على بسطات قماشية ممدودة على قارعة الطريق والساحات وداخل حي "باب جنين" وسط مدينة "حلب" يقع السوق الشهير للألبسة المستعملة والمتنوعة (البالة) الذي يشهد ازدحاماً يكاد لا ينقطع ومن مختلف شرائح المجتمع للاقتناء والشراء، وحسب حاجة ومستلزمات كل فرد وعائلة، وقبل دخول كل مناسبة وموسم وتوقيته.

أصول المهنة

موقع مدوّنة وطن "eSyria" زار هذا السوق المكتظ بالزبائن وتجوّل داخله وحاور البائعين والزبائن. يشرح الحاج "عبد الرحمن عامر" أحد تجار السوق حكاية هذه المهنة بالقول: «علاقتي بهذه المهنة طويلة تمتد إلى ما يقرب من ستين عاماً، بدأت بها مذ كنت شاباًَ وكان ذلك في نهاية فترة الأربعينيات من القرن الماضي، عن طريق أخوالي المقيمين في "بلجيكا" وهم تجار ألبسة من أهالي مدينة "حلب" وقد هاجروا إلى أوروبا وعملوا هناك بتجارة الألبسة المستعملة، اقترحوا عليّ حينها العمل على إرسال (بالات) وفق إجازات استيراد وتصدير وشهادات منشأ وصحية، ووافقت، وبالفعل بدأت تصلني نماذج متنوعة من هذه الألبسة وكنت أقوم بعد استلامها بفرزها وتنظيفها ثم عرضها على بسطات قماشية في وسط حي "باب جنين"».

خلال الأزمة أُغلق السوق نهائياً وقمت بنقل بضاعتي ومحلي إلى طلعة "الميرديان" وتبعني زبائني إلى هناك وبعد تحرير المدينة عدت لصيانة (محلاتي) وافتتاحها من جديد

ويشير الحاج "عامر" إلى صعوبة المهنة وأصولها، إذ يجب أن نختار التوقيت الصحيح لعرض البضاعة وبما يتلاءم مع كل موسم، وكذلك الأمر تتطلب المهنة تشغيل عمال لإعادة كي القطع من جديد، حيث تصل مرصوصة ومضغوطة، وكذلك تحتاج لورشة خياطة (درزة وحبكة) والأفضل أن تكون الماكينة داخل المحل لسرعة تلبية حاجة وطلب الزبون حسب مقاسه، مبيناً أن الألبسة التي تصل تكون منوعة فيها الشتوي والصيفي والربيعي (رجالي ونسائي) والمعاطف السميكة وكذلك ألبسة الأطفال وأحذية المشي والجري.

تاجر الألبسة المستعملة عبد الرحمن عامر

كل الشرائح

ماكينة الخياطة من أساسيات المهنة

وشهد سوق (البالة) وسط مدينة حلب توسعاً ونشاطاً ملحوظين بين أعوم 1990 حتى عام 2010، وتضاعفت المحال وأعداد العاملين في السوق وشهد ازدهاراً وإقبالاً وحركة بيع وشراء غير مسبوقة، حتى كاد ينافس سوق الألبسة الحديثة في حي "باب الفرج"، ويشير الحاج "عامر" إلى أن زبائن السوق هم من مختلف شرائح المجتمع دون استثناء، منهم الطبيب والمعلم وأصحاب الدخل المحدود، وكثيراً ما يتواصل الزبائن للاستعلام عن وصول دفعات جديدة من الألبسة من أجل الحضور وانتقاء ما يلزمهم، وينبغي على صاحب المحل -حسب قول الناجر- التحلي بالصبر حين حضور الزبائن للتبضع والمهاودة في الأسعار بهدف خلق الثقة.

ويختم التاجر حديثه بالقول: «خلال الأزمة أُغلق السوق نهائياً وقمت بنقل بضاعتي ومحلي إلى طلعة "الميرديان" وتبعني زبائني إلى هناك وبعد تحرير المدينة عدت لصيانة (محلاتي) وافتتاحها من جديد».

الزبون بشار حسون يتفحص البضاعة قبل الشراء

وبالتقسيط أحياناً

وتابعت المدوّنة جولتها بأسواق (البالة) المتعددة والمنتشرة في أحياء المدنية الأخرى، مثل "أودونيس" و"الحمدانية" حيث يبدو الحضور الكثيف للمتسوقين ومن كل الشرائح.

يقول المدرس "بشار حسون": «الظروف المادية لا تسمح بشراء الألبسة الجاهزة، لذلك كان خيار "البالة" هو المتاح لي ولأفراد عائلتي، غالباً ما يستغرق البحث عن المطلوب وقتاً طويلاً لكنني في نهاية المطاف أجد طلبي من القطع التي تتفوق بجودتها وسعرها على ألبسة المحال الجاهزة، فضلاً عن أن أصحاب الألبسة المستعملة يقومون بتصغير وتقصير القطعة حسب الطلب ومن دون دفع أجور، إضافة إلى أن التقسيط أيضاً متاح وعلى دفعات شهرية، وذلك يعود إلى العلاقة بين صاحب المحل والمتسوّق».

بدورها تبين السيدة "أم أحمد" أن الأسعار هنا متفاوتة، هناك الغالي والرخيص، ولكن بالمجمل يجد الراغب بالشراء حاجته ولو بالتقسيط وعلى مراحل ودفعات، وتضيف: غالباً ما يرهقني شراء اللباس الشتوي أكثر من الصيفي، حيث يتضمن المعاطف والكنزات والقمصان والبنطال والحذاء، عكس الصيف الذي نكتفي فيه بقطعتين أو ثلاث من النوع الخفيف لكل فرد من العائلة».

مواسم (البالة)

من جهته يصف "سعد هزاع" صاحب أحد المحال التجارية في السوق، الحركة بالمتبدلة دوماً، فهناك أوقات ومواسم يشتد فيها الطلب على الألبسة المستعملة، فيما تهدأ الحركة في أوقات كثيرة، ويعد فصل الشتاء من أكثر المواسم التي يكثر فيها الطلب ويكثر الازدحام.

ويشكو التاجر من كثرة المصاريف والضرائب المالية المترتبة على المحال والانقطاع الطويل للكهرباء الذي يؤثر في الإقبال ويجعله ضعيفاً، عدا عن دفع ثمن أمبيرات ومولدة الكهرباء.

تم إجراء اللقاء والتصوير بحي "باب جنين" بتاريخ الرابع عشر من شهر آب لعام 2021.