تعدُّ مكتبة دار الروّاد في مدينة "حلب" واحدةً من أهم المكتبات التي حافظت على مكانتها العلمية والثقافية خلال أكثر من نصف قرن، بما احتوته من كتب ومراجع وقواميس علمية مهمة وباللغتين العربية والإنجليزية، ما جعلها قبلةً ومرجعاً للعديد من أساتذة الجامعة وطلاب البحث العلمي للتزوّد والنهل من كتبها ومراجعها، وهي التي ساهمت أيضاً بتغذية المكتبات الجامعية وأسبوع العلم من خلال حضورها ومشاركتها بكافة المعارض المقامة في رحاب الجامعات السورية.

ذكرياتُ التأسيس

موقع مدوّنة وطن "eSyria" زار مكتبة "دار الروّاد" بمدينة "حلب" الواقعة خلف "الفندق السياحي" واستمع لشرح مفصّل عن تاريخ ونشأة المكتبة وما تضمّه من مقتنيات علمية، حيث يقول صاحب المكتبة الدكتور "محمد زيد": «تمّ افتتاح هذه المكتبة لأوّل مرة عام 1970، وجاءت الفكرة حينما اقترح والدي الراحل "سليم زيد" مدرس اللغة الإنكليزية ومدير وكالة "غوث" للاجئين الفلسطينيين على عدد من زملائه المدرسين -أغلبهم كان من حملة الإجازة الجامعية باللغة الإنكليزية- أن يتشاركوا فيما بينهم لافتتاح مكتبة تُعنى بالقواميس والمراجع والكتب العلمية باللغة الإنكليزية، وتمت الموافقة مباشرة ووفق أسهم شارك بها كل من "فاروق جركس" و"حسين جوهر" و"شوقي شعث" و"عبد السلام دغمان"و "وخير الله عطواني"، وقام حينها كل شريك بدفع مبلغ ألفي ليرة كرأس مال، وعُهدت إلى والدي إدارة ومتابعة الشؤون المالية الإدارية لهذا المشروع العلمي، وسارت الأمور على ما يرام ولاقت الفكرة والتنفيذ الكثير من النجاح، ومع تقدم الزمن وفي عام 1980 انفضّت الشراكة لسفر البعض ووفاة آخرين وانسحاب البعض، ليبقى والدي وحيداً ومستمراً في إدارة المكتبة».

وفي عام 1990 بدأنا بإدخال المراجع العلمية الطبية وباللغة العربية بعد تعريب ودراسة مواد كلية الطب باللغة العربية في الجامعات السورية، وقمنا ببيع العديد من هذه المراجع لأغلب الجامعات سواء خلال معرض أسبوع العلم أو عند إقامتنا معارض فردية لنا

أسبوعُ العلم

يشرح الدكتور" زيد" كيف ترافق تأسيس المكتبة مع افتتاح قسم اللغة الإنكليزية بجامعة "حلب" حيث بدأ الطلب يزداد على المكتبة لتأمين المراجع الجامعية، وكيف نجحوا بطلب مئتي عنوان للقواميس والمراجع باللغة الإنكليزية من مكتبات مدينة "دمشق"، ليبدأ بعدها التواصل مع مكتبة "بيروت" للتزوّد بآخر الإصدارات والطبعات من الكتب العلمية باللغتين الإنكليزية والعربية، وتم التواصل مع عدة دور نشر عالمية في "إنكلترا" مثل "أكسفورد" و"ماكروهيل"و"ويلي" و"كامبريج" و"برسنت هول" وغيرها للتزود بالمراجع، لافتاً إلى أن سبب الإقدام على هذه الخطوات كان من أجل المشاركة بأسبوع العلم، وبأحدث الطبعات حيث كان يقام الأسبوع سنوياً في رحاب جامعة "دمشق" ثم ينتقل في العام اللاحق لجامعة أخرى وهكذا، «وفي عام 1990 بدأنا بإدخال المراجع العلمية الطبية وباللغة العربية بعد تعريب ودراسة مواد كلية الطب باللغة العربية في الجامعات السورية، وقمنا ببيع العديد من هذه المراجع لأغلب الجامعات سواء خلال معرض أسبوع العلم أو عند إقامتنا معارض فردية لنا».

مؤسس دار الروّاد الراحل "سليم زيد"

نشاط المعارض

"سمير بنقسلي" أحد العاملين في مجال المكتبات

ويبين الدكتور "زيد" أنّ الترويج للكتب يعتمد بالدرجة الأولى على المشاركة الدائمة في المعارض وخاصة المقامة في رحاب الجامعات، نظراً لحاجة الطلبة وأساتذة الجامعات لهذه المراجع وسهولة الحصول عليها بدلاً من عناء البحث والنزول لمكتبات المدينة، ومنذ تأسيس المكتبة وحتى الآن جرت المشاركة في أكثر من مئة معرض موزعة بين جامعة "حلب" و"جمعية العاديات" وجامعات "تشرين" و"البعث" و"دمشق" ومختلف المدن السورية.

ويضيف: «تخصصنا بعناوين مختلفة كانت تتضمن مراجع وقواميس علمية لكليات الطب، لذلك كان يطلب منا تزويد الطلبة بعناوين طبية، وفي حال عدم توافرها نقوم بمهاتفة دور النشر العالمية لتأمينها، ويحسب لجامعة "حلب" ورئيسها الراحل الدكتور "محمد علي حورية" في فترة التسعينيات وحتى عام ألفين دعمه واهتمامه بموضوع دور النشر والمكتبات وشراء المراجع والكتب العلمية والثقافية والأدبية المتنوعة لمصلحة مكتبات الكليات».

طبعات حديثة من داخل المكتبة

ويشير صاحب المكتبة إلى أنه نظراً لغلاء طبعات المراجع والقواميس الإنكليزية تم التوجه في فترة محددة نحو دور النشر الهندية وهي تحمل القيمة العلمية نفسها، ويمكن لنا تأمينها بأسعار أرخص وانعكس ذلك على السوق المحلية لدينا ونجحنا بكسب ثقة هذه الدور والتعامل معها وكان يتم تزويدنا بآخر الطبعات.

يد المساعدة

ويتابع الدكتور "زيد" قائلاً: «في عام 2007 توفى والدي وكانت وصيته لي المحافظة على استمرار المكتبة وعدم إغلاقها حتى لو تعرضت للخسارة، مع إغنائها بالكتب الحديثة ومساعدة الطلبة والمراجعين بتأمين طلباتهم وبسعر التكلفة، لكن الأمور خلال السنوات الأخيرة وظروف الأزمة تبدلت كثيراً بعد دخول الإنترنت بقوة إلى المنازل والأماكن العامة والجامعات، إضافة لغلاء الأسعار في السوق العالمية للمراجع وضعف الحالة المادية والاقتصادية لدى أغلب الطلبة، حيث بات اعتمادهم بالدرجة الأولى على الإنترنت، أو عن طريق التشارك بين عدة طلاب في شراء مرجع واحد وتصويره، ومع ذلك نفخر ونعتز بما قدمناه خلال فترة خمسين عاماً من تأسيس مكتبتنا من خلال تعاملنا وتسهيل مهمة طلبة العلم».

شهادات

يقول المدرّس المتقاعد لمادة اللغة الإنكليزية "كمال هنداوي": «أنا من زبائن "مكتبة الروّاد" منذ تأسيسها ولا يمر أسبوع دون أن أزورها وأطّلع على الجديد فيها، المكتبة غنية وواسعة بعناوينها العلمية، وتعد مرجعاً علمياً وثقافياً للمهتمين، ويحسب لأصحابها أنهم في الزمن الصعب ورغم تعرضهم لأزمة اقتصادية في الفترة الأخيرة بقيت المكتبة مشرعة أبوابها بذات المهمة وأمام الجميع».

بدوره يقول "سمير بنقسلي" أحد العاملين بمكتبات المدينة: «عملت في أغلب مكتبات المدينة، وما زلت أذكر لطف وحسن معاملة مؤسس هذه الدار الراحل "سليم زيد" وكيف كان يعاملنا نحن والمراجعون وبشكل خاص طلبة الماجستير والدكتوراه، وكيف كان يعامل من لا يملك ثمن الكتب ويقول له بإمكانك أخذ الكتاب الذي يلزمك واستعارته حتى انتهاء مهمتك وإعادته إلينا، كل ذلك خلق الثقة والمحبة بين المراجعين والمكتبة وما زال هذا النهج هو السائد حتى الآن».

تمّ اللقاء والتصوير داخل "مكتبة الروّاد" بتاريخ الثلاثين من شهر آب لعام 2021.