لم تمنعه ظروفُ الإعاقة من إكمال مسيرة حياته العلمية والعملية، ورغم تنقّله على كرسيه المتحرك نجح الشاب "حسام العسراوي" ابن قرية "الهويا" في "السويداء"، وبكثير من الثقة والإرادة، من تحقيق أهدافه وحصوله على الشهادة الجامعية، والشروع بعمله الخاص المتمثل بتأسيس مستودعين لقطع تبديل السيارات والتجارة بأنواعها، ليصوغ تجربته الخاصة في الحياة وفيها من الدروس والعبر الكثير مما يمكن تعميمه وعن جدارة.

بناءُ الشخصية

سعيُ "حسام" الحثيث إلى تأسيس عمله لم يمنعه أيضاً من تعزيز ثقافته وبناء شخصيته المتوازنة، فهو نموذج لمتحدث لائق رصيده مفردات عميقة تدلُّ على ثقافة اكتسبها بجهد ذاتي واهتمام، تقدّم بها عن غيره من أقرانه.

يقول "حسام": "ولدت عام 1990، تربيت وإخوتي في أحضان أبوين حرصا أن نؤدي دورنا الإنساني والاجتماعي على مبدأ عدم الاتكال على أحد في إنجاز أعمالنا، في هذه الأسرة لم أكن مميزاً بسبب وضعي الصحي، فقد تعرضت لمعالجات خاطئة بعد عمليات جبس سببت لي إعاقة بالأطراف السفلية في عمر مبكر، كان التركيز من قبل الأسرة على أن يكون لكل منا شخصيته، فقد كنت صغيراً وأقوم بما عليّ مثلي مثل إخوتي، ويبدو أنها كانت الخطوة الأولى التي هيأت لمشوار حياتي".

حسام العسراوي في مستودعه

"حسام" لم ينعزل عن المجتمع وكان طفلاً قريباً من أبناء جيله يلعب معهم يتحرك بكرسيه أو مع العكازات، محبوباً بينهم، ولم يشعر بإساءة أو صعوبة في التعامل معه من قبل المحيط.. وعن ذلك يقول:"حتى إن ظهر أي تعامل عفوي سلبي كنت أتقبله بأريحية فقد كنت مهيأً لمثل هذه الحالات ولم أكن أتوقف عندها كثيراً".

بمعنوياتٍ مرتفعة وتصالحٍ مع الذات اجتاز "حسام" مرحلته الابتدائية في قريته، ومنها انتقل إلى مدرسة "الأمل" وقضى ست سنوات ينتقل من عام إلى الذي يليه بنجاح وتميز واضعاً خططاً لمستقبله بالتعليم.

حكايتُه مع التاريخ

يقول "حسام": "منذ بداية طريقي التعليمي في مدرسة "الأمل" الداخلية، تمسكت بحقي في الحصول على شهادة، وتابعت التنقل من قريتي إلى "دمشق" بداية الأسبوع ونهايته، ومع كل مرة رحلة جديدة اكتسبت منها الكثير".

خلال المدرسة مارس "حسام" الرياضة وطوّر معارفه بقراءة التاريخ وهي المادة التي لفتت اهتمامه، لكنه اتجه في إكمال دراسته إلى علم الاجتماع ويقول: أحببت التاريخ وتعمقت به، قرأت الكثير وأشبعت رغبتي وحتى هذه المرحلة أجد في قصص التاريخ فائدة عظيمة، وكثيراً ما أقوم بتدقيق رسائل وحلقات بحث لزملاء بدافع محبتي للمادة.. سعيت فترة خلف فكرة التوثيق لظاهرة ما وفكرة ما، التأريخ لتفاصيل حوادث وقصص، لكن بقي المشروع من الخطط التي آمل بتحقيها يوماً ما.. لقد أخذني الاهتمام إلى دراسة علم الاجتماع الذي تمكنت بفضله من الوصول إلى معارف جديدة في التعامل الاجتماعي وحالة المجتمع وتفاصيل كثيرة، ويبدو أنّ قربي من المجتمع ساعد في تمكينها وتطويرها".

وللعملِ نصيبٌ

"حسام" الذي انقطع في عامه الأخير عن ارتياد الجامعة ليس لعدم قدرته على الاستمرار بل لرغبته بخوض تجربة العمل والحصول على عمل مناسب، كما حاول تطوير عمله مع العائلة ليؤسس عمله الخاص.

ويقول: "لم تكن الوظيفة حلماً بالنسبة لي لأنني تربيت بأسرة تمتهن التجارة ولدي خبرة جيدة في هذا المجال، كنا نعمل بتجارة الحبوب ومن بعدها أسسنا مغسلاً للسيارات، وهو ما هيأ لي استقراراً مادياً شجعني على اختيار شريكة حياتي، لكنني اخترت مجالاً آخر يرتبط بتجارة قطع السيارات، وبدأت بمستودع في المنطقة الصناعية، وهيأت أمور الانتقال للاستقرار في المدينة لأنها الأنسب لتنقلي وللعمل، وفي مرحلة ثانية وبعد عام ونصف العام أسست مستودعاً آخر جنوب "السويداء" أعمل به في الفترة المسائية بالتجارة نفسها".

تجربةٌ غنيّة

"عمار عطا الله" أحد أصدقاء "حسام" المقربين وهو مغترب في "الإمارات العربية"، يشير في حديثه للمدوّنة إلى المرونة التي يبديها "حسام" في نظرته للحياة وتعامله الجميل مع المجتمع، وإلى أفكاره التي خطط لها ونفذها بجهده الخاص دون استسلام لوضعه الصحي.

يقول "عطا الله": "عرفت "حسام" بابتسامته وتعامله العفوي السمح، وتمكن عبرهما من خلق صلات رائعة وقوية بالمجتمع.. تجربتي مع هذا الصديق غنية جداً كنا في السكن الجامعي، ولم يكن ليتخلى عن واجباته، كان يدعمنا بكل ما يمتلك قولاً وفعلاً، لديه علاقات اجتماعية متنوعة وجميلة نستعين برأيه وبثقافته وخبرته الجيدة في إعداد الدراسات والتحضير للمناقشات.. يمتلك مهارات التخطيط لأي مشروع ناجح وأتصور أنه قادر على تحقيق النجاح بكل الظروف والتفكير خارج الصندوق".

الجدير بالذكر أنّ "حسام" وفي عام 2018 ومن خلال دورة استثنائية، عاد للدراسة وحصل على الشهادة الجامعية، ولم يعمل بشهادته تبعاً لرغبته ونجاحه بالعمل التجاري، وهناك حلمٌ آخر يراوده في تأسيس مشروع تعليمي نموذجي لتعمقه بأصول التعليم وأساسياته ولقناعته أنّ بناء مجتمع لن يأخذ مساره السليم إلا بتطوير التعليم وتأمين مؤسسات رعاية اجتماعية مؤهلة.