يشكّل الزيُّ الشعبي للمرأة في جبل العرب بمحافظة "السويداء" ثقافةً محليةً تنسجم وتتلاءم مع الفئات العمرية والبيئة الاجتماعية المحيطة، فقد أفرزته الحالة الوجودية ومنحته صفاتٍ متنوعةً تحمل في طياتها قيماً ودلالاتٍ تاريخيةً تعزز لدى المرأة روابط الانتماء للمكان الذي تعيش فيه، ويمنحها (أي الزيّ) مزيداً من الوقار ومن الثقة بالنفس.

حشمةٌ ووقارٌ

ربما يتميّز زيّ المرأة الجبلية عن سواها في المنطقة المجاورة للجبل في شكله ونوعه ومدلولاته، فالزيّ هنا يضفي على المرأة نوعاً من الاحتشام والوقار، ما يمنحها الثقة والصلابة والأدب في سلوكها الاجتماعي، وهذا ما يشير له الباحث التراثي "الدكتور أسعد منذر" صاحب كتاب "البعد الوطني في الشعر الشعبي" لموقع مدوّنة وطن eSyria بتاريخ 7 تشرين الثاني 2021 حيث يقول: «يتصف الزيّ الشعبي لدى النساء في الجبل بالحشمة والاكتمال، وقد عبّر الشعر الشعبي عن ذلك الاحتشام، فخاطب تلك الفتاة الجبلية مشيراً إلى احتشامها، وذلك في مطلع قصيدة فن:

يتصف الزيّ الشعبي لدى النساء في الجبل بالحشمة والاكتمال، وقد عبّر الشعر الشعبي عن ذلك الاحتشام، فخاطب تلك الفتاة الجبلية مشيراً إلى احتشامها، وذلك في مطلع قصيدة فن: يا محتشم يا كامل الهنـــدام بالحوض اسمك للخلق شمــــام يا زينة الغزلان باول عانة ترعى نفل شرق العجيلي ورامي وتظهر المرأة الجبلية بتنورتها الطويلة التي تخفي كعبي الرجل، وقد تلفعت بـ"اليشمى" وتلثمت بها، فلا يظهر من الوجه غير الأنف والعينين والوجنتين، وقد خاطبها الشاعر الشعبي بقصيدة الفن، وغاية ما يريده أن يرى وجهها ويتملى من جمالها: يا مغنجي يا مغنجي، يا مغنجي قبي لثامك بس أريد اتفرج والحديث عن زي النساء في الجبل يقتضي منا أن نقف على زي الشابات والكهلات والكبيرات كل على حدة

يا محتشم يا كامل الهنـــدام بالحوض اسمك للخلق شمــــام

الباحث الدكتور أسعد منذر

يا زينة الغزلان باول عانة ترعى نفل شرق العجيلي ورامي

وتظهر المرأة الجبلية بتنورتها الطويلة التي تخفي كعبي الرجل، وقد تلفعت بـ"اليشمى" وتلثمت بها، فلا يظهر من الوجه غير الأنف والعينين والوجنتين، وقد خاطبها الشاعر الشعبي بقصيدة الفن، وغاية ما يريده أن يرى وجهها ويتملى من جمالها:

الأستاذ محمد طربيه

يا مغنجي يا مغنجي، يا مغنجي قبي لثامك بس أريد اتفرج

والحديث عن زي النساء في الجبل يقتضي منا أن نقف على زي الشابات والكهلات والكبيرات كل على حدة».

الزيّ الجبلي للشابات

زيُّ "الصبايا"

ويتابع الباحث "منذر" بالقول: «من أقسام زي النساء الشابات أو الصبايا "الفستان أو التنورة" وتتم خياطتها من أنواع عديدة من القماش الزاهي الألوان، طويلاً حيث يغطي القدمين، فضفاضاً من الأسفل، وأيضاً هناك "المملوك" وهو إزار يغطي مقدمة الجسم بدءاً من أسفل الصدر وحتى القدمين، ويتخذ عادة من قماش الفستان نفسه وهو مزموم من الأعلى بما يتناسب مع الخصر، ومنفلت من الأسفل بثنيات متعددة تجعله منسجماً مع ثنيات الفستان، وهناك "الجاكيت" ويتخذ من قماش الفستان والمملوك نفسه، وله تفصيلة خاصة، غير أن الصبايا استبدلن به جاكيت الصوف المحاك بآلات التريكو، وذلك في الشتاء، أما في الصيف فيكتفين بالفستان والمملوك، أما "غطاء الرأس" فيتكون من "الطربوش" الذي يتألف من طربوش من الجوخ الأحمر، له شكل شبه مخروطي، وقرص من الفضة الروباص يتوج الطربوش، وشناشيل من الغوازي أو الجهايد الذهبية، وربما من الليرات الذهبية، وشكة أو شكتين من الرباعي الذهبية تشكلان صفاً أو صفين في مقدمة وأسفل الطربوش، إضافة إلى قطعة ذهبية مستديرة ومؤطرة وقد كتب في وسطها "ما شاء الله" تثبت وسط وأسفل الطربوش تحت الشكة، وهناك "الشوالق" وتتوضع على جانبي الطربوش، ويتألف كل "شالق" من خمس جهايد أو قرانيصات، 3 في الأعلى ثم 2 في الأسفل، ثم واحدة في أسفل "الشالق" بحيث تشكّل مثلثاً، وأيضاً "الدبوس" -ربّما أضفن في وسط الطربوش بين الشكة وشناشيل القرص دبوساً- وهو تعليقة ذهبية علقت فيها من ثلاث إلى خمس رباعي، والجدير بالذكر أن الطربوش هو لباس المناسبات، أما في الحالات العادية فتكتفي الصبية بالفوطة تلفع بها رأسها، ويسمون تلك الطريقة في التلفع "فوطة لقح" أي أنها تلقح على الرأس وتغطي الأكتاف والأردان».

بعدٌ أسريٌّ

الباحث التراثي "محمد طربيه" عضو اتحاد الكتاب العرب يشير بدوره إلى أنّ الرابط المعرفي والإنساني والوجداني في زيّ النساء في "جبل العرب" ذو بعدٍ بيئي وتاريخي، ويشكّل في المدى الثقافي حالة من التفاعل بين الماضي والحاضر، إذ لكل فئة عمرية زي شعبي تقليدي هو السائد، فرض نفسه على المجتمع نتيجة لإبداعه لدى الخياطة التي قامت بصناعة مكوناته من الفستان والتنورة، والمملوك، وغطاء الرأس، وتأتي أقسام الطربوش بما يحمل من ذهب وفضة، على شاكلة واقعية في أن الرجل سابقاً كان يفخر بزوجته أو أمه، وبالتالي هي دلالة أن ما يملك من ثروة وخاصة ذهبية هي في خدمة المرأة، وبالتالي حملت بعداً أسرياً في التوافق بين أفراد الأسرة الواحدة وبين المجتمع، موضحاً أن المؤشر المهم بذلك ما فرضته البيئة الاجتماعية المكانية في تحديد نوع اللباس والقماش والطريقة وتأمين مستلزمات العمل، الأمر الذي فرض لباساً شعبياً تقليدياً لكل فئة عمرية مختلفة عن غيرها من بقية الفئات.