يقع حي "طريق الباب" في أقصى الشمال الشرقي لمدينة "حلب"، وهو موقع أعطاه ميزة إضافية بسبب موقعه الجغرافي القريب والمناسب جداً لأبناء المدن المجاورة له وقرى الريف الشرقي والشمالي، لتصطبغ يومياته بالحيوية والنشاط وعلى مدار الساعة من دون توقف أو ملل، ما جعل الحي واحداً من أهم أسواق المدينة الخدمية والتجارية والصناعية والزراعية والإلكترونية.

موقع مدوّنة وطن "eSyria" زار حي "طريق الباب" عن كثب وتجوّل فيه وشاهد صخب حياة الناس وأساليب وطرق سعيهم المختلفة لكسب لقمة العيش من خلال ممارستهم الأعمال المتنوعة التي يقومون بها.

أنا في الأصل من حارة "الدلالين" بـ"حلب" القديمة، جاء بنا والدي لحي "طريق الباب" قبل خمسين عاماً واشترى قطعة أرض "بكرم البيك" وشيّد فوقها منزلاً بسيطاً على الطراز العربي مثل بقية المنازل الأخرى، ولم يكن البناء التجاري والطابقي قد دخل هذا الحي وقتها.. أذكر عندما كنت طفلاً كيف كنت أصعد فوق سطح المنزل لمساعدة والدتي بنشر مؤونة الطعام من بندورة وفليفلة وباذنجان، ومن فوق السطح كنت أشاهد وعلى امتداد كبير دوار حي "الشعار" و"الصاخور" وكراجات سفريات مدينة "الباب" "بقهوة الشعار"

حدودٌ إداريّة

كان مرور السيارات التي كانت تقل الركاب المتجهين لمدينة "الباب" من بداية الحي إلى نهايته، سبباً في إطلاق التسمية على الحي الذي تبدأ حدوده الإدارية بعد مستديرة دوار حي الشعار مباشرة ليتفرع منه نحو الشرق "سوق سد اللوز" للألبسة النسائية والولادية، ثم باتجاه مشافي "الحكيم" و"البيان" وحي "الجورة" و"الحلوانية" و"أرض الحمرا" ثم "كرم الجزماتي" و"المعصرانية" وأخيراً "جبل بدرو"، يقدّر عدد سكان الحي بأكثر من خمسين ألف نسمة، بداية نشأة الحي كانت بمنازل عربية متواضعة في الشكل والبناء، ومع تقدم السنين والتطور الذي حدث تنوّعت وتبدلت في جزء كبير من بنيتها القديمة إلى الطابقية الحديثة.

بعض الحارات القديمة التي لم يطلها البناء الحديث

تنتشر داخل الحي وعلى طول امتداده وعرضه وشوارعه الفرعية المنبثقة عنه، المحلات التجارية والصناعية والزراعية المتفرقة، وتلك المتخصصة بكل مستلزمات الحياة الضرورية من عيادات وصيدليات ومخابر تحليل ومشافٍ طبية إضافة لوجود أكثر من عشر مدارس للمراحل كافة.

ذكرياتُ الزمنِ الجميل

العم "كامل زبيدة" 70 عاماً، أحد أبناء حي "طريق الباب" يقول في حديثه لموقع مدوّنة وطن: «أنا في الأصل من حارة "الدلالين" بـ"حلب" القديمة، جاء بنا والدي لحي "طريق الباب" قبل خمسين عاماً واشترى قطعة أرض "بكرم البيك" وشيّد فوقها منزلاً بسيطاً على الطراز العربي مثل بقية المنازل الأخرى، ولم يكن البناء التجاري والطابقي قد دخل هذا الحي وقتها.. أذكر عندما كنت طفلاً كيف كنت أصعد فوق سطح المنزل لمساعدة والدتي بنشر مؤونة الطعام من بندورة وفليفلة وباذنجان، ومن فوق السطح كنت أشاهد وعلى امتداد كبير دوار حي "الشعار" و"الصاخور" وكراجات سفريات مدينة "الباب" "بقهوة الشعار"».

أبناء حي طريق الباب "كامل زبيدة" و"عبد السلام حمال"

بداية الحي كما يشير "زبيدة" كانت من مخزن "فلاحة" والقصاب "عبدو" مروراً بمصلحي الأحذية "صطوف الياسين" و"الضبطي" وباقي المعالم الأخرى من "حاووظ" الماء والمدرسة والاطفائية، «لم يكن أمامنا أي بناء يحجب رؤية تلك المحال، وكان منزلنا بجوار أشجار كرم الفستق الحلبي والزيتون والتوت، وكنا كأطفال نلعب وننصب على أغصان تلك الأشجار مراجيح ألعابنا، وأقرب مدرسة لنا كانت ابتدائية "فاتح المرعشلي" وكان يوجد طبيبان باختصاص عام هما "جميل الغوري" و"عبد الرحمن الفاني" وثلاث صيدليات هي "الحكيم" و"الرهوان" و"الداخل" وبائع المشبك الشهير "الحاج عبد الوهاب كزة" وكذلك أولاد "عماية" لمأكولات العجة ومطعم "طجو" ومكتبة "الفتح" الوحيدة لبيع قرطاسية المدارس وحمامات "شويحنة" و"الجورة" وكنا نتردد عليها بشكل دائم، وكانت أجرة الحمام حينها لا تتجاوز الخمس ليرات».

طقوسُ حياة

يتابع العم "زبيدة" وصفه لمشاهد الحي قديماً: «كان يوجد ثلاثة أفران للخبز، الأول لأولاد "الهباش" والثاني لأولاد "السعودي" والثالث لأولاد "شحود الشهير"، وسوق خضرة يصعب أن تجد شبيهاً له في كل أنحاء المدينة، وفي فترة السبعينيات قمنا بجهود ذاتية باستغلال قطعة أرض فارغة وخططنا فوقها ملعباً ترابياً صغيراً لكرة القدم وسورناه بقطع حجرية صغيرة بجانب كرم الفستق وذاع صيت وشهرة ذلك الملعب، كانت أيام جميلة وحلوة بكل تفاصيلها، كانت العائلات متحابة وتزور بعضها في المناسبات العامة وخلال شهر رمضان والأعياد، يشاركون الأفراح والأحزان، ولكن وللأسف قبل أكثر من عشرين عاماً دخلت آلة البناء التجاري إلى الحي وجرت عمليات بيع وشراء الكثير من البيوت رغم تواضعها، وقطعت كل الأشجار وزحف البناء نحو الكروم وشيئاً فشيئاً بدأت معالم الحي تتغير، وجرى هدم الملعب الذي فيه كل ذكرياتنا، وأقيمت مكان بيوتنا أبنية طابقية واختلطت هوية أهالي الحي بوافدين جدد من أحياء بعيدة، لتخف بعدها وبشكل تدريجي الروابط الحميمية والاجتماعية بين أسر وعائلات الحي».

سوق الخضراوات بحي "طريق الباب"

بكلّ تفاصيله

وبنظرة بين التأمل والحزن على الماضي الجميل يستعرض الحاج "عبد السلام حمّال" 68 عاماً، ذكريات الحي ويقول: «ولدت وتربيت وعملت وتزوجت بحي "طريق الباب"، هنا عشنا أياماً جميلة بكل ما فيها من حلاوة عيش حيناً وقسوة ظروف أحياناً.. لم أغادر الحي، بل لا أخرج منه إلا للضرورة فكل شيء كان فيه متوافراً من أسواق للألبسة والمأكولات والخضراوات اليومية الطازجة والعيادات والصيدليات والمشافي الطبية ومخازن بيع الجملة والمفرق.. أتذكر لحظات طفولتي وشبابي وحفلات الأعراس التي كانت تقام فوق أسطح المنازل بأصوات المطربين "أبو حسن حريتاني" و"عقيل قدور" و"أبو سلمو" وغيرهم، ترافقهم فرقة "أبو حسن الشامي" للرقص العربي..

يضيف "حمّال": كنا نستيقظ باكراً وننتظر قدوم باص النقل من نوع "الفرشخانة" لكي ينقلنا إلى أعمالنا ومدارسنا وسط المدينة، وفي أغلب الأحيان ولضعف الحالة المادية لدى أغلبنا كنا نذهب ونعود من مدارسنا سيراً على الأقدام، وفي وسط حي "الجورة" كان هناك قصاب لبيع لحم الجمل ولم يكن الكيلو يتجاوز حينها ثلاث ليرات، وهناك الفوال "عساف" ومعلم الصحية "غزال" والمطهر "فوزي"، وفي منتصف الحي بائع السحلب "أبو عبدو عربش" وبائع اللبن "أبو عيسى" وبجانبهم بائع المشبك "حج عبدو كزة" الذي كانت أمامه (حنفية) ماء يدوية كبيرة نشرب منها، وإذا ما اتجهت نحو الشرق قليلاً يصادفك سوق المفروشات الخشبية "السكرتونات" ومصلح (التلفزيونات والراديوات) "أبو صالح"، ونذكر أن "أبو جميل طيفور" مع "أبو جهاد" من أوائل الذين ركبوا الهاتف الأسود في المنزل».

العودةُ من جديد

نهض الحي بسرعة فائقة ونفض عنه آثار وغبار الأزمة واستعاد مكانته الشعبية والحيوية والاقتصادية، وعاد الكثير من أهالي إلى منازلهم لمزاولة أعمالهم وحياتهم.

تمّ إجراء اللقاءات والتصوير داخل حي "طريق الباب" بتاريخ السابع من شهر تشرين الثاني لعام 2021.