يعدُّ انجراف التربة مشكلةً واسعة الانتشار في "السويداء"، فالعمليات الطبيعية لتشكل التربة بطيئة جداً هناك، وتستغرق استعادة التربة المفقودة بالانجراف فيها زمنا طويلاً، تبعاً للظروف الجيولوجية والبيئية، من هنا كانت الحاجة للمزيد من الدراسات لإيجاد حل لهذه المشكلة، ومنها دراسة علمية قامت بها الدكتورة "نبال الصالح" لقياس الانجراف المائي للتربة، وخاصة في المنحدرات الشديدة للتقليل ما أمكن من أثر الانجراف على الغطاء النباتي.

الدراسة بالتوصيف

تشير الدكتورة "نبال الصالح" في حديثها لموقع مدوّنة وطن "eSyria" بتاريخ 25 حزيران 2021 إلى أن منطقة "ظهر الجبل" في "السويداء" من المناطق المهددة بانجراف التربة، نظراً للطبيعة التضاريسية المعقدة والميول الطبوغرافية الشديدة في بعض المناطق، والهطولات المطرية التي عادة ما تكون غزيرة، بالإضافة إلى حساسية التربة ذات التركيب الحبيبي الناعم جداً، والذي يعرض بعضها إلى الانجراف حتى ولو كانت على منحدرات خفيفة، إضافةً إلى الأنشطة البشرية المشجعة لحدوث الانجراف مثل إزالة الغطاء العشبي الطبيعي والأشجار، وما يرافقها من عمليات الحراثة وخاصةً المسايرة للجريان السطحي، مضيفة: «عدم وجود بيانات حقلية دقيقة لكمية ونوعية التربة المنجرفة وما يرافقها من خسارة في المادة العضوية والعناصر الخصوبية في المنطقة، يستدعى وجود دراسة علمية لتوفير بيانات حقلية تفيد في تحديد كمية الانجراف الحاصلة، وتكون أساساً في تقييم برامج التنبؤ بالانجراف في المنطقة، كما أن قياس معدلات الانجراف وتحديد وتصنيف المناطق حسب درجات الانجراف يشكل الخطوة الأساسية الأولى من أجل إيجاد الحلول الملائمة لكل منطقة، ما يضمن إدارة سليمة للحوض الصباب ككل والحفاظ على التربة من التدهور».

يعدّ برنامج GeoWEPP "مشروع التنبؤ المكاني بانجراف التربة" من أهم البرامج المستخدمة عالمياً في هذا المجال، حيث يقوم بتقدير إنتاجية الرواسب والجريان السطحي على أساس عوامل محددة تؤثر في الانجراف بما في ذلك نوع التربة، والظروف المناخية، ونسبة الغطاء الأرضي، والحالة الطبوغرافية

برامج مستخدمة

وتتابع الباحثة "الصالح" قائلة: «يعدّ برنامج GeoWEPP "مشروع التنبؤ المكاني بانجراف التربة" من أهم البرامج المستخدمة عالمياً في هذا المجال، حيث يقوم بتقدير إنتاجية الرواسب والجريان السطحي على أساس عوامل محددة تؤثر في الانجراف بما في ذلك نوع التربة، والظروف المناخية، ونسبة الغطاء الأرضي، والحالة الطبوغرافية».

التوزع المكاني لحوض جولين

وتشير الباحثة إلى أنّ الدراسة هي الأولى التي بحثت في موضوع انجراف التربة في أحد الأحواض الصبابة في منطقة "ظهر الجبل" في "السويداء"، حيث أجريت في حوض سد "جويلين" الممتد على مساحة 2285.3 هكتاراً على السفح الغربي لجبل العرب، خلال الموسمين 2017-2018 و 2018-2019، بهدف تقدير معدلات انجراف التربة الصفائحي والجدولي كماً ونوعاً، بالاعتماد على طريقة مساكب الجريان السطحي التجريبية والقياس الحجمي، وتقدير الفقد في المادة العضوية والعناصر الخصوبية الرئيسة "الآزوت والفوسفور والبوتاسيوم" الناتج عن الانجراف، مبينة أن الدراسة توصّلت إلى تقييم التوزع المكاني للانجراف المائي، بالاعتماد على برنامج GeoWEEP، وإنتاج خارطة لصيانة التربة من خلال تطبيق بعض إجراءات صيانة التربة مثل الحواجز الكونتورية والأقواس الهلالية والحراثة المتعامدة مع الميل، لدراسة دورها في تخفيف الجريان السطحي وانجراف التربة في ظروف المنطقة المدروسة.

خارطة صيانة

بدوره يرى الدكتور "سامي الحناوي" رئيس قسم الموارد المائية في مركز البحوث العلمية الزراعية بالسويداء، أن الدراسة التي قدمتها الباحثة توصلت إلى نتائج هامة أبرزها أن كمية التربة المنجرفة تختلف من موقع لآخر في الحوض، تبعاً لاختلاف الميل ونمط استعمالات الأراضي، وتشكل الأراضي المحروثة في الميول الشديدة أكثر مناطق الخطورة التي تستدعي التدخل لتخفيف الانجراف، لأن للانجراف الجدولي الدور الأكبر في انجراف التربة حيث شكل 57-81 % من كمية التربة المنجرفة، وكذلك فإن انجراف التربة لا يترافق مع فقد المادة الترابية فحسب وإنما يرافقه فقد في المادة العضوية والعناصر الخصوبية، لافتاً إلى أنه كلما زادت كمية الانجراف زاد الفقد في العناصر المغذية والمادة العضوية، ويظهر هذا جلياً في المنحدرات الشديدة في المنطقة.

الباحث الدكتور سامي الحناوي

ويوضح "الحناوي" أن استخدام برنامج GeoWEPP ساهم في وضع خارطة التوزع المكاني للانجراف في الحوض، وتحديد مناطق الانجراف الشديد، وهذا يوفر لأصحاب القرار معلومات من أجل إعداد الخطط اللازمة لصيانة التربة، مبيناً أن الباحثة تمكنت من خلال تحديد شدة الانجراف -في الحوض، والانحدارات، واستعمالات الأراضي الموافقة- من إنتاج خارطة صيانة للتربة تعتمد على بعض الإجراءات التي يمكن تطبيقها بسهولة في المنطقة.

نتائج وتوصيات

ويتابع الدكتور "الحناوي" بالقول: «لقد توصّلت الباحثة إلى أنّ للحواجز الكونتورية الحجرية والأقواس الهلالية الحجرية دور كبير في تخفيف الجريان السطحي وانجراف التربة، وأوصت الدراسة باعتماد هذه العمليات من ضمن أساليب صيانة التربة في المنطقة، وقامت بتقديم النصح في المنحدرات الشديدة بحماية الغطاء العشبي، والحفاظ على البقايا العشبية على سطح التربة ما أمكن لما لها من دور في حماية سطح التربة من تأثير الطاقة التخريبية لقطرة المطر، وزيادة المادة العضوية في التربة التي تساهم بدورها في زيادة تماسك التجمعات الترابية ورفع درجة مقاومة الانجراف».

الباحثة الدكتورة نبال الصالح