ارتبط الزيّ الشعبي في "السويداء" بالطبيعة الجغرافية وتضاريس المحافظة، فضلاً عن الرؤية الثقافية التي حملتها البيئة الاجتماعية والتاريخية فيها منذ زمن، وما أفرزته الحالة الوجدانية والأخلاقية والتراثية والحضارية من تقدم في العمل والفكر، على طريقة وشكل الزيّ الشعبي السائد.

ولعلّ الحديث عن ارتباط الزيّ الشعبي بالجغرافيا والإبداع يدفعنا إلى التوضيح والتأكيد بأن هناك أزياء متنوعة ومتعددة قام بإبداعها الرجال والنساء، إذ كما للرجال زيّ شعبي يتميز به وتحمل كل قطعة منه دلالة خاصة، وكذلك زيّ المرأة.

انصهر هؤلاء جميعهم في بوتقة جبلية واحدة، وشكلوا لأنفسهم فلكلوراً فيه من لبنانيتهم، وفلسطينيتهم، وحلبيتهم، وشاميتهم لمسات واضحة، بيد أنها جميعها تآلفت مع الزمن لتشكل نسقاً له فرادته من جهة، وله ارتباطه الوثيق بالنسيج الفلكلوري الوطني السوري بشكل عام المرتبط مع التاريخ خاصة

فلكلورٌ جمعي

يوضح الباحث التراثي "سلمان البدعيش" لموقع مدوّنة eSyria بالقول: «لعلّ الحديث عن الزيّ الشعبي في "جبل العرب" يقودنا إلى الوقوف على الفترات الزمنية، التي شهدت فترة من الازدهار، وامتدت حتى القرن الثامن الميلادي، وتشهد عليها الأوابد التاريخية التي ما زالت ماثلة في مدينة "السويداء وشهبا وقنوات وسيع وشقا ونجران" وغيرها من قرى وبلدات محافظة "السويداء"، إذ لا تكاد تخلو قرية من قرى المحافظة من أثر هام يشهد على براعة الإنسان السوري، ومساهمته الفعالة في الحضارة الإنسانية، ونتيجة لظروف متعددة، مناخية واجتماعية، تحوّلت تلك الصروح الحضارية إلى أطلال دارسة، إلى أن أعيد إعمار الجبل في بداية القرن الثامن عشر عبر موجات من الهجرات المتلاحقة من "لبنان وفلسطين وحلب وضواحي دمشق وجبل الشيخ"، وحمل المهاجرون فيما حملوا حكاياتهم وأمثالهم وأغاني عملهم، وأفراحهم وبكائياتهم وألعابهم وعاداتهم وتقاليدهم، مثلما حملوا أزياءهم الشعبية المتنوعة».

الأستاذ سلمان البدعيش

ويضيف الباحث بأن للطبيعة الجغرافية للجبل -بصخوره السوداء وشِعافه المنيعة، ومسالكه الوعرة، ومناخه القاسي- قدرة عجيبة على صياغة الإنسان صياغة جديدة، وفق هذه المعطيات والمتطلبات البيئية «انصهر هؤلاء جميعهم في بوتقة جبلية واحدة، وشكلوا لأنفسهم فلكلوراً فيه من لبنانيتهم، وفلسطينيتهم، وحلبيتهم، وشاميتهم لمسات واضحة، بيد أنها جميعها تآلفت مع الزمن لتشكل نسقاً له فرادته من جهة، وله ارتباطه الوثيق بالنسيج الفلكلوري الوطني السوري بشكل عام المرتبط مع التاريخ خاصة».

عبر قرون

"ربيعة غانم" رئيسة قسم التراث الشعبي في مديرية الثقافة بالسويداء تقول: «الحديث عن الزي الشعبي وربطه بالعلاقة التاريخية والأحداث، يدفعنا إلى أن نتناول جانباً من جوانب الفلكلور في الجبل، وينبغي ألا يفوتنا ذلك التطور الذي طرأ عبر قرنين من الزمن، وخاصة فيما يتعلق بالزي الشعبي الذي يعدُّ من أكثر جوانب الفلكلور عرضة للتطور نتيجة الاحتكاك المتواصل وسيل (الموضة) الجارف، حيث أخذ يستهدف خصوصية الشعوب ليس في الجبل فحسب، بل في كل بقاع العالم، نتيجة طغيان العولمة وثورة الاتصالات، كما ينبغي الاعتراف بأنّ التطور لا يعني الارتقاء نحو الأفضل دائماً، بقدر ما يعني التماشي مع متطلبات العصر، ففي حين كان الشاب الجبلي في مطلع القرن العشرين لا يتميز كثيراً عن الشاب البدوي بجدائله وعباءته، وعقاله و"قضاضته"، نتيجة تماسه المباشر مع البيئة البدوية في بداية مرحلة الاستقرار في الجبل، إلا أنه بدأ يتخذ لنفسه زيّاً متميزاً إلى حد ما، وأخذ هذا التميز يندمج شيئاً فشيئاً مع زيّ المدينة».

ربيعة غانم

خصوصيةٌ وتميّز

نموذج لزيّ المرأة المعاصرة

وتتابع "غانم" حديثها بالقول: «بشكل عام لا بدّ من الإشارة إلى أنّ لباس النساء في الجبل أكثر تميّزاً من لباس الرجال، فإذا رأيت المرأة الجبلية بلباسها الجبلي الشعبي لا يراودك شكّ أنها من تلك المنطقة بالتحديد على حين لا يمكنك بالوضوح نفسه أن تميّز الرجل الجبلي من خلال لباسه باستثناء رجال الدين الذين لهم علاماتهم الفارقة، والحديث في هذا المجال مهم ولكن يصعب في عجالة توضيحه، إذ لا بدّ من شرح توضيحي لزيّ الرجال في جبل العرب، والفئات العمرية المتنوعة والمختلفة من الشباب والكهول والشيوخ، وكذلك النسوة الشابات منهن والكهلات والمتقدمات في السن، مع الأخذ بالحسبان التطور الزمني واللحظة الآنية المواكبة ليومنا هذا وما فرض فيه من أزياء شعبية».