ترتبط مدينة "سلمية" بشبكة من الطرق الرئيسية التي ارتبط تاريخها بتاريخ المدينة، وقد حافظت هذه الشوارع على طبيعتها الزراعية حتى منتصف القرن الماضي لتتحول ومع التطور الخدمي، إلى شوارع معبّدة تزخر بالحياة الاقتصادية والتجارية التي باتت تميزها، مع احتفاظها بمحطات لا تزال خالدة في ذاكرة الكثيرين ممن عايشوا هذه الشوارع في بدايتها.

شرايين حياة

يستعرض الباحث الجغرافي "حسن القطريب" 1947 أهم الشوارع الزراعية في "سلمية" ويقول: «شارع الثورة وهو يربط "سلمية" بالريف الشرقي، استحدث عام 1966 - 1967 وكان مرصوفاً بالحجارة الزرقاء، ويشق المدينة من وسطها وساحتها حيث السرايا والجندول والحمام الأثري ومسجد الباسطية الموجود تحت الإسفلت الآن، وحتى مسجد آل "القطريب"، واستملكت العقارات التي تلي المسجد شرقاً وكان عرضه 20 متراً ولكن تجاوزُ مخالفات البناء جعله الآن أضيّق، وهذا الطريق يؤدي إلى سوق الهال وناحية "بري الشرقي" وريفها وصولاً لجبل "البلعاس"، ويعد هذا الشارع حالياً شريان المدينة وفيه عيادات طبية وصيدليات ومحلات ألبسة، ومجوهرات الذهب وألبسة ومفروشات منزلية وهو معبّد بأرصفة ضيقة مشغولة من قبل الباعة وأصحاب المحلات التجارية، ويتفرع عنه شمالاً سوق الخضار الذي يخدم الأحياء المحيطة به».

ويبدأ من وسط "سلمية" باتجاه الشمال حتى يتقاطع مع المحلق الثاني فيتجه شرقاً حتى مؤسسة الكهرباء ثم يتجه شمالاً ليصل ناحية "السعن"، وفي هذا الشارع مشافٍ خاصة وعيادات طبية وصيدليات ومحال تجارية لبيع الأدوات الكهربائية والأثاث المنزلي وفنادق

ينتقل الباحث في حديثه إلى شارع "حماة" ويضيف: «يبلغ طوله 4.3 كم وبعرض 5 أمتار، يبدأ من السرايا وحتى جبل عين الزرقاء، وتوسع الآن حتى أصبح 16 كيلومتراً ذهاباً وإياباً، ويؤدي إلى محافظة "حماة" والمشفى الوطني وإلى أقدم مدرسة وهي الثانوية الزراعية، واستحدثت عدة كليات ومدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية، والحديقة العامة، وعدة مطاعم ومسابح، والفرن الآلي».

الباحث الجغرافي حسن القطريب

معالم وتواريخ

الحلواني سامر اليوسف

ومن الشوارع الرئيسية في سلمية -حسب الباحث "قطريب"- شارع إخوان الصفا (السعن): «ويبدأ من وسط "سلمية" باتجاه الشمال حتى يتقاطع مع المحلق الثاني فيتجه شرقاً حتى مؤسسة الكهرباء ثم يتجه شمالاً ليصل ناحية "السعن"، وفي هذا الشارع مشافٍ خاصة وعيادات طبية وصيدليات ومحال تجارية لبيع الأدوات الكهربائية والأثاث المنزلي وفنادق».

وأما شارع "حمص" فهو الطريق القديم، ويبدأ من وسط المدينة ومن أمام المجلس المحلي، ويبلغ طوله 4 كم تقريباً وكان عرضه 4 أمتار ويمر وسط المدينة ومن أمام قصر "إسماعيل الشهابي" الذي أصبح مخفراً للشرطة، وتحول إلى بناء للمؤسسة العسكرية، وكان هذا الشارع يتقاطع مع سعن "الجندي" جنوباً حتى "ضهر المغر"، ويؤدي إلى محلج القطن، وأما الشارع الجديد فهو أول طريق جديد استحدث في "سلمية" ويبدأ من عند بقايا جدار قلعة "سلمية" القائم في الجهة الجنوبية للسرايا وحتى "السعن القبلي" بعد شركة القطن، وهو بعرض 16 متراً كما يصل إلى مركز الانطلاق إلى كل المحافظات والأرياف المحيطة بـ"سلمية"».

يميناً صاحب المكتبة معتز الخطيب ويساراً المحامي محمد كركوز

من ذاكرة الناس

"معتز جعفر" 1961، يدير مكتبة في ساحة منطقة "سلمية" بجانب الجامع أسسها والده منذ عام 1968 يحدثنا عن ذكريات طفولته في هذه الساحة قائلاً: «كنت أرافق والدي للمكتبة لأساعده وأتعلم منه مذ كنت في السادسة من عمري، كانت الساحة فارغة من أي شجرة أو ديكور، لم تكن الحديقة موجودة، كانت السرايا القديمة التي كانت آثاراً باقية من قلعة "سلمية" وبنيت عليها السرايا الحديثة، ولم يبق من الآثار إلا الحائط الجنوبي فتظهر بناية "آل عباس" المبنية بالحجر الأزرق والتي كانت تنطلق منها وسائل النقل لـ"حمص" و"حماة"، حيث كنت أجد فرصة وأقطع الشارع لأحصل على جرعة دفء على الرصيف المقابل، في ذلك الزمن الجميل كان أبي يلقي تحية الصباح على جميع جيرانه تاركاً المكتبة في أمان».

المحامي "محمد كركوز" 1954 من سكان قرية "المفكر" يحدثنا عن ذكرياته مع رفاقه في شارع الثورة قائلاً: «كنت أقصد "سلمية" من قريتي "المفكر" وأنا في العاشرة من عمري مع أصدقائي سيراً على الأقدام في طريق ترابي 22 كيلومتراً لنصل إلى ساحة المدينة ونسير في شارع الثورة المرصوف بالحجارة الزرقاء، وكانت تغرينا أكلة "الفوا شات" فكنت آتي إلى هنا برفقة الأصحاب، أحياناً لمجرد الفرجة على المدينة، وأحياناً لمشاهدة الاحتفالات التي تقام في ساحتها بالمناسبات الوطنية، لقد تغيرت معالم الساحة الآن من الحجارة الزرقاء التي تحمي أقدامنا الصغيرة من أشعة الشمس في الصيف، ليحرقها الإسفلت البديل بعد ذلك، كم أتمنى لو حافظنا على تراثنا القديم».

بدوره يتحدث "سامر علي يوسف" حلواني 1969 ويقع محله على طريق "حماة"، عن حال الشارع من ذاكرة طفولته قائلاً: «هذا المحل ميراث جدي، وأذكر من طفولتي في عام 1973 كيف كانت الأبنية قليلة وترابية، والشارع تعبر فيه المواشي والخيول والعربات التي كانت وسيلة لنقل مواد البناء، لقد كانت "سلمية" بلداً زراعياً ورعوياً لكثرة مياهها وخيراتها، كانت هناك سينما وأماكن للعب الأطفال».

أجري اللقاء في 10 شباط 2022.