لم تكن حادثة سقوط غصنٍ كبيرٍ من شجرة الدلبة الضاربة جذورها في الأرض منذ 500 سنة في منطقة "مشتى الحلو" منتصف صيف العام 2013، لتمرّ كحادثة طبيعية لدى الشاب "وائل صباغ"، الذي توّلدت لديه فكرة إقامة "المنتدى الثقافي العائلي" في "مشتى الحلو"، ليتحوّل الجزء المكسور من الغصن إلى تحفة فنية، ويتحول الملتقى إلى حكاية حياة ونجاح أعادت للمنطقة مكانتها السياحية كسابق عهدها.

حكاية الملتقى

بدأت القصة عندما أُقيم الملتقى الأوّل للنحت عبر تحويل هذا الجذع الميت، إلى منحوتة ترمز للحياة والتشبث بالأرض رغم زلازل الأحداث، فكانت بدايات النشاطات الثقافية والاقتصادية التي توسعت فيما بعد وصولاً إلى "الملتقى الثقافي العائلي" في "مشتى الحلو" ضمن فعاليات "عيد الحريرة والكركة" الرابع وافتتاح البازار بتاريخ 2/9/2021، الذي ابتدأ برنامجه بتوزيع الحريرة وتقطير الكركة، ومساءً تمّت إقامة عرض تنكري، تطوّع فيه وشارك عدد كبير من طلبة الجامعات.

ومع تجديد حلّة الحريرة والتوافد الشعبي الكبير, تمّ تكريم "رولا الحلو" صاحبة فكرة البازار منذ عام 2015 حتى الآن، والختام بالكبة المشوية التي تشتهر بها المنطقة أيضاً، وما يزال التوافد الشعبي إلى البازار مستمراً تحت شجرة الدلبة، وشراء المنتجات المحلية.

تسويق المنتجات المحلية

عن هذا التقليد المتجذّر تاريخياً في منطقة المشتى يقول قدس الأرشمندريت مروان الحلو: "الملتقى الثقافي بشبابه تبنّى مبدأ المحافظة على التقاليد عبر إحياء عادات المنطقة وصناعاتها التقليدية كالحريرة والكركة، منعاً لاندثارها، فأهمية إحياء هذه التقاليد تكمن في إحياء الماضي المتجذّر بالقيم والأخلاق والمحبة، وتكريس هذه العادات والقيم الأصيلة في نفوس الجيل الجديد".

وأضاف: "أبارك و أقدر جهود كل من عمل في هذا البازار، ولهؤلاء الشباب فائق محبتي وتقديري لكل نشاط سابق وحاضر قاموا به وأتمنى أن يلقوا الدعم المناسب، لأنهم واجهة تظهر وجه "سورية" الحضاري والحقيقي في منطقة تملك جميع المقومات السياحية، وكل الأمل أن تلقى المنطقة الاهتمام الكافي من قبل المسؤولين وخصوصاً لجهة حاجتها إلى شبكة طرقات، وضرورة معالجة موضوع مكب النفايات في المنطقة، وحماية الغطاء الأخضر الذي اشتهرت به المشتى والقرى المجاورة، والحفاظ عليه من الحرائق والقطع الجائر للأشجار".

الكبة المشوية من أهم المأكولات

عيد وبازار

جميع الأعمار تشارك بالعيد

المشرف العام على الملتقى الثقافي في "مشتى الحلو" " وائل صباغ" يقول في حديثه لمدوّنة وطن: "استوحينا فكرة البازار من المهرجانات الأوروبية التي كانت تحتفي بأهم منتجاتها المحلية كمهرجان الجبن البريطاني الذي تتخلله ندوات وبرامج متعددة، فالمشتى تشتهر بالكثير من الصناعات التقليدية التي تصدّرها إلى الخارج وأهمها "الحريرة" التي منها يصنع الملبن، و"الكركة" أم العرق البلدي، لنحوّل المهرجان إلى عيد، ومن هنا جاءت تسمية النشاط بالعيد، ومنه يتفرع البازار حيث تصنع بعض المنتجات التقليدية في البيوت وتباع تحت شجرة الدلبة".

ويشير "صباغ" خلال حديثه إلى النشاطات المستقبلية المزمع تنظيمها كطرح مشروع "بوابات الحياة" المبني على خلق جسر وبوابة تواصل اجتماعي إنساني بين القرى المجاورة عن طريق الفن وذلك باختيار صخرة في كل قرية وتحويلها إلى منحوتة فنية، موجهاً الشكر لأبناء المنطقة المغتربين وللفنانين الذين كان لهم دور في ترك بصمة رائدة في نشاطات الملتقى.

مواسم للفرح

وعن تنظيم البازار تقول "رولا الحلو" صاحبة الفكرة ومسؤولة التنظيم : "هذه الفترة من السنة موسم قطاف العنب وبالتالي موسم الحريرة والكركة، وهما صناعتان قديمتان اشتهرت بهما المشتى وتميزت بجودتهما، وغاية البازار هي عرض المنتجات المصنّعة محلياَ وبيعها من قبل أصحابها مباشرة إضافة إلى تقديم مساعدات أخرى".

أجواء من الألفة سادت أيام عيد الحريرة والكركة ولعلّ ما يميز النشاطات أن جميع من يعمل بها هم شباب متطوعون بأعمار متفاوتة، يتحركون كخلية النحل بكل حب وتعاون نابعين من حرصهم ورغبتهم في الحفاظ على تراث الأجداد، ويظلُّ نجاح البازار بإمكانيات مادية بسيطة بمنزلة وثيقة تؤكد أنّ الحياة تليق بالسوريين.