ظلّت الكثير من المهن زمناً طويلاً حكراً على الرجال لاعتبارات كانت تعد أن لا قدرة ولا دراية للمرأة بممارسة هذه المهن، ولكن ومع مرور الوقت بدأت تظهر نماذج لفتيات استطعن خوض غمار التجربة والعمل بمهن وحرف كانت فيما مضى مسجلة باسم الرجال فقط.

نستعرض في تقريرنا نماذج لأربع فتيات استطعن ليس فقط تجربة بعض هذه المهن بل والنجاح والتميز فيها واتخذنها مصدر رزق لهن.

أولُ قطعٍ أنجزتها كانت لي، نتجت عن حبّي لاقتناء كلّ جميلٍ في عالم الإكسسوار، وعند بدء طرح الفكرة وما لاقته من ترحيب من المقربين تشجعت وانطلقت بتوسيع العمل

المشوار مع العدسة

تخرجت "براءة طالب" من هندسة التحكم الآلي والحواسيب عام 2021، اهتمت بكلّ صورة تلتقطها وإجراء التعديلات عليها منذ أن امتلكت جهازاً خلوياً، واشترت كاميرا بالتقسيط معلنةً بداية مشوارها مع العدسة، وما يميزها بحقّ هو تعلمها الذّاتي من خلال (اليوتيوب) إعدادات الكاميرا وطريقة التصوير بزوايا مختلفة، ممّا أهلّها بزمنٍ قياسيّ لمكانةٍ بين المصورين الفوتوغرافيين حتى باتت تُطلَب منها جلسات تصوير لمناسبات عديدة.

اكسسوارات "لينا"، زينة حفلة لـ"منال".

أعدت حقيبة تدريبيّة لدورة تصوير ضوئي (أنواع العدسات واستخدامها- أنواع الكاميرات- الإضاءة الصحيحة والزوايا)، ضمن مجال عمل مؤسسة "سوريين إيجابيين"، ولاقت صدىً إيجابيّاً في التدريبات النّظرية والعملية.

تقول "براءة": «بدأتُ منذ سنة وشهرين فقط، ووجدتُ في التصوير فسحةً من الجمال ومجالاً لعلاقاتٍ اجتماعية واسعة، وفي بادئ الأمر كانت هناك رهبة لديّ في مشوار التصوير ففيه خوض غمار مهنة كانت حكراً على الرجال، وكثير منهم وضعوا بصماتهم وأضحوا معروفين لدى الجميع، دون ملاحظة إناث تنافسهم في ساحة التصوير والشّهرة، صممتُ وسعيت لكسب الرهان والخروج من نمطيّة التصوير في ابتداعِ أسلوبٍ يميّزُ ما تلتقطهُ عدستي».

"براءة" أثناء التدريب.

وتتابع "براءة": «الدقة في المواعيد وأناقة المظهر الخارجي لدى المصوّر وأسلوبه السّلس والجميل، تلعبُ دوراً مهمّاً من وجهةِ نظري في إقناع النّاس بفكرته في التصوير من جهة وتشجيعهم على التعامل الدائم معه، ولا سيّما في مجال التدريب».

مصممة الحفلات

في نموذجنا الثاني نقف عند تجربة "منال خضور" الطالبة في السنة الرابعة - كليّة الحقوق بجامعة "البعث" وهي أم لطفلٍ، بدأت مشوارها في تنسيق الحفلات وزينتها وترتيبها مع حفلة عيدِ ميلاد ابنها، فالأحوال الماديّة القاسية حالت دون إقامة حفل عيد الميلاد كما ترغب هي، لذا حاولت ابتكار زينة بنفسها، فلم تنجح بإقامة قوس من البوالين في المرة الأولى لتعيدها مع حفلٍ لصديقتها ثمّ نسيبتها وتتقن العمل وتتوسع به.

تجسيد الرّيف البسيط لدى "فيحاء".

عدم وجود رأس مال وسلبيات التعامل عبر الإنترنت كانت من أبرز الصّعوبات التي واجهتها وتحدثنا عن ذلك: «في البداية عملتُ برأس مال بسيط، دونَ ربحٍ مادي، لأنّني كنتُ سعيدة بما أحقق من جهة، ولكسب ثقةٍ أكبر وشهرةٍ في مجال عملي، وعدم وجود رأس مال كان يدفعني أحياناً لأستدينَ ثمن المستلزمات وأرده بعدَ الحصولِ على أجرِ عملي، هناك صعوبات أيضاً من حيث العمل عبر الإنترنت، فمعظم عملي هو عبارة عن توصية من خلال صفحتي على (الفيس بوك) (party time)، وحدثَ أنّه بعد شرائي الأغراض يُلغى التنسيق وأخسرُ ثمنها».

وتضيف: «الظروف المادية الصعبة فرضت علي التفكير بالعمل لمساعدة زوجي المسرح من خدمة العمل حديثاً والذي سيعود لعمله قريباً في مجال تصوير الحفلات والجميل أنّه قريب من طبيعة عملي، لنكمل بعضنا البعض».

"منال".. ستتخرج من كلية الحقوق ولديها شغف العمل بالمحاماة، ولكنها - كما قالت - ستستمرُّ بعملها الخاصّ ساعيةً لتطويرِ ذاتها.

من التربية للتصوير

"فيحاء سهيل اليوسف".. تخرجت عام 2021 من كلية التربية قسم معلم صفّ، نشأتها في الرّيف الغربيّ لمحافظة "حمص" ساهمَت بتنمية موهبة التصوير لديها، فترى صورها تضجُّ بالألوان ناقلةً بهجةَ الطبيعة والعمل الرّيفيّ كالزراعة وجني المحاصيل، وتبيّن "فيحاء": «بدأتُ بتوثيق كلّ جميلٍ في ريفنا البسيط، والجلسات الرّبيعيّة مع العائلة، وعند نشر الصّور على مواقع التواصل الاجتماعي ووصول ردود تثني على تفاصيلها، تشجعتُ لاقتناء كاميرا والعمل عليها بجلسات تصويريّة خاصّة، وما يسعدني أنّها تزداد مع توسع الأشخاص الواثقين بعملي».

وعن عملها ضمن نادٍ تطوعيّ تقول "فيحاء": «إلى جانبِ عملي الخاصّ في التصوير، أنا أوثق عمل النادي "السّوري التطوعي"، كمتطوعةٍ به فكما أنقل البساطة والفرح، أنقل عمل الشباب "الحمصي" المتطوع وأحرص على أن تحملَ كلّ صورة رسالة».

لا تملك "فيحاء" معدات تصوير متخصصة لتقوم بتعديل الصور ولا استديو خاصّ، ولكنّها متابعة في نقلِ كلّ جميلٍ لتختم بالقول: «في بداية ممارستي للتصوير كمهنة وجدتُ نظرات استغراب من بعض النّاس، وهذا كان دافعاً بحدّ ذاته للمتابعة، فلم يتمّ فرز المهن بقوانين ثابتة، وكلّ عرفٍ قابل للكسر خاصّةً في ظلّ هذه الظروف الصعبة التي تتطلب منّا مساندة أنفسنا، والاعتماد عليها بالدرجة الأولى».

مهندسة الكيمياء

"لينا درويش".. تخرجت من الهندسة الكيميائية 2007 وتعمل في المركز الوطني للتدريب التابع للشّركة السّوريّة للغاز كمدربة للمهندسين الجدد المفرزين للشّركة، وهي أمٌ لطفلين، بدأت بشغلِ قطع الإكسسوار منذ حوالي الأربع سنوات ومستمرّة في ذلك.

ترى "لينا" أن التجدد سمة هذا العمل وأصعبُ شيءٍ فيه، فابتكار (موديلات) جديدة ترغبُ بها الفتيات وغير مطروقة في السّوق وطرحها بشكلٍ مستمرّ يضمن نجاح عملها، وقابلت ذلك بإتقان وحافظت على مشغولاتها كاسمٍ جذّاب على مواقع التواصل الاجتماعي.

تقول "لينا": «أولُ قطعٍ أنجزتها كانت لي، نتجت عن حبّي لاقتناء كلّ جميلٍ في عالم الإكسسوار، وعند بدء طرح الفكرة وما لاقته من ترحيب من المقربين تشجعت وانطلقت بتوسيع العمل».

وتكمل الحديث: «مراقبة طرح (موضة) جديدة في الاكسسوار وما تحبذه الفتيات، عاملان مهمان لنجاح عملي، والأهمّ هو الثّقة التي بنيتها معهنّ فأصوّر لهنّ القطع على الواقع، مع تحديد سعرها، وأبدأ باستقبال الطلبات كتوصيل لأقرب مكان أو شحن لمحافظاتٍ أخرى، والحمد لله أضحى عملي مصدرَ كسبٍ لي».

تحلمُ "لينا" بورشةٍ خاصّة بها، تطوّر إنتاجها، وتوّسع قاعدة زبائنها، ولجهة الصّعوبات تقول: «في البداية كان هاجس تأمين المواد الأوليّة اللّازمة للقطع يحتاجُ لجهدٍ ووقتٍ كبيرين، عدا عن أنّ التعامل عبر الإنترنت من توصية وطلبات غير محفوظة الحقوق، يجعل مجال الخسارة أكبر.

الأمومةُ عمل، والدراسةُ عمل، وأثقلنَ أنفسهنَّ بأعمالٍ إضافيّة رغبةً في تطوير الذات من جهة، وكسبِ مالٍ يساهمنَ به في مصاريفهن.