لم تكد الحرب تضع أوزارها ويهدأ أزيز الرصاص معلناً تحرير حي "الحميدية" في "حمص" القديمة، حتى بدأ أهالي الحي شدّ رحال العودة إليه بعد غياب قسري فرضته سيطرة المجموعات الإرهابية المسلحة عليه، والتي استخدمته معقلاً وحصناً لها وذلك بسبب منازله المبنية من الحجارة البازلتيّة من جهة وأنفاقه وملاجئه من جهةٍ أخرى.

مشاهد وصور

يصف "سمير حداد" وهو واحد من سكان الحي كيف عاث الإرهاب فساداً في المكان، ويقول «كنّا مع رجال الجيش العربي السوري أثناء دخول الحي بعد تحريره، وشاهدنا حجم التخريب الذي انتهجوه في الحي، لقد اقتاتوا على المؤونة الموجودة في البيوت لأربعِ سنوات، وقاموا بإفراغ الثلاجات وتفخيخها، واستخدموا أثاثَ المنازل وأيضاً أثقلوه بالمتفجرات عدا عن الحرق والتدمير والتخريب المقصود».

بعض أسماء الشّوارع تعود لشخصيات مبهمة عند السّكان كليّاً ولا يوجد شرح عنها في الإعلام، فنتمنى تغيير هذه الأسماء لتحمل شوارعنا أسماء لشهداء ضحّوا خلال هذه الحرب وتخلد أسماؤهم بذلك ونستذكر بطولاتهم على الدّوام

ويتابع بالقول: «الكثير من السكان انتقلوا خلال الحرب للعيش خارج الحيّ وبالتحديد في المناطق السّياحيّة و"وادي النضارى"، ولكنهم عادوا جميعاً بعد التحرير، ورغم آلامهم بسبب تدمير منازلهم وأثاثهم لكنهم بدؤوا بتأسيس حياتهم داخل الحي من جديد وكلهم ثقة بعدم خروجهم مجدداً».

إضفاء الخضار وجمعاتٌ صباحيّة

مبادرات أهليّة

جولة المدوّنة في الحيّ ومناظر الدمار

بالرغم من حجم الدمار الكبير داخل الحي، إلأ أن تضافر الجهود الرسمية والأهلية وتنفيذ المبادرات الخدمية ساهم في عودة الحياة تدريجياً إلى الحي.

يقول مختار الحي "رشيد كبا": «لقد تعاونَ الأهالي لتركيب طاقة شمسيّة لإنارة الحيّ بالكامل منذ عدّة شهور بالإضافةِ للقيام بأعمال نظافة تطوّعيّة وحملات للتشجير لتجميل الحيّ بالتعاون مع مجلس المدينة والهيئات الرّسميّة، ويتمّ التحضير بشكل دائم لمبادرات مجتمعيّة ولا سيّما خلال فترة الأعياد، حيث عادت الطقوس الاحتفالية إلى سابق عهدها حتّى بات الحي مقصداً للكثير من أهالي الأحياء المجاورة للمشاركة في الأعياد والمهرجانات والتقاط الصور مع شجرة الميلاد وزينة الأعياد المميزة بشكلٍ عام».

"سمير حداد"

ويشير المختار "رشيد" إلى أحد رموز الحي وهو الأب "فرانس" الذي «لم يغادر حيّ "الحميديّة" وبقيَ في دير الآباء اليسوعيين مع بعض السّكان، ولم يفرّق بين مسلمٍ ومسيحيّ وأطعمَ الجميع وعلى الرّغم من أنّهُ غير سوريّ إلا أنّه كان منتمياً لقضية ودافع عن السّلام والإنسانيّة وبقي داخل الدير ليحاولَ تهدئة الأوضاع لكنّ الإرهابيين قتلوه وتمّ دفنه في فناء الدّير».

بعدَ الحرب

أربعة آلاف عائلة تقطن الحيّ اليوم، وليست جميعها من سكانه الأصليين، بل أيضاً من الأحياء المجاورة التي لم تعد إليها الحياة بعد، ويوجد فيه أربعة مراكز إيواء تقطنها عشرات العائلات ومعظمهم من خارج المحافظة، وهذه المراكز تشكل -حسب قول مختار الحي- ضغطاً كبيراً على الحيّ من ناحية الخدمات وخصوصاً الخبز والكهرباء لأنّه حيّ مُعاد تأهيله حديثاً.

ويضم الحي العديد من المساجد التي تعرض معظمها للدمار بدرجات متفاوتة، وأهمها مسجد "النوري الكبير" الذي يتميّز بقدمهِ وتاريخه، وقد أعُيدَ تأهيله حديثاً، أما كنائسه فهي (أمّ الزنّار - السّريان الكاثوليك - المارونيّة) وأقدمها "أمّ الزّنار" الأثريّة».

والجّدير ذكره هو وجود عدّة كنائس على أطراف الحيّ ولكنّها تابعة لأحياءٍ مجاورة وهي (سيدة السّلام - الأربعين - المشيخيّة الإنجيليّة).

وتعود تسمية معظم الشوارع داخل الحي إلى شخصيات تاريخية وحسب قول المختار "رشيد" فإن: «بعض أسماء الشّوارع تعود لشخصيات مبهمة عند السّكان كليّاً ولا يوجد شرح عنها في الإعلام، فنتمنى تغيير هذه الأسماء لتحمل شوارعنا أسماء لشهداء ضحّوا خلال هذه الحرب وتخلد أسماؤهم بذلك ونستذكر بطولاتهم على الدّوام».

خدماتٌ وفعاليات

بدورها تبين المهندسة "لوريس سلّوم" مدير مكتب تنفيذي في مجلس المدينة أن الحياة عادت للحيّ في السّابع من أيار عام 2014، وبدأ مجلس المدينة برفع الأنقاض وفتح الشّوارع وإزالة السّواتر الترابيّة والبراميل والسّيارات المعطوبة والمحروقة، وتتمّ تباعاً إزالة الأبنية الآيلة للسّقوط، وهناك حوالي الألف وخمسمئة فعاليّة تجاريّة عادت للحي.

سرُّ النهوض

تعلقك بالشّيء وشغفك به يجعلك غيرَ آبهٍ بجانبه المظلم، فتسعى لإنارته وتحمّلِ ظلمته... هذا ما حدثَ مع سكان الحيّ فرغم تهجيرهم عانوا أيضاً من بقايا الإرهابيين والألغام ففوجئوا بكامل أثاث منازلهم ملغّماً، وقد ذهبَ البعضُ منهم بعد العودة ضحيّةَ ذلك بالإضافةِ إلى التدمير والحرق والسرقة، وبيوت لم يبقَ فيها شيء، لكنّهم عادوا ومن لم يستطع العودة فقد فتح منزله للإيجار برسمٍ رمزيّ جداً آنذاك، ولتنشيط الحركة التجاريّة أيضاً تم فتح المحالّ بسرعة وعرضها برسوم قليلة وصل سقفها حينها إلى خمسة آلاف ليرة سوريّة فقط.