لم يعد خافياً ما يعانيه الطالب وعائلته في سبيل تأمين مصاريف الدراسة التي باتت عائقاً حقيقياً يعترض مسيرتهم الدراسية، لولا تدبر البعض أمورهم وقيامهم بتأسيس مشاريع صغيرة تكفل لهم الحصول على عائد مادي يستطيعون من خلاله تدبّر مصاريفهم الدراسية، جنباً إلى جنب مع تخصيص وقت كافٍ للدراسة ومتابعة التحصيل العلمي.

العمل والدراسة

تقول "هديل العبد الله"، طالبة العلوم سنة ثالثة من "السويداء" وأسست مشروعاً لتصنيع الأجبان والألبان، إنها علمت منذ البداية أنّ مشوار الدراسة لن يكون سهلاً على والدتها التي ربتها مع إخوتها، ففكرت بالبحث عن مورد يحقق لها نوعاً من الكفاية، فوجدت ضالتها في مشروع تصنيع الألبان والأجبان التي تعلمت تحضيرها من والدتها ليكون بداية مشوارها لتأمين عائد مادي جيد.

بدأت العمل بتصنيع أربعين كغ حليب لتزداد الكمية بعدها إلى ستين كغ، وأعلنت من خلال صفحات التواصل عن المشروع وكانت بداية موفقة، وأنا متحمسة لتسديد القرض خلال فترة قصيرة لأنتقل بعدها لخطوة قادمة للحصول على معدات إضافية للعمل كون منتجي مطلوباً ولا فائض لدي

تقول "هديل": «انطلقت فكرة المشروع من المبادرة المجتمعية التي أطلقتها أستاذتي بقسم العلوم الدكتورة "ربيعة زحلان" وكانت بعنوان "معاً للاكتفاء الذاتي".. تواصلت معها وأخبرتها بنيتي بالعمل وشجعتني بشكل كبير، وحصلت من المبادرة على قرض بقيمة مئتي ألف ليرة كانت بداية لمشروع تصنيع الألبان والأجبان والسمن العربي والشنكليش وباقة من المنتجات الأخرى.. باشرت العمل في منزلنا المستأجر حيث فرّغت غرفة صغيرة للعمل».

هديل العبد الله طالبة العلوم تعرض منتجها من الشنكليش

وتضيف: «بدأت العمل بتصنيع أربعين كغ حليب لتزداد الكمية بعدها إلى ستين كغ، وأعلنت من خلال صفحات التواصل عن المشروع وكانت بداية موفقة، وأنا متحمسة لتسديد القرض خلال فترة قصيرة لأنتقل بعدها لخطوة قادمة للحصول على معدات إضافية للعمل كون منتجي مطلوباً ولا فائض لدي».

"هديل" تستيقظ في الخامسة تدرس ساعتين أو ثلاث حتى استقبال الحليب لمرتين بالأسبوع وتحضره، وتنجز ما عليها وتتابع دوامها وتتساعد مع والدتها في المصروف بشكل جعلها تكمل دراستها.

رانيا المتني طالبة الفلسفة تعد الشوكولا

توظيف الموهبة

مرهف وأخته سلام عبد السلام طلاب الميكانيك

نموذج آخر قدمته الطالبة "رشا المتني" -من قرية "عرمان"- التي امتلكت هواية الرسم منذ الصغر، لم يحالفها الحظ بالقبول في كلية الفنون الجميلة، فسجلت في قسم الفلسفة وتوقفت لفترة بسبب الأحداث ثم عادت لتكمل الدراسة وهي الآن في السنة الثالثة.

اتجهت "رشا" إلى صناعة الحلويات بعد أن عملت لفترة بمعمل حلويات وعن تجربتها تقول : «من اليوم الأول في المعمل حاولت توظيف موهبتي في الرسم فتعلمت الرسم على الكيك، أتقنت العمل وأضفت إليه تجربة الشوكولا، بعد عام تقريباً قمت بتأسيس ورشة صغيرة في المنزل، ليتطور العمل لتلبية طلبات الزبائن من الشوكولا إلى الكيك المزيّن بطرق جميلة، ما عاد عليّ بدخل جيد، وأحاول دائماً التنسيق بين العمل والدراسة على أمل التخرج من الجامعة».

تؤمن "رشا" أنّ العمل خلال فترة الدراسة لا بدّ منه لتأمين الدخل، والأهم لتأمين عمل للمستقبل خاصة إذا امتلك الشاب أو الشابة هواية يمكن تطويرها خلال فترة الشباب، وتأسيس مشروع خاص ليكون زاداً للمستقبل.

مشروع الخشبيات

وبالانتقال إلى مشروع آخر قام به الشاب "مرهف عبد السلام" طالب الهندسة الميكانيكية سنة خامسة بالتعاون مع أخته "سلام" طالبة الهندسة الميكانيكية، فقد أسسا مشروعاً خاصاً في مجال الخشبيات.

يقول "مرهف": «لدي موهبة الرسم من الطفولة، لكن لم تتح لي فرصة تحويل موهبة الرسم إلى عمل، حتى بدأت فترة الدراسة الجامعية، بمتطلباتها وأعبائها المادية.. عندها بدأت التفكير بشكل جدي بالعمل، وتأمين مصدر للدخل دون التأثير في الدراسة.. وكانت البداية بمشروع الخشبيات بالحرق أو التصميم، الذي يعود الفضل في نجاحه للأسرة والأقارب وبالأخص الكابتن "عماد حرب هنيدي" والدكتورة "علياء حرب هنيدي"، حيث كان لهما دور في تشجيع المشروع والاستمرار به».

ويضيف: «بدأت بجمع رأس مال للمشروع وتطلب الأمر العمل لفترة من الزمن بدوام كامل في مجال مهنة الطلاء لشراء بعض المستلزمات ثم بدأنا بالمشروع، استلمت أنا الجانب التنفيذي واستلمت أختي "سلام" جزءاً من الجانب التسويقي والإدارة المالية.. وبدأت برسم لوحات بالحرق اليدوي على الخشب وعرضها في السوق، وقد لاقت رواجاً مقبولاً وتمكنا من تطوير المواد وتقديم تصاميم جديدة ومطلوبة بشكل واسع».

يستحقون الدعم

الدكتورة "ربيعة زحلان" الأستاذة في كلية العلوم ومؤسسة مبادرة "معاً للاكتفاء الذاتي" تقول: «الطلاب الجامعيون فئة مجتمعية تستحق الدعم من كل النواحي، خاصة الدعم الاقتصادي لإدارة عمل خاص بهم يساعدهم على اجتياز المرحلة الجامعية، وربما يكون نواة لمشروع أكبر بعد التخرج لتحقيق طموحهم، ومن هنا كان تشجيع الطلاب على العمل وتطوير الموهبة وتطبيق تجربة مع الحياة العملية في أي مجال يحقق ذاتهم، نؤكد دائماً تشجيعنا للعمل ولجميع الأشخاص القادرين بما فيهم الطلاب، وخاصة إذا كان العمل يتناسب مع ظروف دراستهم فالعمل وسيلتهم لحياة أفضل، مع إعطاء الأولوية للتحصيل العلمي».