جهودٌ كبيرة لتحسين الواقع الصحي في محافظة "طرطوس" تبدو واضحةً من خلال عمل العديد من الفرق التي يؤسسها بعض الشباب العاملين في هذا القطاع، ومن أبرزها "الفريق التمريضي الشبابي" الذي يقدّم مختلف الخدمات التمريضية والطبية في أرجاء المحافظة كافة، بالإضافة إلى الدورات التدريبية التي تقيمها منظومة الإسعاف والطوارئ للعاملين في السلك الصحي لتعزيز خبراتهم، ولمن هم خارج السلك لتعليمهم قواعد الإسعاف الأولي في كل حادثة يواجهونها.

قصصٌ من الواقع

في إحدى قرى ريف "طرطوس" البعيدة، تعاني فتاة في مقتبل العمر من فقر الدم المنجلي، وفي ليلة ماطرة شديدة البرد وخلال واحدة من نوبات الألم الحادة التي كانت تعانيها، اضطر الأهل إلى التعامل مع الحالة التي تحتاج حُكماً لفتح وريد وتسريب الأدوية الخاصة بالمرض من خلاله، ولم يكن أمام أخ الفتاة سوى الاتصال بأحد الممرضين المقيم في قرية بعيدة نسبياً، وكانت الإجابة: قادم على الفور، وهذا ما حدث فعلاً، فلم توقف الأمطار الغزيرة والبرد الشديد الممرض "حسين نزها" الذي لبى نداء واجب المهنة وحضر ليقدم كل ما تحتاجه الفتاة من إسعافات فرضتها طبيعة المرض، ولعلّ هذه الحادثة كانت البداية التي انطلقت منها فكرة تأسيس "الفريق التمريضي الشبابي"، وبدأ

حلّ المشكلات الطارئة هو الهدف الأول للفريق، فنحن نسعى من خلال ما نبذله من جهود إلى إيصال فكرة للناس مفادها أن التمريض ليس مجرد (إبرة) إنما هو عصب القطاع الصحي بكل أقسامه، فنحن نريد أن نكون مرجعيةً للناس، وأن نأخذ دورنا الصحيح، وأن نضع حداً لبعض الأفكار الخاطئة بحقنا، وأن نشكل نواةً للعمل في باقي المحافظات من خلال تأسيس فرق تمريضية منظمة وجاهزة للمساعدة في كل زمان ومكان

"نزها" يفكر بتأسيس فريقه بطريقة أكثر جدية بعد قصة أخرى بطلها الشاب "ابراهيم حامد"، وهو شاب خضع لعملية تثبيت فقرات، احتاج يوماً إلى تبديل قثطرة بولية بسبب انسداد مفاجئ فيها، وعلى الرغم من شدة آلامه وعدم إمكانية نقله إلى المستشفى، رفض بعض المختصين المساعدة بحجة الانشغال وبُعد القرية، وبعد الاتصال مع الممرض "نزها" المناوب في منظومة الإسعاف والطوارئ، سارع على الفور لمعالجة الوضع الصحي للمصاب، وهنا أخذ التفكير بتأسيس الفريق منحى آخر وبدأ العمل الفعلي على أرض الواقع.

جانب من الدورات التدريبية

أهداف الفريق

يسعى "حسين نزها" من خلال فريقه إلى تحقيق مجموعة من الأهداف تحدث عنها لمدوّنة وطن: «حلّ المشكلات الطارئة هو الهدف الأول للفريق، فنحن نسعى من خلال ما نبذله من جهود إلى إيصال فكرة للناس مفادها أن التمريض ليس مجرد (إبرة) إنما هو عصب القطاع الصحي بكل أقسامه، فنحن نريد أن نكون مرجعيةً للناس، وأن نأخذ دورنا الصحيح، وأن نضع حداً لبعض الأفكار الخاطئة بحقنا، وأن نشكل نواةً للعمل في باقي المحافظات من خلال تأسيس فرق تمريضية منظمة وجاهزة للمساعدة في كل زمان ومكان».

يقدّم "الفريق التمريضي الشبابي" مجموعةً من الخدمات الطبية والتمريضية من خلال شبكة من الأطباء والممرضين العاملين في المشروع، كالتقييم المستمر لوضع المريض والتواصل مع طبيبه، وتقديم العناية الخاصة للمرضى المقعدين والعجزة وذوي الكسور المتعددة، وكل ما يتعلق بتبديل الضمادات وفكّ القطب بعد العمليات الجراحية، أيضاً فتح الوريد وتسريب السيرومات الموصوفة وكذلك الأدوية الوريدية وتبديل القثطرة الوريدية والبولية، وكل ما له علاقة بالحقن العضلي وتحت الجلد ومراقبة الضغط، وغير ذلك من الخدمات المتنوعة خاصة تلك المتعلقة بمتابعة مرضى العزل في الجائحات والأوبئة كما هو الحال مع جائحة كورونا.

وبحسب مؤسس الفريق فإنه بفضل الإنجازات التي بدأت بالتحقق على أرض الواقع، أخذ المشروع يلقى إقبالاً كبيراً من العديد من الأطباء والممرضين، كما أكّد على ضرورة تفعيل نقابة التمريض والمهن الصحية بأسرع وقت ممكن، وضرورة تطبيق القانون الذي يحمي العناصر التمريضية والفنيين، ويقدر جهودهم بالشكل الذي يستحقونه.

فرقٌ طبيّة

فرضت جائحة كورونا ظهور العديد من الفرق الطبية سواء التطوعية أو التي تعمل بأجور رمزية مقابل الخدمات الطبية والإسعافية التي تقدمها، وجميع هذه الفرق مكونة من أطباء وممرضين، ومجهزة بكل مستلزمات الحماية الخاصة بأعضاء الفريق، ومتقنة لكيفية التعامل مع المرضى ووسائل الأكسجة وكيفية حماية الطرق التنفسية، وجميعهم مدربون بشكل كبير على التعامل مع كل حالة طارئة تواجههم، بالإضافة إلى أن هذه الفرق لا تحتاج للحصول على تراخيص ما دام العاملون فيها هم من الكوادر الطبية والتمريضية والإسعافية المرخص لهم أساساً، أما تأمين المعدات الطبية فيكون إما على حسابهم الخاص، أو من خلال المشافي، وحتى من قبل منظومة الإسعاف والطوارئ في "طرطوس" التي تبدي تعاوناً كبيراً مع كل من يتواصل معها للحصول على الخدمات الطبية المختلفة.

تدريبٌ مهني

وتقيم منظومة الإسعاف والطوارئ دورات تدريبية لتعزيز خبرات الممرضين العاملين بالمنظومة نفسها أو في المشافي والمراكز الصحية وزيادة كفاءتهم، بالإضافة إلى دورات الإسعاف الأولي التي يحتاجها الأشخاص من خارج السلك الطبي لكنّهم مؤهلون للإسعاف الأولي بحسب الدكتور "فراس حسامو" رئيس المنظومة ويضيف: «كل شخص مدرّب يمكنه التدخل إسعافياً بحال وجوده في موقع الحدث، وربما يكون هذا التدخل منقذاً للحياة أو يمنع حدوث أي مضاعفات قد تودي بحياة المصاب، كإيقاف النزف والتعامل مع إصابات العمود الفقري وغيرها من أشكال التدخل الإسعافي، وهذه الدورات قد تقام داخل المنظومة، أو حتى في المعاهد الخاصة التي تهتم بهذا النوع من الدورات التدريبية، وأي شخص يرغب بإجراء دورة إسعاف أولي بإمكانه التواصل معنا وتُلبى رغبته على الفور».

ويرى "بشار علي" وهو أحد الشباب الذين اتبعوا دورة تدريبية أن معرفة المؤشرات الحيوية هي الجانب الأهم لإنقاذ حياة المريض، كالنبض والضغط والأكسجة، فتعلمنا كيفية استخدام الأدوات الخاصة بقياس كل منها، إلى جانب طرق الحقن العضلي والوريدي، وكيفية قراءة الدواء والتأكد منه والجرعات المطلوبة بحسب كل حالة، أما "أريج محمد" التي كانت تشعر بالارتباك والخوف أمام أي حالة صحية طارئة تواجهها، فكان اتباع دورات تمريضية بالنسبة لها هو الحل لكسر حاجز الخوف، ولأن مهنة التمريض هي مهنة إنسانية واجتماعية هامة فكان من الضروري بالنسبة لها التعرف على هذا المجال بشكل أوسع من خلال اتباع الدورة، وهنا ترى بالفعل أنها اكتسبت بعض تفاصيل هذه المهنة الإنسانية، وأصبحت قادرة على التدخل والمساعدة في الوقت المناسب.