قبل قرنٍ من الزمن تقريباً، شهدت مدينة "السويداء" انطلاقة أول مشفى في التاريخ الحديث، كان ذلك إبان فترة الاحتلال الفرنسي الذي استخدم منزل أحد أهالي السويداء حينها لإقامة المشفى، وبالرغم مما شهده القطاع الطبي في المحافظة من تطور سواء على صعيد الأبنية والمنشآت الطبية أو الكوادر، يظلُّ لأوّل مشفى في المحافظة صداه الذي ظل غائباً عن التوثيق والتدوين طويلاً.

أوّل مشفى

يقول الدكتور "كمال الفقيه" صاحب كتاب "أضواء على العمل الطبي في جبل العرب خلال القرن العشرين" وأحد مؤسسي الهلال الأحمر في "السويداء" لموقع مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 12 كانون الأول 2021 : «احتاج الفرنسيون بعد احتلالهم مدينة "السويداء" -إضافة لمشافيهم العسكرية النقالة- إلى إقامة مشفى ثابت يصلح لإسعاف الجرحى من جنودهم ومعالجة المرضى من عوائلهم ومن المواطنين المحليين بغية التقرب منهم، من خلال توفير خدمات العلاج والإقامة في المشفى والتي لم تكن متوافرة في الجبل قبل ذلك، وقاموا لتحقيق هذه الغاية باستخدام منزل "شاهين أبو عسلي" الملقب "أبو حمد" المجاور لمنزل المجاهد "حسين مرشد"، وهو بيت واسع بغرف متعددة تحيط بفسحتين داخليتين، ويقع بالقرب من المدرج الروماني الصغير أي في وسط مدينة "السويداء" كمقر لأول مشفى يقام في الجبل، وأطلقوا عليه في البداية اسم "مشفى الجبل"، وعملوا على تخصيص بعض غرفه بأسرة لإقامة المرضى، كما استخدموا غرفاً أخرى لأعمال الإسعاف والجراحة الصغرى وملحقاتها، وذلك تحت إشراف بعض من كوادرهم الطبية من الفرنسيين العاملين في القطعات العسكرية، وأوكلوا إدارته لفرنسي سيئ السيرة يدعى "ساسي أفندي" اصطدم مع المواطنين بسلوكه ومسلكه وخاصة مع المجاهد "حسين مرشد"».

ما دوّنه الدكتور "كمال الفقيه" في بناء أول مشفى في "السويداء" في منزل "شاهين أبو عسلي"، كان انطلاقة لبناء مشفى آخر تحت الوصاية الفرنسية ولكنه الأقدم أي قبل قرن من اليوم، ودخل في كادره التمريضي نخبة من جيل الشباب والنسوة اللواتي أردن العمل التمريضي خدمة لأهلهن في المدينة والريف، فلم يكن العمل الذي قدمه الكادر التمريضي حينها يقل أهمية عن عمل الأطباء في ذلك الزمن إن كانوا رجالاً أم نساء، ولم يبقَ منهم سوى "هاني جربوع" الذي حمل بذاكرته قيم العمل، وبدورنا وبعد التخرج باختصاص طبيب دخلنا معترك العمل الميداني، ويحسب للدكتور "كمال الفقيه" توثيق تلك الفترة الزمنية في تاريخ الطب التي كانت غائبة عن المؤرخين والكتّاب

روّاد الطبّ والتمريض

ويتابع الدكتور "كمال الفقيه" بالقول: «قامت السلطة الفرنسية بنقل محتويات المشفى الذي أقامته بدار "شاهين أبو عسلي" إلى مشفى آخر تم تشييده على أرض بجانب مقر الدرك والسجن والسرايا القديمة "بناء قيادة الشرطة حالياً"، وذلك بمبادرة من "مؤسسة الأشغال البروتستانتية للمساعدات الطبية"، وبناء على طلب وإلحاح الممرضة النشيطة المتطوعة للعمل الإنساني "راشيل غورين"، تألف بناء هذا المشفى من دورين يحتويان على عدة غرف لإقامة المرضى ولاستيعاب جميع خدمات الطبابة والإسعاف، وقدم خدماته الطبية للمدنيين إضافة للعسكريين، وأشرف على إدارته كادر طبي فرنسي من أطباء "د. كابتين كون، ود. كومندان اور، والدكتور فرانسوا"، وممرضات فرنسيات، وكادر وطني تم تدريبه على أعمال التمريض، وضم كل من الممرضات "فتنة علي الداوود، بتلة سعيد ارشيد، غزالة البدعيش"، والممرض المميز "فواز كرباج، ويونس جربوع فني تخدير"، و"أبو علي هاني جربوع" للطب الوقائي واللقاح، كما قام بأعمال الإدارة كل من السادة "جادو كيال ومحمد جانبية وداوود جربوع"، وكان كادر المشفى حينها روّاداً في المجال الطبي بما قدموه من خدمات طبية وخبرات نقلوها لغيرهم بحيث أصبحت قاعدة لخدمات طبية نظامية، استمر العمل في هذا المشفى حتى الاستقلال، حيث قامت إدارة الخدمات الطبية الوطنية بضم خدماته إلى المشفى الوطني، واستخدم بناء المشفى مدرسة إعدادية ثم ثانوية للبنات ويستخدم حالياً للصحة المدرسية».

الدكتور كمال الفقيه

معتركُ الطبّ

الدكتور عبدي الأطرش

الدكتور "عبد الأطرش" عميد المتطوعين في الهلال الأحمر ومن أوائل الأطباء بعد منتصف القرن الماضي يقول: «ما دوّنه الدكتور "كمال الفقيه" في بناء أول مشفى في "السويداء" في منزل "شاهين أبو عسلي"، كان انطلاقة لبناء مشفى آخر تحت الوصاية الفرنسية ولكنه الأقدم أي قبل قرن من اليوم، ودخل في كادره التمريضي نخبة من جيل الشباب والنسوة اللواتي أردن العمل التمريضي خدمة لأهلهن في المدينة والريف، فلم يكن العمل الذي قدمه الكادر التمريضي حينها يقل أهمية عن عمل الأطباء في ذلك الزمن إن كانوا رجالاً أم نساء، ولم يبقَ منهم سوى "هاني جربوع" الذي حمل بذاكرته قيم العمل، وبدورنا وبعد التخرج باختصاص طبيب دخلنا معترك العمل الميداني، ويحسب للدكتور "كمال الفقيه" توثيق تلك الفترة الزمنية في تاريخ الطب التي كانت غائبة عن المؤرخين والكتّاب».

كتاب التوثيق