في منزل قديم وسط مدينة "السويداء" تلتقي باقة من المتطوعين في النطق والتربية والموسيقا والرسم، تحول خلال فترة قصيرة إلى مقصد الأطفال والأهالي، ليس روضة أو حضانة ولا مركزاً لكسب الرزق، هو باختصار نادٍ اختارت سيدة من "السويداء" إقامته لمرضى "متلازمة داون" فأصبح مكانهم المخصص للفرح والتدريب وقضاء وقت جميل.

نادي الفرح

باشرت السيدة "اعتماد العقباني" عملها التطوعي منذ عام 2006، وتابعت مجموعة من الأنشطة الاجتماعية انطلاقاً من رغبتها بتقديم ما لديها للمجتمع، بعد أن راقبت هذه الشريحة من المرضى، ولمست ظروفهم الاجتماعية والحياتية التي جعلتهم في الغالب رهائن المنزل، إلا قسماً يسيراً منهم ممن اتبع الرياضات الخاصة أو بعض المبادرات التي يعوزها الدعم، أو من استطاع الالتحاق بمعهد التنمية الذهنية التابع لمديرية الشؤون الاجتماعية بعمر أصغر من أربعة عشر عاماً.

من خلال النادي تمكنت من الحصول على هذه الفرصة لتقديم جلسات للأطفال مع القصة المصورة، أختار قصة تناسب هذه الحالات نعيدها، ونركز على لفظ الكلمات والمسميات

"العقباني" خططت للانطلاق بمشروع صغير هدفه دمج هؤلاء المرضى مع المجتمع، ووضعت منذ أشهر بذرة صغيرة لتأسيس نادٍ عبارة عن ثلاث غرف ومتمماتها وباحة في منزل قديم مؤلف من قاعة للتدريب وأخرى للعب، تخبرنا صاحبة فكرة إقامة نادي الفرح لاستقبال أطفال متلازمة داون وهي ربة منزل خمسينية، إنه وبعد سنوات من العمل في المجال التطوعي ولقاءات تكررت مع مرضى متلازمة داون وأمهاتهم وأسرهم بشكل عفوي، شعرت بهموم الأمهات ومعاناتهم مع أولادهم والحاجة لمكان وأنشطة تشغلهم، وتطوير ملكاتهم بما ينسجم مع حالاتهم الصحية ومساعدة الأهل وبشكل خاص الأمهات كون الأم بالنسبة لهم الشخص الأهم.

اعتماد العقباني مع طلاب النادي

متطوعون ومتطوعات

"العقباني" اقتطعت من مصروفها الشخصي وما يفيض عن حاجتها أولاً للحصول على المكان من خلال استئجار المنزل القديم وسط المدينة، وقامت بعملية الترميم بمساعدة "بشار نوفل" الذي تطوع بالجهد، ومن بعدها أصبح المكان جاهزاً لاستقبال الأطفال بشكل يومي وبشكل مجاني بعمل تطوعي خالص، وأسمته "نادي الفرح لمتلازمة الحب".

وتضيف: «أنا لست مختصة ولا معالجة، لكن عاشرت هذه الفئة وتعرفت على ما يحتاجونه ودخلت في حوارات طويلة مع الأمهات.. هم يستحقون الأفضل والواقع الحالي حرمهم من الانتساب للمراكز، كون التكاليف المادية تجاوزت إمكانيات الأهل».

المعهد الذي أضاءت شعلته السيدة بدأ يستقطب الأطفال، والعدد تجاوز 20 طفلاً في شهره الأول وهو في تزايد، كما أنه استقطب أيضا شريحة من المتطوعين والمتطوعات الذين دعموا فكرة "العقباني"، وساندوا المشروع وفق تخصصاتهم، لتنضم إليها متطوعات في المجال النفسي وفي النطق والرسم، وسيدات اخترن قضاء وقت في المركز، وتنظيم ألعاب وأنشطة لإسعاد الأطفال ومساعدة السيدة في رعاية الأطفال خلال ساعات الصباح والظهيرة التي يأتين فيها للمعهد.

وتتابع : «أثق أن أصحاب المعرفة والخبرة سيدعمون المشروع لتحقيق غاية اجتماعية إنسانية مفيدة، لأن هذه الشريحة ممن نستهدفهم لا يحتاجون للحسنات بل للفكر والحب وإرسال رسالة لمجتمع يعاني الكثير في رعاية أطفال متلازمة داون، وحالات مختلفة لابد من التكافل لرعايتها بشكل اجتماعي ونفسي وعلمي مدروس.. لقد بدأنا بتنفيذ برامج مشتركة وحفلات، إضافة إلى الجلسات التطوعية لشابات مختصات في مجال النطق واللغة، ما خفف الكثير عن الأهل مادياً ومعنوياً، إلى جانب متطوعين في مجالات مختلفة، فقد قدمت من اليوم الأول "سهير غنام" متطوعة تساعد في كل الأعمال، والمهندسة "لميس الحجلي" أعطت الرسم وإعادة تأهيل للأمهات و"علا حاتم" معظم الأيام متطوعة معنا، و"هنادي هنيدي" أيضا و"ريم الخطيب" و"ربا عربي" في مجال قراءة القصة، و"لينا مداح" تخصص نطق و"رفعت أبو عساف" موسيقا، و"مها رزق" رياضة و"عمار جربوع" عزف ناي وإيقاع كلهم قدموا معرفتهم وجهدهم لمساعدتي ومساعدة الأطفال وها نحن اليوم نحقق خطوة جيدة جداً».

عمل كبير

تقول "لينا مداح" مختصة نطق خريجة كلية التربية وماجستير بتقويم اللغة: «جهد كبير قدمته مؤسسة النادي وبالنسبة لي تطوعت لأقدم جلسات يحتاجها مرضى متلازمة داون كجلسات فردية، جزء كبير من الأهل يعجزون عنها بسبب الظروف المادية، أتواجد يومين بالأسبوع وهذا ما هيأ لي فرصة العمل والتواصل وأيضا مراقبة النتائج، أمامنا عمل كبير وأثق أنها البداية وأشجع كل من يجد لديه القدرة للمشاركة، ليس لأن هذه الشريحة تحتاج الدعم فقط، بل لأننا أيضا نحتاجهم ونحتاج طاقة الحب الإيجابية من هذه الأرواح الصافية».

"ربا عربي" خريجة رياض أطفال وأم لأبناء شباب تعمل في القطاع الخاص، تحاول الحضور بشكل يومي واختارت جلسات صباحية محورها قصص مصورة تحاكي من خلالها خيال الأطفال في عمل تعده الأكثر متعة وفائدة وتضيف: «من خلال النادي تمكنت من الحصول على هذه الفرصة لتقديم جلسات للأطفال مع القصة المصورة، أختار قصة تناسب هذه الحالات نعيدها، ونركز على لفظ الكلمات والمسميات ».

هواجس

للأمهات زوار النادي رأي واضح عبرت عنه "انديرا الحناوي" بقولها": «تجربة مميزة واهتمام كبير باحتضان كل الأطفال بمحبة وود، ابنتي وضعها جيد ونساعدها لتختار مهنة وقد أحبت تصفيف الشعر ومن خلال الجلسات شعرت باهتمام كبير بصحتها النفسية وتحسين اللفظ».

وفي الوقت الذي شكرت "خزامة أبو عسلي" والدة طفلة، كل من ساهم بإنشاء النادي نظراً لخدماته الكبيرة للأطفال، دعت المجتمع الأهلي لتطوير المشروع فأمهات أطفال متلازمة داون لديهن هواجس كثيرة ساعد النادي بتخفيفها، لكنها طالبت المجتمع بالتفكير معاً بمستقبل الأطفال بعد الأمهات، فهناك - كما تقول- عدد كبير منهم بعد وفاة ذويهم، لا يجد من يهتم به، فما المانع من التفكير بتأسيس مراكز خدمة اجتماعية لرعاية هذه الشريحة وضمان أمنها بوجود الأهل أو غيابهم.