تبرز بين الحين والآخر مبادرات لمشاريع اقتصادية فردية وفريدة، لتوفير بدائل محلية للعديد من المواد المستوردة غالية الثمن، وفي هذا السياق يبرز المشروع الذي أطلقه الدكتور "حسان شباط" من مركز البحوث الزراعية، والذي يقوم على إنتاج السماد العضوي من الديدان، أو ما يطلق عليه علمياً سماد الـ"فيرمي كومبوست".

"فيرمي كومبوست"

يتحدث الطبيب البيطري "شباط" عن مشروعه ويقول: «كانت انطلاقتي في هذا المجال في عام 2019 عندما أحضرت كمية ديدان من المتخصص في مشروع إنتاج الديدان "حسان خليفة" الذي قام بإدخال هذه الدودة إلى "سورية"، فأجريت عدة تجارب بسيطة عليها، وأنتجت سمادها والمسمى "الفيرمي كومبوست"، وكانت النتائج ممتازة، لجهة تأقلم الديدان مع ظروفنا البيئية وتكاثرها، وإنتاجها لسماد عضوي وحيوي عالي القيمة والمحتوى».

كانت انطلاقتي في هذا المجال في عام 2019 عندما أحضرت كمية ديدان من المتخصص في مشروع إنتاج الديدان "حسان خليفة" الذي قام بإدخال هذه الدودة إلى "سورية"، فأجريت عدة تجارب بسيطة عليها، وأنتجت سمادها والمسمى "الفيرمي كومبوست"، وكانت النتائج ممتازة، لجهة تأقلم الديدان مع ظروفنا البيئية وتكاثرها، وإنتاجها لسماد عضوي وحيوي عالي القيمة والمحتوى

ويضيف: «تعتمد آلية إنتاج السماد على تدوير مخلفات المطبخ، والحقل والمزرعة ومخلفات معامل الصناعات الغذائية، والنسيجية ومخلفات أخرى، حيث يتم تجهيزها بطريقة بسيطة وتقدم كغذاء للديدان التي تقوم بهضمها، ومخرجات الدودة ذاتها هي سماد غني خالٍ من الروائح والملوثات، ويسمى "الكاست" علمياً، ويشكل مع ما تبقى من غذاء الدودة في حوض تربيتها -بعد تحلله في نهاية العملية- ما يسمى سماد "الفيرمي كومبوست"، وهو سماد طبيعي، ومغذٍ وآمن جداً، لكل الأنواع النباتية 100%، ومن خصائصه أنه يحتوي على المعادن الكبرى "NPK" والمعادن المتوسطة والصغرى النادرة، بالإضافة لغناه بالمحتوى البكتيري الهائل وعدة مجموعات مهمة للتربة وللنبات، وهي تلعب دوراً مهماً في القضاء على العديد من المسببات المرضية في التربة، كما يحتوي "الفيرمي كومبوست" على عدة أنزيمات تساهم في عملية تيسير العناصر الموجودة في التربة، وجعلها متاحة للامتصاص من قبل النبات».

المهندس ضياء الأحمد ومشروعه الخاص

جودة وكفاءة

العناية بالدودة

ومن ميزات سماد الديدان العضوي "فيرمي كومبوست" حسب قول الباحث إنه يحسّن الخواص الفيزيائية والكيميائية للتربة، ويجعلها أكثر صحة، "هو يقدم للنبات محتواه المغذي بشكل مستمر ومتزامن وطوال فترة نمو النبات، وبالإضافة إلى محتوى السماد من البكتيريا والأنزيمات فهو يحتوي أيضاً على الهرمونات ومنظمات النمو، وهي تؤثر في مؤشرات النمو الخضري والثمري للنبات بشكل واضح، كما تقوم الديدان بتناول مختلف أنواع الملوثات الموجودة في المخلفات، لتعطي سماداً معقماً وخالياً من الروائح والمسببات المرضية.

وعن تجارب الدول الأخرى الناجحة والجدوى الاقتصادية، يوضح "شباط": «توجد عدة تجارب دولية ناجحة في هذا المجال، وهناك عدة دول مصدرة لهذه المادة وقد حققت من إنتاجه دخلاً قومياً، مثل "كوبا" و"الهند" و"الصين"، بالإضافة إلى تكثيف البحث العلمي حول الديدان، وطرق الاستفادة منها في مجالات الزراعة والصناعة والطب، في دول مثل "الولايات المتحدة الأمريكية" و"البرازيل" و"ألمانيا" و"إسبانيا" و"الأرجنتين" وغيرها، وفي المحيط العربي، تميزت "مصر" بوجود شركات خاصة تقوم بإنتاج سماد "الفيرمي كومبوست" ومنتجاته».

مجدية ولكن!

وعن الجدوى الاقتصادية لإنتاج السماد، يحددها "شباط": «بانخفاض التكلفة أثناء عملية التأسيس، حيث لا يتجاوز سعر الدودة 200 ليرة وهي متاحة، أما تكلفة الأحواض فهناك مرونة في ذلك، فيمكن صناعة الأحواض من (البلوك) الأسمنت مع تلييسه، أو من براميل بلاستيكية، أو أوانٍ بلاستيكية مختلفة الأشكال والأحجام، أو من (الفلين)، حيث يتعلق الأمر بميزانية الشخص، وممكن أيضاً ترك بيئة الديدان على شكل كومات طولية، بارتفاع 30 سم فوق سطح الأرض».

ويتابع الباحث "شباط" حديثه بالقول: «الغاية من عملنا أن يقوم كل مزارع بإنتاج سماد طبيعي لمزرعته، أما الإنتاج بهدف البيع بشكل تجاري، فهو يحتاج متطلبات ملائمة أكثر للعمل، حالياً أنا أقوم في مكان عملي الخاص، بعزل جزئي للأحواض تجاه الظروف البيئية، وأقوم بتربية الديدان لإنتاج السماد، وهذا ما يجب العمل عليه في بلادنا من قبل المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة خاصة، حيث يجب أن يقوم كل مزارع منهم بإنتاج السماد اللازم لأرضه بنفسه، وهذا المنتج لا يمكن مقارنته بشكل أو بآخر، مع أنواع الأسمدة الأخرى المعروفة، فهو يتفوق عليها بخواصه، ويعدُّ السماد الأول على مستوى العالم، فحين يقوم المزارع بإنتاج سماده بنفسه، مستغلاً مخلفات حقله، وبقايا محاصيله غير الصالحة للبيع، يحقق جدوى اقتصادية مرتفعة، حيث لا يدفع تكلفة لتغذية الديدان، ولا يرمي مخلفاته أو يحرقها، والديدان لديه مستمرة في عملية إنتاج "الفيرمي كومبوست"، وأيضاً في عملية تكاثرها وزيادة الإنتاج الكلي».

وعن المشكلة التي تواجه هذه المشروعات يقول: «تكمن المشكلة بأن السماد غير معروف حالياً بالشكل المطلوب، كما أنه غير معروف للأسف في الوسط العلمي، فمثلاً كثير من المهندسين الزراعيين، ليست لديهم معلومات عن السماد أو عن الديدان، وأهميتها للإنتاج الزراعي وللبيئة وللمناخ، والسبب طبعاً ضعف المعلومات بشكل واضح في كليات الزراعة، وعدم تحديثها وتجديدها، لذلك قمت بنقل هذه التقانة إلى جامعة "البعث"، واليوم يوجد طلاب ماجستير ودكتوراه في هذا الموضوع، وبعضهم سيناقش خلال أسابيع قليلة قادمة، وبمواضيع مختلفة تتعلق بأداء السماد والديدان كل على حدة، بالإضافة إلى وجود فريق بحثي في مركز البحوث الزراعية في "حمص" يتابع العمل، ونحن جزء أساسي منه».

تجربة واعدة

المهندس "ضياء الأحمد" اختصاص بتروكيمياء، العامل في مصفاة "حمص" عن تجربته قائلاً: «بالإضافة لعملي الوظيفي، أقوم بزراعة الفطر "المحاري"، وتربية الدودة، حيث كانت البداية مع زراعة الفطر الذي تنتج عنه مخلفات لا بأس بها، كنا نرميها في القمامة، فتوجهنا نحو التفكير بطريقة تجارية مجدية، فالتقيت مع الدكتور "حسان شباط"، تحدثنا بشكل مطول عن إمكانية الاستفادة من هذه المخلفات، حيث كنا نفكر باستخدام هذه المخلفات كعلف للحيوانات، فنصحنا الدكتور بأن نقوم بتربية الدودة، وهي تجربة واعدة في البلد، وخصوصاً أنها تحتوي على "كربون النتروجين"، تقريباً 50%، وهي نسبة جيدة لعملية إكثار الدودة، وإذ حاولنا رفع نسبة "النتروجين" تصبح أفضل، لإنتاج "الفيرمي كومبوست"، وفعلا تم الأمر، وبدأنا بكمية ليست كبيرة، منذ عام ونصف العام، وأصبحت الآن لدينا كمية دود جيدة لتستهلك المخلفات التي لدينا، فكانت عملية تدوير المواد مصيرها القمامة، وتحولت إلى عائد مادي، وأصبحت لدي كميات دود يمكن المتاجرة بها، إضافة للسماد الدودي المطلوب في السوق نظراً لجودته العالية، وغلاء أسعار الأسمدة الكيميائية».

أما آلية العمل، فيقول عنها: «نقوم بتعقيم مخلفات الفطر للقضاء على المسيليوم الموجود فيها، ونتركها مدة ثلاث أسابيع، لتتحلل، ومن ثم تقدم للدودة، ويعدُّ "الكربون" الموجود في هذه المخلفات متاحاً أكثر للدودة، حيث يساهم المسيليوم بتحليل التبن، فالتبن المضاف مباشرة، يأخذ وقتاً أطول للتحلل، ومن خلال تجربتي أشجع على مشروع إنتاج "الفيرمي كومبوست"، لجودته العالية، كما ذكرنا سابقاً، ويعدُّ مناخ منطقتنا المعتدل مناسباً لنمو هذه الدودة».