يعدُّ شارع "الشعراني" في مدينة "السويداء" أحد أهم شوارع المدينة وأسواقها التجارية، ورغم ما لحق بنمطه المعماري من تغيير خلال العقود الماضية، فقد ظلّ الشارع علامةً فارقةً ونقطةَ علامٍ يقصدها أبناء المدينة وزوّارها نظراً لعراقة تاريخه وتنوّع محاله التجارية التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من مئة عام.

أصل التسمية

تعود تسمية الشارع إلى عام 1942، حين أطلقت سلطات الاحتلال الفرنسي آنذاك اسم الكابتن "جدعان الشعراني" على الشارع وذلك بعد تصدي الأخير للحامية البريطانية، ومن يومها أطلق على هذا الشارع شارع "الشعراني" وظلت "يافطة" التسمية معلقة زمناً طويلاً على يمين العابر إليه من الشرق فوق مكتبة "أبو صالح" اليوم.

بقي الشارع طوال هذه السنوات محطّ الاهتمام، وكل من حلم بتجارة راقية كان خياره تأسيس متجر في هذا الشارع، الذي تبدأ منه جولات المتسوقين، ووجد فيه أهالي "السويداء" وزوارها كل ما يطلبون، ورغم التغييرات الكبيرة بالشكل والحالة العصرية ظل الشارع مقصدهم

كان الشارع يضمُّ أقدمَ مصوري المحافظة الأرمني "يرفانت"، ومطعمَ الحجي، والفرنسي "أندريه" صاحب (النوفوتييه) للألبسة الأنيقة، كما ضمّ مقرات نوادٍ رياضية، وبائعي المشروبات "حنا" و"غرابيت" وغيرهم الكثير ممن اختاروا الشارع مكاناً لنشاطهم التجاري، وفعاليات حاولنا استرجاعها من ذكريات الباحث "سلمان البدعيش" ابن المدينة الذي عاصر ازدهار السوق والانتقال من البناء القديم إلى البناء الإسمنتي، وتفاصيل اهتم بتوثيقها بتصنيف دقيق ينقل جميل ذلك الزمن وما تجدر المحافظة عليه والتعريف به.

أقدم أبنية السوق التي لم تتغير

تغيرات طارئة

المهندس الزراعي أكرم السبط أمام متجره القديم

ويضيف: «يبدأ الشارع من نهاية الحي الفرنسي في المدينة، الذي ضم دار الحكومة ومقر الحاكم العسكري -بيت المحافظ الآن- والبنك، وبعدها تأتي الأبنية الفرنسية التابعة للجيش من مقرات ومنشآت وقيادات وبيوت للضباط الفرنسيين، وينتهي من الجهة الغربية بساحة السير -ساحة السيد الرئيس اليوم- التي كانت محور حركة النقل والمركبات.. في هذا الشارع القصير الذي بقي بالمسافة نفسها لم يطرأ عليه أي تبديل، لكن التبديل الذي غيّر وجه الشارع التراثي وواجهاته البازلتية، كان باستبدال الأبنية القديمة على جانبيه المؤلفة من طابق واحد بأبنية حديثة تضم عدة طوابق، حيث استبدلت الحجارة البازلتية التي كانت تزيّن واجهات المحلات بمواد إسمنتية، في تواتر زمني جاء على أبنية السوق وسلم منها بناءان فقط، أحدهما كانت تعود ملكيته لـ"أحمد ثابت" وبيع منذ عدة عقود، وبناء آخر وسط الشارع».

الأكثر ازدحاماً

ووفق "البدعيش" فقد جاءت شهرة الشارع من ارتباطه بالحركة التجارية المهمة ونشاطه المتنوع، ففيه محلات لمختلف المهن (الخياط، الخباز، الكندرجي، الكهربائي، الأفران، الحلويات، المشروبات، العيادة، الصيدلية، المكتبة) إضافة للنوادي الرياضية ومنها نادي "الجماهير" ونادي "الفتيان" ومن الجهة الشمالية نادي "الفنون".

سليمان الفقيه أحد تجار السوق

ويضيف: «يعدُّ شارع "الشعراني" الوجه العصري للمدينة وهو الأكثر ازدحاماً، كما تعددت جنسيات من امتلكوا محلات في السوق مثل التركي الذي كان يمتلك محل سمانة واسمه "علي الترك"، وبقي محله مفتوحاً حتى نهاية الأربعينيات، وكذلك الفرنسي الذي امتلك متجراً أنيقاً للألبسة واسمه "أندريه"، واللبناني "حنا" والأرمني "غرابييت" اللذان امتلكا محلين للمشروبات، واللبناني "نعيم زين الدين" صاحب محل سمانة ثمّ آل محله إلى "كمال منذر"، ومن الأشخاص الذين عملوا بالتجارة في هذا الشارع "داود فرحان أبو عسلي" و"محسن أبو عسلي" وبعده "ابراهيم أبو عسلي" و"محمد مزهر" و"نمر عبد الباقي" و"أمين صالح اللحام" وغيرهم، إضافة إلى حلاقينِ لبنانيينِ "عزت صافي" و"رفيق أبو مطر"، ومطعم "الحجي" ومحل أحذية "السبط" لتفصيل وبيع الأحذية وصيدليتين اثنتين الأولى امتلكها "ياسين الحمصي" والأخرى "جرجوس حماتي" من قدامى الصيدليين الذين اختاروا المدينة مكاناً للاستقرار والعمل».

واحد من أربعة

ويشير الباحث إلى أن بعض المحلات بقيت بأسماء ملاكها الأوائل، بينما طرأ على البعض الآخر تغييرات كبيرة مع الزمن، لكن ميزة هذا الشارع لم تختلف وبقي نواة أسواق "السويداء" لشهرة محلاته وجودة بضائعه وتنوع نشاطاته التجارية، وظل الشارع الأول بين الشوارع التجارية الأربعة الرئيسية في المدينة، وهي -بعد الشعراني- سوق القمح الممتد من نهاية شارع البلدية وحتى شارع البلاط واشتهر بتجارة الحبوب، وشارع "الاتحاد" من ساحة السير حتى ساحة "الفخار" وينعطف غرباً ليلتقي بسوق "القمح" على رأس شارع "البلاط "ويكمل حتى يصل بيت الشيخ "جربوع"، والشارع الرابع من ساحة السير حتى الشارع "المحوري" غرباً واشتهر بكونه يضم حماماً عاماً وخاناً لإيواء الحيوانات ليستخدمها زوار "السويداء" في ذلك الزمن ومصنع حلويات "أبو ذياب" الشهير في تلك الفترة.

سمة تراثية

المهندس الزراعي "أكرم السبط" الذي حافظ على ميزة متجره الذي ورثه عن والده "سعيد" وعن جده "نقولا السبط" واشتهر بتصنيع وبيع الأحذية الرجالية الأنيقة منذ مئة عام، يقول: «الانتقال لأبنية إسمنتية وفق خيارات تبدل الملكيات لم يراعِ السمة التراثية للسوق، وكان من الأفضل -للمحافظة على سمة السوق- أن تبقى الواجهات الحجرية التي تنسجم مع الشارع الذي تم تحديث بلاطه الحجري بحجر البازلت الحديث، ويترافق ذلك مع إقفاله أمام الدراجات والسيارات، وهذا أقل ما يمكن القيام به اليوم ليبقى السوق معلماً تراثياً لحياة تجارية تفتحت في هذا الشارع، حيث لا يعدُّ زائر "السويداء" قد زارها حقاً إذا لم يمرّ بالشارع ويتعرف على محتوياته».

هذا أيضاً ما تمناه "سليمان محمد الفقيه" أحد أقدم التجار في شارع "الشعراني" وعمل فيه لأكثر من ثلاثين عاماً وكان لديه (نوفوتييه) للألبسة الحديثة وحوّله بعدها لمحل للأحذية ومن بعدها انتقل المحل لابنه الذي حوّله للنظارات الطبية ويضيف: «بقي الشارع طوال هذه السنوات محطّ الاهتمام، وكل من حلم بتجارة راقية كان خياره تأسيس متجر في هذا الشارع، الذي تبدأ منه جولات المتسوقين، ووجد فيه أهالي "السويداء" وزوارها كل ما يطلبون، ورغم التغييرات الكبيرة بالشكل والحالة العصرية ظل الشارع مقصدهم».