لا تكادُ الحركة التجارية في مدينة "حمص" تُذكر إلا ويذكر معها "السوق المسقوف"، الذي يعدُّ من أكبر أسواق المدينة وأقدمها ويضمُّ في جوانبه عدداً من الأسواق التي تشمل مهناً ومحلات تختلف بأصنافها وأنواعها، فضلاً عن قيمته التاريخية والأثرية.

ورغم توقف النشاط التجاري في السوق بفعل الحرب وما طال محاله من تدمير، فقد عادت عجلة النشاط التجاري للدوران مجدداً بعد عمليات الترميم التي تمّ إنجازها معلنةً استعادة السوق عافيته وعودة النبض مجدداً لقلب المدينة.

كانت الأسواق قبل الحرب مكتظة دائماً وخصوصاً قبل فترة الأعياد بعشرة أيام، تميزت الأعمال التجارية آنذاك بالبساطة وكانت الأرباح قليلة نسبياً بين التجار، ما انعكس خيراً على الجميع

هكذا كان

المهندس "فايز الترك" أحد تجار سوق "المنسوجات" الذي تحدث عن السوق بمقارنة بسيطة بين الماضي والحاضر، قال: «كان السوق "المسقوف" قبلةً للسياح والمغتربين، بموقعه الحضاري والأثري، فكان لا يخلو من السياح القادمين من أنحاء العالم، وتحضرني الآن الذكريات، حيث كان والدي أحد تجار "الشرقيات"، في وقت كانت وجهة كل من يزور السوق من سياح عرب وأجانب هي محال "الشرقيات"، بهدف الحصول على القطع الشرقية والأشغال اليدوية مثل "الأغباني" والكنفة والصنارة، فالأشغال اليدوية مطلوبة بشكل عام كهدايا، وإلى الآن لا يزال "الأغباني" موجوداً».

المهندس فايز الترك أحد تجار سوق المنسوجات

يشير "الترك" إلى توافد المغتربين والسياح إلى المدينة وخصوصاً في فصل الصيف، حيث يكون مقصدهم أسواقها الأثرية وحماماتها و"سيباطاتها"، ليتوجهوا لاحقاً نحو قلعة الحصن بأسوارها وحصونها وتصميمها الفريد، ثم لمشاهدة تدمر وأوابدها الأثرية وعراقتها.

ويضيف : «كانت الأسواق قبل الحرب مكتظة دائماً وخصوصاً قبل فترة الأعياد بعشرة أيام، تميزت الأعمال التجارية آنذاك بالبساطة وكانت الأرباح قليلة نسبياً بين التجار، ما انعكس خيراً على الجميع».

التاجر شادي خزام أحد تجار سوق النوري

في مكانٍ واحدٍ

التاجر أحمد صابرين

يقدم "الترك" وصفاً موجزاً للسوق المسقوف ويقول: «يشتهر السوق بتفرعاته وأسواقه المتنوعة والمتخصصة، كسوق "الحرير" الذي يعدُّ من أشهر الأسواق، حيث يمتد من الشرق إلى الغرب، وسوق "القيصرية"، وأسماء هذه الأسواق لم تأتِ من فراغ، حيث كان يباع فيها الحرير، وتنوعت الحرف اليدوية التراثية فيها التي لم يعد أغلبها لميدان العمل، كسوق "النحاسين" الذي برغم جماله وجمال منتجاته فقد تحولت أغلب معروضاته اليوم لمصنوعات تجارية واستهلاكية.. ويوجد في السوق حمامان، حمام "الباشا" والحمام "العثماني"، اللذان كانا قبلةً للزوّار، ومن العادات المتوارثة أن يجتمع في الحمام مجموعة من الشباب، يقومون بحجزه، وأحياناً تقوم عائلات كاملة بذلك، يحضرون طعامهم معهم ويحيون الحفلات من غناء ورقص، وهو طابع شرقي لا يزال موجوداً حتى الآن، ونتمنى أن تعود الأسواق كما كانت، فسوق المنسوجات عاد بنسبة 30% وكذلك سوق المعرض، ولكن النسبة أكبر في سوق "النوري"، أما السوق باتجاه شارع القاسمي فما زالت محاله تنتظر أصحابها».

عودةٌ خجولةٌ

ويتابع التاجر بالقول: «سوق "القيصرية" كان معظمه عبارة عن مستودعات، فهو يتألف من قسمين قسم سفلي وقسم علوي، وخلال فترة ازدهار السوق بين 2000 و2006 تحوّل القسم السفلي لسوق نظامي، ففتحت فيه مكتبة ومحلات ألبسة وبياضات وكان فيه كل أنواع الحرف، وبقي القسم العلوي مستودعات بحكم درجه الضيق، وكانت الحركة التجارية فيه متميزة، وكان الزائر للسوق يشعر عند دخوله كأنه في بيت عربي قديم، في وسطه "بحرة" ونباتات للزينة، وقد عادت الآن للعمل أربعة أو خمسة محلات فقط، والتقصير يعود لنا نحن أصحاب المحلات، لذا يجب علينا تشجيع بعضنا لفتح المحال، أما سوق "الحشيش" فكان سابقاً يعجُّ بمحلات الخضار واللحوم بكل أنواعها حسب رغبة الزبون، وبأسعار تناسب الجميع، وافتتح فيه فرن ومحامص بزورية، أما اليوم فبنيته التحتية سيئة من إنارة وطرقات، ونتيجة التقنين الكهربائي لم يتشجع التجار للعودة إلى محلاتهم فالكهرباء هي عصب الحياة».

قلبُ المدينةِ النابض

بدوره يسترجع صاحب أحد المحلات التجارية في شارع "النوري"، "شادي خزام"، ذكريات السوق ويقول: «للسوق أهميته كما "حمص" فهي منطقة وسطى وقبلة كل المحافظات، كذلك السوق المسقوف هو قلب المدينة النابض ومحركها، فهو مقصد النزهات والتسلية لأهالي المدينة، وقد عادت الحركة كما كانت قبل هذه الحرب الظالمة على "سورية"، ولكن ليس بالوتيرة نفسها بسبب ارتفاع الأسعار والظروف الحالية، ولكننا نلاحظ عودة الحياة يوماً بعد يوم، وعادت المحلات للعمل في شارع "النوري" بنسبة 90%».

ويتحدث التاجر "صائب أحمد صابرين" عن قدم السوق، قائلاً: «ورثت هذا العمل والمحل "أباً عن جد"، والسوق بالدرجة الأولى معلم أثري بخاناته وقيصرياته وحماماته، مُرَسخاً حضارة عربية أصيلة وجامعاً لكافة عائلات المدينة العريقة، ولا ننسى قدمه التاريخي، حيث كان يمر به طريق الحرير، وقد تأثر السوق خلال الحرب الظالمة على بلدنا، ولكنه بدأ يستعيد عافيته بفضل الجهود الرسمية والأهلية والمنظمات الإغاثية، حيث تمّ العمل على إعادته لشكله السابق قبل الحرب.. سوقنا يستحق الأفضل».