ما لا يعلمه كثيرون أن للكيلو غرام الواحد في مدينة "حمص" تقسيماً غير التقسيم المتعارف عليه، فموازين الباعة ما زالت تعتمد تقسيم الكيلو الواحد إلى أربع أوقيات بدل خمس، وهو نمط متعارف عليه في البيع ومنذ القدم، وذلك بالرغم من عدم وجود ما يشير صراحة إلى أسباب اعتماده لدى أهل "حمص" ولا تاريخه.

ميزةٌ فريدةٌ

بدأت رحلة البحث عن سبب تلك الميزة الحمصية من خلال حديث مدونة وطن "eSyria" مع الدكتور "عبد الرحمن البيطار" أستاذ التاريخ الجامعي ورئيس فرع "الجمعية التاريخية السورية" الأسبق الذي أكَّد قائلاً: «لا تحتوي مؤلفات المؤرِّخين الحمصيين على أيَّة إشارةٍ ولو بسيطةٍ حول التاريخ والسبب في اعتماد هذا التقسيم لمقياس "الكيلوغرام"، علماً بأنَّ كلمة "الكيلو" هي كلمة فرنسية الأصل تدلُّ على وزن مقداره 1000 غرام، ودخلت في تداولات التجارة زمن الاحتلال الفرنسي وتمَّ اعتمادها لاحقاً، بينما كانت "الأوقية" قديماً هي المقياس أو المكيال الشائع استخدامه في الأسواق، ومثلها الكثير من أنواع المقاييس والمكاييل التي اختفت من التداول؛ بسبب محددات التعاملات التجارية مع الأطراف الأجنبية كما في وحدة الكيل "الرطل" التي كانت أساساً في حركة البيع والشراء،وهذه الوحدة تعادل وزن 3 كيلو غرامات في أسواق "حمص" مختلفةً عن سواها مثل "الرطل الشامي" المعروف بقيمة 2.5 كيلوغرام، بلا سببٍ معروفٍ لهذا الاختلاف ولا زمن ظهوره، ليكون هو الآخر ميزةٌ أخرى حمصية فريدة، ويمكن اعتبارهما مسألة موروثٍ شعبي بلا توثيق».

خلال معاصرتي للعمل مع والدي وجدِّي الراحلين لم يرِد على ألسنتهم أيُّ ذكرٍ لسبب تقسيم "الكيلو" إلى 4 أوقيَّات ولا التاريخ الذي ظهر فيه، كون التعامل بين الباعة والناس بغالبيته كان يتمُّ بمقياس "الرطل" و"الأوقية" وهذا ما شاهدته في أحد السجلات التجارية القديمة الخاصة بعائلتنا

خلافُ الشائع

غموض سبب تلك الميزة الحمصية دفعنا أكثر للبحث وراء هذا الاعتماد الذي لم يحصر تاريخ ظهوره حتى يومنا هذا، في ظلِّ غياب أيَّة وثيقةٍ تثبت حقيقته، بعض الأقاويل رجَّحت زمن اعتماد "الأوقيات الأربع" لفترة الحكم العثماني والتي نفاها "محمد غازي حسين آغا" المؤرِّخ الحمصي المعروف تخصصه بتلك الفترة تحديداً خلال في حديثه مع موقع مدونة وطن "eSyria" والذي يقول: « بالنسبة لي كباحثٍ وعاملٍ في مجال التوثيق والتأريخ لعقودٍ طويلةٍ مضت، لم يتسنَ لي الحصول على وثيقةٍ تاريخيةٍ تُبيِّن سبب اعتماد هذا التقسيم الفريد للكيلو غرام بخلاف ما هو شائعٌ في بقية المدن السورية، رغم معرفتي بتاريخية أنواع المقاييس والمكاييل الوزنية الأخرى مثل "المدِّ" و"القنطار" و"الرطل" و"الشاهية" وسواها، التي كانت تستخدم قديماً في التعاملات التجارية والزراعية، حتى غيابه من الأحاديث المتوارثة عن لسان الأسلاف، مما يرجح القِدم التاريخي لاعتماد هذا المقياس الوزني الذي انفردت به بالمدينة عن سواها».

الدكتور عبد الرحمن البيطار

لا تأكيد

المؤرخ محمد غازي حسين آغا

سألت مدونة وطن "eSyria" أحد الأشخاص المهتمين بالتوثيق التاريخي في مدينة "حمص" وهو "عبد المؤمن الحجار" المعروف بلقب "أبو حذيفة الجلبجي"، عن أَّيَّة معلومةٍ متوارثةٍ لديه بهذا الشأن، فأجاب قائلاً: «خلال معاصرتي للعمل مع والدي وجدِّي الراحلين لم يرِد على ألسنتهم أيُّ ذكرٍ لسبب تقسيم "الكيلو" إلى 4 أوقيَّات ولا التاريخ الذي ظهر فيه، كون التعامل بين الباعة والناس بغالبيته كان يتمُّ بمقياس "الرطل" و"الأوقية" وهذا ما شاهدته في أحد السجلات التجارية القديمة الخاصة بعائلتنا».

رحلة البحث استمرت عبر السؤال لأكثر من شخصيةٍ لديها اهتمامات بمجال التوثيق التاريخي وبعضٍ من كبار السنِّ في مدينة "حمص" وحتى باستخدام محركات البحث على الشبكة العنكبوتية دون الوصول إلى نتيجةٍ مؤكَّدةٍ لسبب اعتماد "الأوقيات الأربع" لتبقى ميِّزةً حمصيَّةً فريدةً بامتياز.

اللقاءات مع الضيوف تمَّت عبر الهاتف بتاريخ 10-11 كانون الثاني 2022.