القماش، بل اتباع أساليب مستحدثة من خلال التطريز على الملابس، والجلديات كالجزادين والأحذية، لنخرج المستهلك من دائرة الملل.

فروق وصعوبات

من وجهة نظر "خاشو" لا يوجد فرق في فن التطريز بين الماضي واليوم، فالمبادئ الأولية هي ذاتها، لكن التطور الحاصل بسبب (الإنترنت) جعل المبادئ ثقافة متداولة تتيح للفنان التوسع باطلاعه على فلكلور الشعوب التي أبدعت في هذا الفن كـ"الصين" و"فلسطين" و"تركيا" و غيرها، و بالتالي يخلق أفقاً لابتكار فكرته الخاصة.

وعن صعوبات المهنة تشير "خاشو" إلى صعوبة توفر المواد في الأسواق، فالقماش والخيوط أنواع: "فقدنا النخب الأول منهما في الساحل، وأيضاً هناك صعوبة في إيجاد خشب الزان المفضل في صناعة الطارة ونستعيض عنه بالخيزران".

كما تشجع على تعلم الحرف اليدوية بشكل عام والتطريز بشكل خاص، وأن يكون غاية التعلم في المرتبة الأولى التعرف على هذا الفن الجميل، ناهيك بأنه يدرّب على الصبر الذي ينعكس على الشخص اجتماعياً.

تبقى الإشارة إلى أنّ "خاشو" تتعامل اليوم مع جمعيات خارج "سورية" لتصريف أعمالها، واستطاعت أن تجمع باقة من السيدات للعمل معها وبالتالي مساعدتهن في تأمين سبل العيش الكريم.