من منزله في حي "الدعتور" في مدينة اللاذقية، أطلق الباحث "حيدر تعيسة" ملتقى "القنديل الثقافي" ليكون منبراً ثقافياً لكل من يحمل يراعاً وورقة ويجترح مقالة وخاطرة، ولكل من يقدم بحثاً وخلاصة تخدم الإنسان والوطن، بالإضافة للطابع التراثي الذي صبغ أنشطة الملتقى الذي يعنى بإحياء التراث الأصيل وتعريف الأجيال به.

بيت الستين عاماً

يتذكر "نعيسة" كيف بنى والده منزله القديم في وقت قصير بفضل التعاون الذي كان سائداً حينها، في حين أمضى هو قرابة ستين عاماً في بناء هذا المنزل، في إشارة منه إلى روح المحبة والتعاون التي كانت سائدة بين الجميع حينها، والتي بات يفتقدها مجتمعنا في أيامنا هذه، وهي الروح التي يحاول "تعيسة" جاهداً إحياءها من خلال أنشطة الملتقى، موظفاً خبرة كل تلك السنوات لفعل ذلك، متخذاً من منزله في حيّ "الدعتور" الشعبيّ مقرّاً دائماً له.

أهم ما يعنى به ملتقى "القنديل الثقافي" بعث وحفظ وحماية وصون التراث الشعبي، ولا سيما الشفوي منه باعتبار التراث هو هبة وأمانة الأجداد في أعناق الأحفاد، من باب الحرص والاعتزاز بتراثنا، خصوصاً بعد دخول التقاليد الهزيلة التي حلّت محل التقاليد الأصيلة، وانتشار ما يعرف بالغزو الثقافي، وكل ما من شأنه أن يهدد بفقدان تراثنا.. لا شك بأن تغيير العادات الدخيلة أمر صعب فالناس اكتسبت عادات غريبة، نحاول قدر الإمكان العمل على إحياء التراث بسلوكنا اليومي وتذكير الأجيال الناشئة به وإزالة القطيعة بينهم وبين الأجداد

يقول الباحث "حيدر نعيسة" مدير ملتقى "القنديل الثقافي" في حديثه لمدوّنة وطن: «كانت انطلاقة الملتقى في عام 2016 ليكون رديفاً للمؤسسة الثقافية الوطنية الرسمية وليس بديلاً عنها، كانت فعاليات الملتقى في بداياته تقام كل شهر، في أماكن عدة كصالة أحد المساجد في المنطقة، أو في المقاهي والمدارس، إلى أن استقر في عام 2020 في منزلي ليصبح ملتقى الأصدقاء من المحافظات السورية كافة، وهم من كل الأجيال والمستويات العلمية والمجتمعية، حددنا أهدافنا بنشر العلم والمعرفة والقيام بخدمة الأجيال من خلال نشر العلوم والآداب والفنون واستقطاب كل أصحاب الإبداع بما يخدم الإنسان والوطن، بما فيها الرحلات الثقافية الترفيهية وإقامة المهرجانات الثقافية العامة».

عرض مسرحي في الملتقى

إحياء الذاكرة

إحياء مناسبة القوزلة

تنوّعت أنشطة الملتقى لتشمل مناسبات وفعاليات متنوعة من وحي ذاكرة الماضي، وهنا يقول: «أقمنا مهرجان "عرامو" التراثي لثلاث دورات متعاقبة، هذا المهرجان الذي يقام في قرية "عرامو" الأثرية السياحية، كما أقمنا مهرجان "أوغاريت" الأثري لثلاث دورات أيضاً، بالإضافة للعمل في الملتقى على إحياء العادات التراثية الريفية التي لا تزال موجودة ولا سيما احتفال "القوزلة" الذي يصادف رأس السنة الميلادية في التقويم الشرقي، أقمناه في حيّ "الدعتور" الشعبيّ بالقرب من مقام الخضر "مار جرجس"، كما أحيينا "الزهورية" التي كانت تقام بمناسبة بعث الإله "أدونيس" كما يقال في الأسطورة، بعد توقفها لأربعين عاماً لأسباب مختلفة في أربعين موقعاً من "اللاذقية" وريفها، كما شملت فعاليات الملتقى أنشطة رياضيّة وثقافيّة وفنيّة وتجاريّة واقتصادية، شكّلت بمجملها فرصة للتواصل والتعارف، وتكاد لا تخلو فعالية من الأطفال بهدف زرع وغرس القيم لديهم، ونقيم معارض للفن التشكيلي باستمرار وموسيقا ومسرحيات وحوارات».

القنديل حافظ التراث

يشير الباحث "نعيسة" إلى اهتمامات الملتقى بالقول: «أهم ما يعنى به ملتقى "القنديل الثقافي" بعث وحفظ وحماية وصون التراث الشعبي، ولا سيما الشفوي منه باعتبار التراث هو هبة وأمانة الأجداد في أعناق الأحفاد، من باب الحرص والاعتزاز بتراثنا، خصوصاً بعد دخول التقاليد الهزيلة التي حلّت محل التقاليد الأصيلة، وانتشار ما يعرف بالغزو الثقافي، وكل ما من شأنه أن يهدد بفقدان تراثنا.. لا شك بأن تغيير العادات الدخيلة أمر صعب فالناس اكتسبت عادات غريبة، نحاول قدر الإمكان العمل على إحياء التراث بسلوكنا اليومي وتذكير الأجيال الناشئة به وإزالة القطيعة بينهم وبين الأجداد».

هيثم بيشاني مع نعيسة

في حي شعبي

يتحدث "نعيسة" عن وجود الملتقى في حيّ شعبيّ فقد «لعب مقرّ الملتقى في حيّ شعبيّ دوراً في تجسيد القول المأثور "الحياة في الأحياء"، الحيّ الشعبيّ يتميز بتنوعه الشديد وكثافته، وعوض عن الذهاب إلى المركز الثقافي كان الملتقى بمنزلة مركز ثقافي مصغر للحيّ، حيث يتم إعطاء فرصة الحديث ومنح الثقة ضمن أنشطة الملتقى وطرح قضايا منوّعة في مجالات مختلفة وبعضها يخص واقع الحي، كما أحيينا الحالة الاجتماعية بين رواد الملتقى إضافة للجانب الثقافي.. هناك جانب لثقافة العطاء ومساعدة الآخر، الجانب الخيري في غاية الأهمية حيث تتم مساعدة الأشخاص الأكثر حاجة في الظروف الصعبة التي مرّت عليهم».

خروج عن النمطية

يرى المهندس الشاعر "هيثم بيشاني" -وهو من روّاد الملتقى والمشاركين في فعالياته- في ملتقى "القنديل الثقافي" خروجاً عن النمطية فيقول: «يتناول الملتقى كل جوانب المجتمع ومن خلال عملي قمت بخلق تمازج بيني وبين مؤسس الملتقى في أغلب المناسبات، نعمل وفق خطط ونركز على ما يسعد الناس والجمهور بعيداً عن الرتابة، فكان التنوّع والتمازج بين الحرف واللون واللحن والكثير من الأعمال المنوّعة، كما أن مقرّ الملتقى في بيت مؤسسه يعدُّ ظاهرة فريدة فيها الكثير من المعاني الإنسانية المجتمعية، وهنا يكرر الباحث "نعيسة" تجربة الدكتور الراحل "فواز الأزكي" حين جعل من منزله متحفاً جيولوجياً، وأحد إنجازات الملتقى كانت دورة اللغة الأوغاريتية كونها لغة نادرة من لغات العالم وفي غاية الأهمية وفيها قرابة 800 كلمة ما تزال شائعة حتى اليوم، ولهجة أهلنا في مدينة "اللاذقية" القديمة، بالإضافة لحملات تشجير الغار في حي "الدعتور"».

تبقى الإشارة إلى أنّ الملتقى نال ترخيصاً من وزارة الثقافة وهو السادس على مستوى سورية كما يعدُّ الملتقى الوحيد في "اللاذقية" الذي يتبع لوزارة الثقافة، ويقيم فعالية كل أسبوع بمقرّه في حيّ "الدعتور" الشعبيّ.