لا تزال الألعاب الشعبيّة التي كانت تُمارس قديماً عالقةً في أذهان كثير ممن مارسوها من أبناء ذلك الجيل، يتحدثون عنها بكثير من الحنين إلى الماضي، بذاكرةٍ مُتّقدة يغذي حديثَها سيلٌ من المشاعر، قد لا يعرفها جيل التكنولوجيا والآيباد، لكن وحده من عاش في ذلك الزمن لا يزال يتذكرها بطابعها وأساليب لعبها وقوانينها، والأهم ما كان يميزها من البساطة والتلقائية واللعب الجماعي.

منَ الذاكرة

يحدثنا المربي "منذر كلول" 1955 عن ذكريات طفولته وكيف كان شكل الألعاب في زمانه بالقول: <<منذ خمسين عاماً مضى قبل أن تكون كرة القدم والطائرة والسلة وألعاب القوى، كنت وأولاد حارتي نذهب صباحاً للعب بالحارة ولا نعود حتى تنادي لنا أمهاتنا لطعام الغداء، كنا نمارس كل الألعاب التي درجت آنذاك، وهي متنوعة (من حيط لحيط) وهي لعبة يقف أحد اللاعبين في وسط شارع الحارة الصغير ويقوم بقية رفاقه بالمرور من جانبه ليقوم بمنعهم من لمس الحائط الآخر، ولعبة الدحل (المور) وهي لعبة مراهنة وتحدي حيث يضع اللاعب كمية من الدحل ويرميها في حفرة صغيرة وإذا جاءت جميعها أخذ ممن راهنه بقدر ما رمى، ولعبة (الطميشة) ويتم تعصيب عيون أحد اللاعبين بقطعة قماش ويحاول الإمساك بمن يلمسه، و(المستخباية) وهي لعبة جماعية نلعبها ليلاً لأنها تعتمد على الاختباء، ولعبة (الشكّة) وهي حصراً في فصل الربيع لأنها تحتاج لأرض طرية حيث نرمي سكيناً بالأرض لتنغرس فيها وترسم إشارة وبقدر المساحة التي يكسبها اللاعب يكون هو الفائز وألعاب كثيرة أخرى>>.

ويشرح "كلول" كيف كان الشباب حينها يمارسون ألعاباً مميزة كرفع الأثقال (القيمة) وتكون بكتلة حجرية لها قبضة يرفعها اللاعب للأعلى، ولعبة رفع الرفش أو الصمد (وهما من أدوات الفلاحة)، وألعاب قتالية (المغالبة) كالمصارعة الحرة، و(المداولة) وهي إمساك اللاعبين كل منهم بحزام الآخر ومحاولة إيقاع بعضهما إلى الأرض، و(المعاص) وهي تشبيك الأيدي خلف ظهر الخصم، و(هريو) وهي لعبة قتالية عنيفة كانت معروفة في بعض القرى.

الأستاذ خالد الشيخ ياسين

كان زمان

المربية رون سار الشيخ ياسين

"خالد الشيخ ياسين" 1961 حاصل على شهادة المعهد الرياضي وإجازة في الحقوق يحدثنا عن طفولته مع أولاد حارته:<<كنت أنتظر خروج والدي في السابعة صباحاً لأخرج للعب مع أولاد الحارة، لقد قضينا أجمل أيام يملؤها الحب والفرح رغم بساطتها، وكان نداء أحدهم كافياً لنكون معاً في الحارة، قبل اختراع وسائل التواصل الحديثة وقبل انتشار الهاتف الأرضي في "سلمية"، وكانت الألعاب ما درج آباؤنا وأجدادنا على لعبها، كلعبة (الزودة) وهي القفز عن ظهر أحد اللاعبين لأطول مسافة ممكنة، و(الهرابيل) حيث توضع حجرة صغيرة فوق صخرة ونقوم بضربها ومن يسقطها يفوز، و(القواميع) حيث نرتب عدة أحجار بشكل عمودي 25 سنتيمتراً ويضربها اللاعبون ومن يسقطها يفوز، ولعبة (نبق) وتتألف من قطعتين خشبيتين إحداهما صغيرة مدببة الطرفين وتوضع بحفرة صغيرة لتقذف بالعصا الطويلة بيد اللاعب لتتجاوز جميع اللاعبين ثم تضرب في أحد طرفيها لترتفع قليلاً وضربها مرة أخرى بعيداً بحسب مهارة اللاعب ويُحصى مكان سقوطها عن الضربة بالخطوات، والفائز من يعد أكثر، و(العرطوز) وتلعب بكرة خشبية أو حجرية وتدفع بعصا معقوفة من طرفها لإدخالها في حفرة في مكان اللعب (تشبه لعبة الهوكي) وما زلت ألعب (الضامات) مع صديقي "عماد سيفو" حتى الآن>>.

بيت بيوت

المربية "رون سار الشيخ ياسين" 1968 كلية علوم، تتحدث عن الألعاب التي كانت تلعبها في طفولتها مع أخواتها الثلاث وبنات عمها وخالها: <<كنا نلعب (اللاقوص) بعدة حصيات في البيت، ولعبة (الجنة) في الحارة عصراً حيث نرسم مربعات (ثلاثة أو ستة أو ثمانية) نقفز داخلها نمرر قطعة حجر ملساء مدورة تدعى (الدوش)، ولعبة السمركة ولعبة (بيت بيوت) وفي المساء مع الجدة لعبة (حدي مدي) و"خض خضيضه يا فلاح وباح يباح ويآستي عطني المنخل" ، كانت ألعابنا أجمل من ألعاب هذه الأيام رغم تطورها، فالفارق هو الترابط الاجتماعي الذي جمعنا>>.

وأخيراً كي لا تضيع هذه الألعاب وتنسى مع تقادم الزمن أخذت المنظمات الدولية والمحلية تحث على توثيقها، وإجراء الدراسات حولها للحفاظ عليها كتراث يميز كل شعب عن آخر، وبناء على ذلك عممت وزارة الثقافة على المراكز الثقافية في القطر توثيق التراث الشعبي المادي واللا مادي.

أجريت اللقاءات في 7 تشرين الثاني 2021.