عندما اتخذ الإنسان القديم الزراعة وسيلةً للعيش، كان لا بدّ من أن يبتكر أدوات تساعده على التكيّف مع الأرض وفلاحتها وحصادها، فكانت الأدوات الزراعية البسيطة كالمحراث الحجري والفأس والمنجل وغيرها الكثير من الأدوات التي شاع استخدامها في الزراعة، وظلّ بعضها محافظاً على مكانته رغم التطور الصناعي والتكنولوجي الذي غزا تفاصيل حياتنا على الأصعدة كافة وخصوصاً الزراعة وأدواتها.

الفأس والمحراث

البداية كانت بصناعة الفأس التي تستخدم للقطع والحفر، وتتألف من قطعتين إحداهما خشبية والأخرى مصنوعة من لب الحجر، تربط بينهما حبال من الليف أو أمعاء الحيوانات بعد تجفيفها، وعبر الزمن ظهرت بعض التعديلات على طريقة صنعها، فبقيت محافظة حتى الآن على الجزء الخشبي، مع استبدال الجزء الحجري بالبرونز والنحاس ولاحقاً بالحديد، ومن الابتكارات المهمة التي تلت اختراع الفأس، المحراث، الذي يعود إلى آلاف من السنين مضت، وتكمن أهمية هذا الاختراع في بساطته وسهولة صنعه من مواد توفرها البيئة المحلية، ومع اختراعه بدأت حياة الإنسان تستقر.

لقشر القمح كنا نستخدم الجرن ذا المدقة، وكان يصنع عادة من حجر الصوان الصلب، أما لطحن الحبوب وتحويلها إلى دقيق فاستخدمنا الرحى الحجرية، وهي عبارة عن حجرين مستديرين يوجد في وسط الحجر العلوي تفريغ دائري، منه تصبُّ حبوب القمح لتطحن بين الحجرين

استخدم المحراث في الساحل السوري بشكله البدائي الذي يعتمد على السكة الخشبية لفترة امتدت لعصور متتالية، ومنذ ما يزيد على قرن وربع القرن، حلّ محله محراث السكة الحديدية، ويقول المزارع "عزيز سلوم" من ريف "القدموس" لمدوّنة وطن: «الصّمْد وهي التسمية المحلية للمحراث، قد استخدمه جدي ووالدي، ويتألف من أجزاء أساسية هي نفسها منذ ما يقارب 6000 سنة، منها (الكابوسة) عبارة عن مقبض يُمسك به المزارع يربط بين باقي الأجزاء مع الحيوان المستخدم بجر المحراث، و(الرَّكبة) التي تصل (الكابوسة) بسكة الفلاحة، أما (الماج) فيربط كل الأجزاء ببعضها بعضاً، وهناك أيضاً (الكدّانة) وهي أداة توضع على رقبة الحيوان، بالإضافة إلى (المسبلانة) وغيرها من القطع الثانوية التي تصل بين الأجزاء الأساسية، وقد استخدمته أنا لسنوات طويلة، ثم استبدلته بالعزّاقة، وهي محراث أيضاً، يستخدم لحراثة الأراضي الضيقة ذات المساحات الصغيرة والتضاريس الوعرة، وإلى جانب الحراثة لها استعمالات زراعية متعددة، أما الأراضي الواسعة المخدّمة بطرقات زراعية، فتتم حراثتها باستخدام الجرار الآلي الحديث، لكن هذا لم يلغ وجود المحراث القديم، فمعظم العائلات التي تعتمد على الزراعة في ريف المحافظة ما تزال تمتلكه وتستخدمه في أعمال زراعية مختلفة حتى اليوم.

جرن حجري

المنجل قديماً

اعتمد الإنسان قديماً على قوته العضلية في جرّ المحراث، وقد كان عملاً شاقّاً، لاحقاً طوره إلى محراث تجره الثيران، وتاريخياً يرجع تسخير الحيوانات لعمليات الحراثة للمرة الأولى إلى المصريين، وأخذ هذا الابتكار يتطور تدريجياً مع إضافة أجزاء أخرى تسهل العمل كـ(النير)، ثم اخترع (المبذر) الذي يتخذ شكل البوق ترمى بداخله البذار لتسقط في الشق الذي تحدثه السكة في التربة».

ومن الأدوات الزراعية القديمة أيضاً المنجل، وهو من الأدوات الزراعية التي تمّ اختراعها وصناعتها من حجر الصوان المنحوت والمثبّت على مقبض خشبي، وقد استخدم لحصاد الحبوب سواء البرية أو تلك التي تتم زراعتها، كما استخدم لقطع الحشائش وتنظيف التربة، وتعود صناعة المناجل كما تشير الدراسات إلى العصر الحجري، واستخدم في العصر البرونزي حيث استبدل الحجر المنحوت بالبرونز والنحاس، ولاحقاً استخدمه السومريون ومختلف الحضارات المتتالية، أما اليوم فلا يكاد يخلو بيت ريفي من وجود عدة مناجل تتنوع أشكالها بتنوع استخداماتها، مصنوعة من الحديد المثبت داخل مقبض خشبي، وتعدُّ من المقتنيات الأساسية لدى كل أسرة، كونها تعتمد على محصول القمح ومشتقاته في معيشتها.

الرحى والغربال

وبما أنّ القمح هو المحصول الأساسي لأهالي المناطق الريفية، فكان لا بدّ من وجود أدوات أخرى ارتبطت بزراعته إلى جانب المنجل بحسب المزارعة "رشيدة محمد"، ومنها الغربال الذي تصفه بالطبق الدائري كبير الحجم نسبياً، والمكوّن من إطار خشبي يثبت عليه (المنخل)، وبوساطته يتم التخلص من الشوائب الموجودة بالقمح أو البرغل وغيرها من أنواع الحبوب، وتضيف: «لقشر القمح كنا نستخدم الجرن ذا المدقة، وكان يصنع عادة من حجر الصوان الصلب، أما لطحن الحبوب وتحويلها إلى دقيق فاستخدمنا الرحى الحجرية، وهي عبارة عن حجرين مستديرين يوجد في وسط الحجر العلوي تفريغ دائري، منه تصبُّ حبوب القمح لتطحن بين الحجرين»، ولاحقاً تطورت طرق استخدام الرحى حيث أصبحت أكبر حجماً تدار بواسطة الحيوانات، ثم كبرت أكثر وبنيت إلى جانب الينابيع والأنهار الغزيرة للاستفادة من قوة جريان المياه، والبعض استخدم قوة الرياح في تشغيلها خاصة في المناطق التي تشهد سرعةً في الرياح، إلى أن تطورت وأصبحت تدار بالوقود والكهرباء كما هو حال المطاحن في يومنا هذا.

ولأنهم في هذه الأرياف البسيطة يعتمدون على إنتاج المحاصيل الزراعية بمختلف أنواعها، كان لا بدّ من إيجاد طرق لنقلها من الأراضي الزراعية، فصُنعت السلال من القش والقصب، وهي اليوم من أبرز الصناعات التراثية التي يعمل بها عدد قليل فقط من الحرفيين الذين آمنوا بضرورة الحفاظ على تاريخ وتراث الأجداد.

تطورات كثيرة شهدها قطاع الزراعة، إلا أنّ أدوات كالمحراث والمنجل والغربال والجرن ما تزال تحافظ على حالها الذي وجدت عليه للمرة الأولى قبل آلاف السنين، وهي اليوم تحجز مكانتها بين مقتنيات البيوت الريفية الأصيلة وتلبي احتياجاتها المتعددة.