يعدُّ مشروعُ "قادرون" في جامعة "طرطوس" من المشاريع الرائدة على مستوى الجامعات السوريّة، حيث يهدف إلى نقل العمليّة التعليميّة من شكلها التقليدي الحالي إلى تطبيق تقني علمي، يتحول بالطالب من متلقٍ إلى منتجٍ ومولّدٍ للأفكار العمليّة.

الخطوةُ الأولى

انطلقَ مشروعُ "قادرون" مع بداية عام 2019 من فكرة أنّ الطالب الجامعي يكون ناجحاً حين يكون قادراً على تحويل دراسته النّظرية إلى تطبيق يلبي حاجته وحاجة المجتمع الذي يعيش فيه، ما يجعله اسماً لا مجرد رقم في سجلات التخرج من جهة، ومن جهة ثانية إثبات أنه لا فرق بين الطالب والمدرّس حين يجتمعون على عملٍ بحثي، حيث يجب أن يكون الجميع على نفس القدر من المسؤولية، وقد تمّ اختيار مجموعة من طلاب السنة الأولى (13 طالباً وطالبة) من أقسام الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء لاختبار الفكرة وإثبات صحتها، بحسب د. "سعود كده" مدير مشروع "قادرون" الذي التقته مدوّنة وطن، ويكمل بقوله: «هو مشروعٌ يهدفُ إلى تحقيق شعار ربط الجامعة بالمجتمع المحلي فعلياً وعلى أرض الواقع، بهدف الانتقال بالتعليم الجامعي من مرحلة التّلقين النّظري إلى مرحلة التطبيق التقني العلمي، وفق أسس الجودة العالميّة في تقنيّات التّصنيع، بما يحقق تعزيز العلاقة بين الطالب والمدرّس من جهة للابتعاد عن مفهوم الملقّن والمتلقّي، وتعزيز ثقة المجتمع بالجامعة كمؤسسةٍ علميّةٍ بحثيّةٍ إنتاجية تؤهل الجيل من جهة ثانية، وبالتالي تفعيل الربط الحقيقي بين الجامعة والمجتمع».

هو مشروعٌ يهدفُ إلى تحقيق شعار ربط الجامعة بالمجتمع المحلي فعلياً وعلى أرض الواقع، بهدف الانتقال بالتعليم الجامعي من مرحلة التّلقين النّظري إلى مرحلة التطبيق التقني العلمي، وفق أسس الجودة العالميّة في تقنيّات التّصنيع، بما يحقق تعزيز العلاقة بين الطالب والمدرّس من جهة للابتعاد عن مفهوم الملقّن والمتلقّي، وتعزيز ثقة المجتمع بالجامعة كمؤسسةٍ علميّةٍ بحثيّةٍ إنتاجية تؤهل الجيل من جهة ثانية، وبالتالي تفعيل الربط الحقيقي بين الجامعة والمجتمع

كسبُ الرهان

ويتابع د. "كده": «تمّ طرح فكرة تصنيع جهاز ماء مقطّر منزوع الشوارد والحمض النووي (الذي تدرّس فكرته في مقرر الكيمياء للسنة الأولى) على مجلس كليّة العلوم، حيث اتّخذ مجلس الكليّة ومجلس جامعة "طرطوس" حينئذٍ قراراً جريئاً لم يتّخذه غيرهم بتمويل المشروع بسبب ثقتهم بالطلاب التي تعزّزت بعد نجاحه بشكل أكبر، حيث تمّ تصنيع الجهاز خلال ستة أشهر، وتمّ إدخال بعض التقنيّات عليه وهي غير متوفرة بين مثيلاته في السّوق المحلّية أو الخارجيّة، فتمّ تزويده بأنظمة تحكم لاسلكيّة عن طريق استخدام إشارة البلوتوث وفق تطبيق (APK) صُمّم خصّيصاً له، ما يؤدي إلى تحويل جميع معطيات عمل الجهاز إلى شاشة الهاتف المحمول، وبالتالي يمكن من خلالها التحكم آليّاً بالعمل إما بالنظام الكيميائي أو البيولوجي حسب الحاجة لاستخدام الماء، مع إمكانيّة تزويده بدارة إنترنت لمراقبة عمل الجهاز من أماكن بعيدة جداً، إضافةً إلى تزويد الجهاز بنظام صيانة ترسبات آلي وفق برمجة إلكترونيّة محدّدة، تعمل على إزالتها دون الحاجة لفتح الجهاز وتنظيفه، وهو ما يعدُّ ميّزةً إضافيّة لهذا الجهاز عن غيره، وقد تمّ اختبار الجهاز عن طريق أخذ عيّنات ناتجة عنه في هيئة الطاقة الذريّة في "دمشق" وفحصها كيميائيّاً وجرثوميّاً، وأثبتت التحاليل كفاءةَ عمل الجهاز بنسبة 99,97 بالمئة، ما عزّز الثّقة بفكرة المشروع ونجاح انطلاقته».

جهاز ماء مقطّر منزوع الشوارد والحمض النووي

مزايا

أبرز ما يميّز مشروع "قادرون" أنّه لا يتقيّد بحدود المكان، فكل جزء من الجهاز الذي يتمّ إقرار تصنيعه يُصنّع في ورش مختلفة بحسب طبيعة الجزء، فالجهاز الذي تمّ تصنيعه، صُنّعت أجزاؤه في "دمشق" و"طرطوس" و"اللاذقيّة"، حيث كانت المخطّطات مادة أوّليّة تمّ إرسالها واستقبال الجزء المصنّع كمنتج نهائي، وهذا المنتج هو مادةٌ أوليّة دخلت المخبر لتُجمع مع باقي القطع، وتخرج بصيغة جهاز مطوّر على شكل منتج نهائي مكتمل، أيضاً المشروع لا يتقيّد بالخبرات العلميّة الموجودة في كليّة العلوم وحدها، ولا حتى في الكليّات الأخرى في جامعة "طرطوس"، بل إنّ كوادره من مختلف الجامعات والمراكز، حيث يعمل على استقطاب المهارات العلميّة وربطها مع بعضها البعض لإنجاز المطلوب، كما أنّه يستخدم مخرجات التعليم العالي في رسم صيغة استثماريّة تعزّز الاقتصاد الوطني، وتحرّك جميع مفاصل الصناعة على شكل شبكة تلتقي في مقر المشروع، بما يحقق العائد المادّي لقطاعات كبيرة جداً في مختلف المحافظات، سواء كانت قطاعات حكومية أو خاصّة.

عقباتٌ قانونيّة

أثناء انطلاق وتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع لم تواجهه أي صعوبات أو معوقات، وإن وجدت فهي بسيطةٌ جداً وتمّ تجاوزها، والتحدّي الأكبر حينئذٍ وبحسب الدكتور "كده" هو إثبات صحة الفكرة التي تم الانطلاق منها، لكن المعوقات ظهرت بعد مشاركة المشروع في معرض "دمشق" الدولي 2019، وبعده في مشروع "سايوس" الدولي في 2019 أيضاً، حيث طُلب اقتناء مجموعة من أجهزة الماء المقطر لصالح بعض الجامعات الخاصّة والمراكز البحثيّة، وقد تم رفع العروض الفنيّة والماليّة من المشروع إلى رئاسة الجامعة، وبدورها حوّلتها إلى وزارة التّعليم العالي لمخاطبة الجهة صاحبة الطلب، لنفاجأ برد الوزارة أنّه لا يوجد نصّ قانوني يتيح بيع أجهزة علميّة مُصنّعة في وزارة التّعليم العالي، يضيف د. "كده": «هذا الرد دفعنا للتعاون مع الشؤون القانونيّة في رئاسة جامعة "طرطوس" لوضع نظام داخلي لإطلاق مشروع "قادرون" على صيغة مركز التصنيع والاستشارات العلمية، حيث تمّ اتخاذ قرار من مجلس الجامعة بإحداثه وافتتاحه ورفعه لوزارة التّعليم العالي في نيسان 2021، لكن أيضاً كانت المفاجأة أنّه لم تُتّخذ أي خطوة تجاهه بحجّة أنّه (مشروع ربحي) ما يتعارض مع سياسة الوزارة، علماً أنه تبرير غير منطقي خاصةً مع وجود الجامعات الخاصة والتعليم المفتوح والموازي، والتي تُعدُّ مراكز ربحيّة تدعم ميزانيّة الوزارة، والمركز العلمي لا يمكن أن يفقدَ علميّته حيث يكتسب صفة اقتصاديّة، فعلى العكس من ذلك مثل هذه المراكز ترفع تصنيف الجامعات السوريّة بما أنّها جامعات فعالة تسهم في عمليّة التّنمية».

تجارب طلّابية

شاركت الطالبة "رغد حمود" في المشروع منذ أن كانت في السنة الأولى، حيث وجدت في فكرة المشروع تعزيزاً للمعرفة العمليّة الموجودة في المقرّرات النّظريّة، ومن بداية المرحلة الأولى حتى النّهاية تعلّمت الكثير من المهارات وخطوات البحث العلمي الذي يعتمده طلاب الدّراسات العليا، إضافةً لاكتساب الخبرات العمليّة، هذا الأمر وبحسب تعبيرها عزّز ثقتها بالنّفس، واكتسبت مفاتيحَ التعامل بروح الفريق التي تعدُّ أساساً لنجاح أي عمل، بالإضافة إلى ذلك أصبحت أكثر قدرةً على تحمّل المسؤوليّة ومواجهة كل العثرات التي يمكن أن تعترضها، كذلك الطالبة "لجين حسن" ترى في مشاركتها بالمشروع أنها شكّلت نقلةً نوعيةً نحو البحث العلمي والاعتماد على الذات في الحصول على المعلومة، وساهم ذلك في دخولها عالم تصنيع الأجهزة، وهذا الأمر غير مألوف فيما يتعلّق بالخطط التدريسيّة التقليديّة المعتمدة في الجامعات، الأمر الذي يفتح آفاقاً جديدةً أمامنا حتى بعد التخرج.

أما الطالبة "نور زهرة" من طلاب قسم الفيزياء تقول إنّ البداية كانت محفّزة، وفكرة المشروع غريبة بالنسبة لها كطالبة في السنة الأولى عام 2019، والمشاركة أكسبتها مهارات متعددةً بمجالات واسعة، والمزيد من الثّقة بالنفس كانت كفيلةً أن تجعلهم "قادرون" قولاً وفعلاً، وترى أنّ هذا المشروع يشكّل ركيزةً أساسيّةً وصلبةً لتكون دعامة لبناء الوطن من طلاب باحثين وخريجين قادرين على دخول سوق العمل بكل جدارة.

مشاريعُ مستقبلية

حالياً يبلغ عدد أعضاء المشرع ما يقارب 200 باحث وطالب من مختلف الاختصاصات ومن جامعات القطر المختلفة، وأهم ما يميزهم جميعاً امتلاك الطموح والثّقة والأمل، وبعد جهاز الماء المقطّر تمّ وضع ملف علمي من مئة صفحة لتصنيع جهاز تنفّس صناعي مطوّر، يعتمد على المحاكاة الذّكيّة، وفق أحدث الأنظمة عالمياً، وبفريق بحثي متخصص، حيث رُفع الملف لوزارة التعليم العالي عام 2020 لكن لم يصل أيّ رد حتى تاريخه، وحاليّاً يتم العمل على إنجاز ساحبة غازات كيميائيّة مطوّرة باستخدام التقنيات الحديثة، كما تمّ الانتهاء من دراسة وتصميم أجهزة "اللومينار فلو" والخلاطات المغناطيسية الحراريّة وأصبحت جاهزة للتنفيذ، إضافةً إلى وضع خطة لتصنيع خطوط الإنتاج HPLC الصناعيّة المؤتمتة التي عادةً ما يتم استيرادها بالكامل.

وخلال المراحل الأخيرة من تصنيع جهاز الماء المقطّر تمّت دعوة فريق المشروع للمشاركة في معرض "دمشق" الدولي، حيث لاقى إقبالاً كبيراً جدّاً من الزائرين، من طلاب ووفودٍ اقتصاديّة داخليّة وخارجيّة، وتغطية مكثّفة من وسائل الإعلام كافة، وسبب هذا الإقبال أنّ الجهاز كان من تصنيع طلّاب السنة الأولى وبتقنيّات عالية، ومن جهة أخرى تصنيعه سيساهم في دعم الاقتصاد والاستغناء عن الاستيراد، أيضاً شارك المشروع ضمن فعاليات معرض "سايوس" للتأهيل والتّدريب، حيث قُدّمت طلبات اقتراح اقتناء الجهاز من أكثر من جامعة عربية ودوليّة ومراكز بحث علمي، هذا بالإضافة إلى مشاركة المشروع في معرض "فيوتانا" للمشاريع الهندسيّة بدعوة من الاتحاد الوطني لطلبة "سورية"، وقد لاقى إقبالاً كبيراً من الطلاب المشاركين والمستثمرين الزائرين، وفي نهاية المعرض كرمت إدارةُ المعرض المشروعَ بحصوله على الجائزة الخاصّة به.