شهدت مدينة "حمص" نهضةً فكريةً وثقافيةً واجتماعيةً مع ظهور المطبوعات الورقية المتنوعة، من صحفٍ وجرائدَ ومجلاتٍ متنوعة، بالتخصصات التي احتوتها مواضيع المواد التي كانت تنشر فيها، خاصة بعد عام 1870 وخروج "ابراهيم باشا" المصري من "سورية"، وحتى انتهاء الاحتلال العثماني لها سنة 1918، تلك المطبوعات اختلفت بأهداف تحريرها، فمنها السياسية والاجتماعية والأدبية وحتى الهزلية الساخرة لكن لغاياتٍ نقديةٍ للواقع المعيش حينها، وقد تولت الشخصيات ذات الفكر النهضوي مهمة تأسيس ونشر تلك الصحف والمجلات في ذلك الحين وما بعده خلال زمن الاحتلال الفرنسي.

بخطّ اليد..

أولى الجرائد الورقية التي صدرت في المدينة هي "المنبر"، وكان صدورها ونشرها يتم بشكلٍ سرِّي، من قبل مؤسسها الشيخ "عبد الحميد الزهراوي" أحد أهم رموز عصر النهضة العربية، وأحد شهداء السادس من أيار عام 1916 زمن الاحتلال العثماني، وكانت كتابتها تتم بخط اليد، أمَّا طباعتها فكانت على نفقة "الزهراوي" الخاصة، وقد كانت الطباعة تجري على مادة غروية هي (الجيلاتين) بعد كتابتها بيد ناشرها، ومن ثمَّ يجري توزيعها عبر البريد، إلى المدن والبلدان العربية الأخرى، وقد صدر العدد الأول من جريدة "المنبر" عام 1892 وقد احتوت مواضيع موادها على منشورات تهتم بشؤون الفكر وتأكيد هوية اللغة العربية التي حاول العثمانيون طمسها عبر سياسة "التتريك".

ثاني المطبوعات كانت مجلة "السلوى" ومؤسسها هو "نجيب دمعة" الذي أصدر عددها الأول سنة 1898، هي الأخرى كانت تكتب بخط اليد وتحتوي مواضيع أدبية واجتماعية وثقافية، إضافة إلى أنها أول مجلة احتوت على مواد إعلانية في ذلك الزمن، حيث تضمنت إعلانا لمزيل الشعر ومبيضٍ للأسنان.. من هنا، نرى السَبَق في نهضة الوعي والفكر التي كانت سائدة قبل أكثر من قرنٍ من الزمن.

صور بعض الجرائد والمجلات

عام التنوير

نماذج لبعض الإعلانات التي تضمنتها الجرائد والمجلات في ذلك الوقت

مع وصول المطبعة التي تبرَّع بها "بشارة عيسى محرداوي" الذي كان مغترباً في "البرازيل" إلى مدينة "حمص" –وهي أول مطبعة فيها– بتاريخ 13 تشرين الثاني سنة 1909 ظهر إلى النور العدد الأول من "جريدة حمص" لصاحب امتيازها المطران "أثناسيوس عطالله" راعي أبرشية الروم الأرثوذكس في المدينة، اتسمت الجريدة بمواضيعها الأدبية والعلمية والإخبارية التي كانت تقدِّمها ضمن صفحاتها، حيث أشرف على إدارتها في ذلك الوقت الدكتور "كامل لوقا"، و"قسطنطين يني" محرراً لها، شهدت الجريدة توقُّفاً قسرياً بين عامي 1914-1918 لتعود إلى الصدور عام 1920 وتحديداً بتاريخ 4 كانون الثاني، وكان وجود المطبعة عاملاً أساسياً في تسهيل عملية طباعة الجرائد والصحف والمجلات التي صدرت فيما بعد، وسوف نستعرضها تباعاً بحسب تاريخ صدورها.

نهضة إعلامية..

أسس "يوسف خالد المسدي" عام 1910 جريدة تحت مسمى "ضاعت الطاسة" متخِّذاً من الأسلوب الهزلي طابعاً خاصاً لها، صدور هذه الجريدة كان أسبوعياً، شعارها "العدل أساس الملك" وبدل الاشتراك السنوي فيها كان ثلاثة أرباع المجيدي، وتتم عملية طباعتها في مطبعة جريدة "حمص".

مثلها، كانت جريدة "جادة الرشاد" لصاحبها "حنا خباز" الذي أصدر عددها الأول بتاريخ 5 تشرين الأول 1911، استمرت الجريدة بالصدور حتى عام 1914 بسبب إغلاق السلطات العثمانية لها، لكنها عادت لقرائها بعد تسع سنوات مجدداً، وتحولت إلى مجلة شهرية زمن الاحتلال الفرنسي.

ذات العام أي 1911 أبصرت جريدة "المدرسة" النور لمؤسسها "توفيق نجيب الأتاسي"، تضمَّنت في صفحاتها مقالات علمية وأدبية وفنِّية وأخلاقية واجتماعية، ما ميّز تلك الجريدة هو صدورها باللغتين العربية والتركية آنذاك.

أيضاً، صدرت في المدينة عام 1912 جريدة جديدة اسمها "دليل حمص" وهي عبارة عن جريدة سياسية وإخبارية كانت تصدر أيام "الثلاثاء" و"الجمعة" من كلِّ أسبوع، وبدل اشتراكها السنوي نصف ريال مجيدي، مُصدِرها هو "قسطنطين يني" ومسؤول تحريرها "أحمد الموصلي"، وكسابقاتها من الجرائد التي ذكرناها، فإنَّ أعدادها كانت تُطبع في مطابع جريدة "حمص"، وأول عدد منها صدر عام 1912.

"التنبيه" جريدة أخرى ظهرت في المدينة وصدر العدد الأول منها بتاريخ 14 آذار عام 1912 وكانت الجريدة الوحيدة التي تصدر بشكلٍ يومي، مؤسسها هو "محمد الخالد جلبي الحمصي".

تنوّع وتخصص

عدا عن الجرائد التي ذكرناها سابقاً، ظهرت العديد من المجلات متنوعة الاختصاصات، منها الفنيِّة والاجتماعية والأدبية هي: مجلة "الرئيس" لصاحبها "لويس الخازن" التي صدرت عام 1900، تلتها مجلة "العروس" سنة 1910 وهي المجلة الوحيدة التي تخصصت بشؤون المرأة، ثمَّ أتت بعدها مجلة "سمير الصبا" التي أسسها "شكري لوقا" عام 1911، وفي ذات التاريخ ظهرت مجلة "الشبيبة" التي أصدرها الشريكان "عبد الباقي الدروبي" وعبد الكريم الصبَّاغ". تالياً، كانت هناك مجلة "العريس" ويذكر من مؤسسيها الأمير "نسيب شهاب" – كما كان لقبه – ومعهم كانت مجلة "جادة الرشاد" التي ذكرت فيما سبق.

للعلم.. فإنَّ هذا الكمَّ الكبير من المعلومات استقيناه من مؤلَّفٍ وضعه الباحث والمؤرخ الحمصي الراحل "نعيم سليم الزهراوي" بعنوان "الأحزاب والجمعيات والصحافة بحمص – الجزء الحادي عشر" خلال زيارة لمقرِّ "الجمعية التاريخية السورية".