دائماً ما شكّلت الأعمال اليدويّة كالخياطة وحياكة الألبسة الصوفية وتطريز الستائر والأغطية وصناعة الأطباق وغيرها، نموذجاً لعمل المرأة الريفية قديماً، حيث كانت هذه الأعمال إحدى مهام السيدات آنذاك، وبعد فترة انقطاع عادت هذه الأعمال إلى الواجهة من جديد مع ازدياد الحاجة للاعتماد على عدة مصادر للدخل في الأسرة الواحدة، مع لمساتٍ عصريّة وابتكاراتٍ متفرّدة.

مواهبُ متعددة

كأيّ طفلةٍ أحبت اختراع الأشكال وابتكار التصاميم البسيطة مما توافر من مواد، اعتادت "رامه خليل" انتزاع حبات الخرز عن ملابس والدتها ولصقها على قطع الكرتون، وصنع شرائط ملوّنة ولصقها كزينة على هذه التصاميم، هكذا بدأت تنمو أولى بذور موهبة التصميم لديها، وتقول في حديثها لمدوّنة وطن بتاريخ 9 كانون الثاني 2022: «أهملت هوايتي في ابتكار التصاميم لسنوات طويلة، لكن عدت للعمل بها بعد أن تزوجت، وجعلت منها وسيلةً لكسب الرزق، فقد فكرت بمشروع تصميم الإكسسوار من جوانبه كافة، من ناحية تأمين المواد الأولية الخاصة، وكيفية ابتكار تصاميم جديدة ومتفرّدة، وأيضاً كيفية الترويج والتسويق، فسوق الأعمال اليدوية يضم الكثير من المنافسين، وبدأت العمل وتحقيق النجاح».

كأم لديّ احتياجات تخص المنزل وطفلي لذلك سأعمل، ولا رغبة لي في التخصص، والحقيقة أرى أن كل المجالات التي أعمل بها مرتبطة فيما بينها، كونها تعتمد على الخيال والإبداع والابتكار

إلى جانب احترافها تصميم الإكسسوار، احترفت "رامه" التصوير الفوتوغرافي، الأمر الذي ساعدها بالتقاط صور احترافية لتصاميمها، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لها، وعن هذا الجانب تقول: «ابتكار آلية متفردة للترويج لأعمالي اليدوية يصبُّ في مجال دراستي الجامعية، فأنا مجازة في الإعلام من الجامعة الافتراضية السورية باختصاص الإعلام الإلكتروني، الأمر الذي ساعدني في الدراسة النظرية لتفاصيل مشروعي الخاص قبل البدء بالتنفيذ على أرض الواقع». وبالإضافة إلى التصميم اليدوي والتصوير الفوتوغرافي تعمل ضمن مجال اختصاصها الجامعي فهي مذيعةٌ في إحدى الإذاعات السورية، وتعمل أيضاً في مجال التعليق الصوتي والدوبلاج.

من أعمال رامه وميادة

تواجه "رامه" عبارات المنتقدين (تحملين أكثر من بطيخة بيد واحدة) و(مسبعة الكارات) و(لماذا كثرة الأعمال؟ تخصصي واكتفي بمجال واحد)، فتجيب: «كأم لديّ احتياجات تخص المنزل وطفلي لذلك سأعمل، ولا رغبة لي في التخصص، والحقيقة أرى أن كل المجالات التي أعمل بها مرتبطة فيما بينها، كونها تعتمد على الخيال والإبداع والابتكار».

وتوجه رسالتها لكل سيّدة "مترددة" أن تجعل من هوايتها مصدراً للحب، وأن تعلّم أبناءها تنميةَ هواياتهم، فهي تعادل في أهميتها أهمية التفوق الدراسي، وهناك الكثير من الجمعيات التي تقدم دورات تعليمية خاصة بالمهن اليدوية، كما أنها تعدُّ "اليوتيوب" أفضل معلم لمن يريد العمل في هذه المجالات.

إعادةُ تدويرٍ

ومن خلال الأعمال اليدويّة أيضاً خلقت "ميادة ديب" لنفسها فرصة عمل، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، فقد امتلكت موهبة صناعة الكروشيه والصوف والإكسسوار، بالإضافة إلى إعادة التدوير، كذلك تعمل في مجال تصميم زينة الحفلات وزينة الميلاد وحفلات (السنونية) والتخرج بتصاميم مبتكرة.

تقول "ميادة": «بدأت العمل والتسويق لمنتجاتي من خلال بعض المعارض وصفحتي الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، ثم انتسبت إلى جمعية الحرف اليدوية على أمل تأمين المساعدات من خلال القروض، لكن حتى اللحظة لم نحصل على أي دعم، فانتسبت إلى هيئة تنمية المشروعات الصغيرة في "طرطوس" حيث أُتيحت لي الفرصة من خلالها للمشاركة في أحد المعارض بصالة "طرطوس" القديمة، حيث يتم تأمين كل الدعم للمشاركين، كذلك قدمت الهيئة للمنتسبين دعماً من ناحية الدورات التدريبية، حيث اتبعت دورة "ماركة مسجلة" ودورة "ريادة أعمال" وغيرها، ومؤخراً كانت لي مشاركة مع الجمعية السورية للتنمية الاجتماعية، من خلال معرض أُقيم في نهاية حملة "16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة"».

أما الآن تعمل "ميادة" على تأسيس مشروعها الدائم المتمثل بإعادة إحياء حرفة تراثية هي (حياكة المدّات والبسط) على آلة "النول"، مستفيدةً من بقايا الألبسة والأقمشة، وعلى الرغم من قلّة المردود المادي لهذا العمل، إلا أنها ترى فيه داعماً حقيقياً لأسرتها.

العيشُ بالموهبةِ

الموهبة والابتكار ليسا محصورين في مجال الأعمال اليدوية، إنما برزت على الواجهة مجالات أخرى منها الموسيقا والرسم وتنسيق الصباريات والحدائق والرياضة أيضاً.

فقد وجدت المدرّسة "ثراء محمود" لنفسها فرصة عمل من موهبة رياضية احترفتها منذ الطفولة وهي السباحة، يضاف إليها العديد من الفنون الرياضية، التي اجتهدت في تعلمها واحترافها بداية شبابها، لتجد نفسها بعد استشهاد زوجها مضطرةً للعمل لإعالة أسرتها، فبدأت تعليم الأطفال السباحة وبشكل تدريجي بدأت التدريب ضمن النوادي الرياضية، كذلك كمدربة خاصة للسيدات في المنازل.

لم تعتمد "ثراء" على أي وسيلة للترويج لمهاراتها، إنما من خلال العلاقات الشخصية، والمتدربين داخل النوادي الرياضية، لأسباب تتعلق بالمجتمع بحسب تعبيرها، أما اليوم فقد توقفت عن عملها بالتدريب الرياضي بسبب إصابة تعرضت لها، وتأمل أن تعود قريباً لممارسة هوايتها ونقل خبراتها إلى كل سيدة ترغب بذلك.