يقع حي "القاطرجي" بـ"حلب" في أقصى الشمال الشرقي للمدينة، ويتميز بحركة نشاطه التجارية والصناعية التي لا تهدأ، ولعلّ ما يزيد من أهمية الحي، السوق الصناعي الشهير الذي يتوسطه والمتخصص بإصلاح وتعمير السيارات الصغيرة والمتوسطة، ما جعله محط أنظار وقبلة أبناء المدينة الذين يقصدونه من كل الأحياء والمحافظات الأخرى القريبة لمهارة صناعه ومهاودة أسعاره قياساً بالأسواق الأخرى المماثلة.

عن كثب

يعد حي "القاطرجي" من الأحياء ذات الكثافة السكانية العالية، حيث يقطنه أكثر من ثلاثين ألف نسمة، ويرتبط الحي بأحياء مهمة مجاورة له مثل أحياء "الشعار" و"كرم الميسر" و"قاضي عسكر" و"طريق الباب" و"باب النيرب"، وفي داخل الحي سوق كبير للخضار وبيع الأسماك، وهناك في الحي خمس مدارس وثلاثة أفران لإنتاج الخبز وسوق آخر لبيع الإطارات الجديدة والمستعملة، وعدد كبير من العيادات الطبية والصيدليات.

"حي القاطرجي" شهد في العقود الثلاثة الماضية ازدهاراً ونشاطاً نافس به أحياء "السليمانية" و"الراموسة" وكان قبلة أهالي المنطقة الشرقية

يمتهن أغلب أبناء "حي القاطرجي" المهن والحرف الصناعية مثل تجارة الحديد والصاج وتصليح وبيع مستلزمات السيارات، كما تتوافر محلات الزينة والفرش والبخ والتصويج والكهرباء، ويضم بعض الورش والأقبية البسيطة للخياطة.

تصليح مختلف أعطال العربات يمارسها المهنيون في الحي

في حديثه لموقع مدوّنة وطن "eSyria" يقول عضو مجلس الحي "بدر بدوي" (45) عاماً: «ولدت وعشت في هذا الحي الشعبي الجميل والكبير، يمتاز أهله بشغفهم وحبهم للعمل واستيقاظهم مبكراً للتوجه نحو محلاتهم الصناعية لفتحها والاسترزاق منها، يأتي إلى حينا أغلب مقتني العربات الصغيرة والمتوسطة من المدن والأرياف القريبة الأخرى المجاورة لفحص وتصليح وتعمير عرباتهم، ويفضلون سوقنا عن باقي الأسواق الأخرى المنتشرة في المدينة لجودة العمل وانخفاض أجور قيم الإصلاح، وجميع أبناء الحي يعرفون بعضهم بعضا، ويتشاركون في الأفراح والأحزان ويمدون يد العون للمحتاجين.. توقف نشاط الحي خلال الأزمة وبعد التحرير استعاد حيويته بنسبة كبيرة ونفض غبار الحرب عن كاهله، وعاد الأهالي لمنازلهم وأصحاب المحلات للترميم وافتتاح ورشهم، وما نحتاجه وصول التيار الكهربائي لإتمام عملية البناء ورفع مستوى الدخل والمعيشة».

العودة من جديد

يتوسط "حي القاطرجي" سوق صناعي لإصلاح العربات وعنه تحدث (المكنسيان) "نائل قريط" (56) عاماً: «اختار لي والدي مهنة تصليح السيارات (المكنسيان) وأنا صغير، وأخذني إلى صديق له بحي "المشارقة" يدعى "أبو ورطان" وكان بارعاً وماهراً في الإصلاح ويأتيه الزبائن للأمور الميكانيكية المستعصية والصعبة من جميع المناطق، كان دوري يقتصر حينها على تنظيف المحل وجمع العدة وفك وتركيب براغي المحرك، وبقيت تحت يده خمسة عشر عاماً وزادت خبرتي، ثم انتقلت بعدها لمعلم آخر لصقل حرفتي، وفي عام 1983 قررنا أنا وشريك لي فتح محل في "حي القاطرجي"، وبعد مدة انفضت الشراكة بيننا وأصبحت مستقلاً بعملي وطورت مهامي لبيع وشراء القطع التبديلية الحديثة والمستعملة».

بدر بدوي عضو لجنة حي القاطرجي

ويضيف: «خلال الأزمة أغلق السوق تماماً ونقلت عملي إلى حي "دوار الموت" في مدخل المدينة لمدة ثلاث سنوات، وبعد التحرير عادت الحياة والحركة للسوق وعدنا جميعاً لافتتاح محلاتنا والعمل بها من جديد».

أسرار المهنة

بدوره "أحمد علي ياقدي" (54) عاماً يتحدث عن مهنته الحدادة الإفرنجية وتصليح (الردياتورات) التي تعلمها قبل أكثر من ثلاثين عاماً على يد والده بمحله في "حي القاطرجي" ويروي أسرار المهنة، فسعر (الأشطمان) الجديد على حد وصفه لم يكن يتجاوز ألفاً وخمسمئة ليرة مع أجور فك القديم وتركيب الجديد، بينما الآن قد يصل سعره إلى مئة وخمسين ألفاً، ويقول: «"حي القاطرجي" شهد في العقود الثلاثة الماضية ازدهاراً ونشاطاً نافس به أحياء "السليمانية" و"الراموسة" وكان قبلة أهالي المنطقة الشرقية».

سوق الإطارات داخل حي القاطرجي

ختام جولة المدوّنة كانت في أحد محلات الحدادة الإفرنجية للمهني "أحمد حجار" (40) عاماً الذي يقوم بتفصيل الدرابيات والأبواب والخزانات والشمسيات، والذي يقول: «للأسف قليلون جداً من يرغبون بتعلم مهنتنا لصعوبتها وضعف مردودها في الوقت الحالي، حيث كل عملنا يتوقف على ترانس اللحام الذي يعمل على الكهرباء الغائبة كثيراً، ما يربكنا ويضعنا في مواقف صعبة وخسائر واهتزاز الثقة أمام زبائننا».

بقي أن نقول إنه يوجد داخل "حي القاطرجي" عشرات المحلات من الفراشين وبيع الزينة والخياطين، ويتشاركون وينسقون مع باقي المهن الأخرى لأجل إتمام نفض وإصلاح السيارات.

تمت اللقاءات والتصوير داخل "حي القاطرجي" بتاريخ العاشر من شهر آذار.