يتميز أهالي "حلب" بكثرة استخدامهم وإطلاقهم للأمثال الشعبية ونوادرهم وقصصهم الفكاهية في حياتهم الاجتماعية اليومية، حتى غدت جزءاً لا يتحزأ من شخصيتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومناسباتهم على اختلاف أنواعها ومواعيدها، ولا يكاد أحد يروي حديثاً أو قصةً إلا وتقرن بمثل شعبي يدعم به روايته للعبرة أحياناً والطرفة أحياناً أخرى.

تراث شعبي

تقول الباحثة الطالبة "بانة قدو" في حديثها لمدوّنة وطن ": «الأمثال هي تراث حلبي شعبي قديم، فهو عبارة عن كلمات مختصرة تتضمن حكمة معينة أو فكرة ذات مغزى، وربما ارتبط المثل بحادثة معبرة ومؤثرة، كما أن الأمثال تُختار عادةً بعناية ودقة ويكون لها وقعها الخاص وجاذبيتها، وكلما كان المثل قصيراً وموزوناً باللفظ تم حفظه وتداوله أكثر من غيره، وقد تجد للمناسبة الواحدة عدة أمثال، حيث يستحضر المثل على أنّه شاهدٌ على تأكيد فكرة لتنفيذها أو رفضها، أو للتشجيع على اتخاذ موقف، ويكتسب المثل قدرة على الحسم كأنه الفيصل أو الدليل المرجح لهذا الرأي، ومن مزايا المثل أنه يخرج الفكرة من تجريديتها ومثاليتها ويربطها بالواقع المعاش، وعلى ضارب المثل أن يختار الوقت المناسب له مع روايته بشكل خفيف وظريف، حتى تحصل الفائدة ومن بعض الأمثال الدارجة (أسأل مجرب ولا تسأل حكيم) وتجتمع في هذا المثل أربع مزايا هي إيجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه وجودة الكناية والبلاغة، فالأمثال الشعبية أقوال حكيمة عميقة المعنى دقيقة التصوير».

(زاد أثنين يكفي ثلاثة)، وفيه الدلالة على بركة الطعام والسخاء والكرم، (والصبر مفتاح الفرج) دلالة على التحلي بالصبر وعدم فقد الأمل مهما طال الوقت، (والكلمة الحلوة بتخرج الحية من جحرها)، لحث الآخرين على التعامل بلطف ورقة وأدب الكلام حتى يكون مقبولاً، (وبطنو قتلو) دلالة على الابتعاد عن المبالغة في كثرة الطعام، (ورغيف برغيف ولا يبات الجار جوعان) دلالة على حسن تفقد ومعاملة جارك

ومن الأمثال الشعبية المتداولة حسب قول "قدو" : «(زاد أثنين يكفي ثلاثة)، وفيه الدلالة على بركة الطعام والسخاء والكرم، (والصبر مفتاح الفرج) دلالة على التحلي بالصبر وعدم فقد الأمل مهما طال الوقت، (والكلمة الحلوة بتخرج الحية من جحرها)، لحث الآخرين على التعامل بلطف ورقة وأدب الكلام حتى يكون مقبولاً، (وبطنو قتلو) دلالة على الابتعاد عن المبالغة في كثرة الطعام، (ورغيف برغيف ولا يبات الجار جوعان) دلالة على حسن تفقد ومعاملة جارك».

الصحفي الأيب " عمر مهملات"

مرآة المجتمع

كتاب الأدب الشعبي بحلب

في كتابه "الأدب الشعبي في "حلب" يرى الباحث الدكتور " محمد حسن عبد المحسن" من كلية الآداب، أن الأمثال مرآة لكل مجتمع وتؤثر فيه أبلغ التأثير، ومن طباع المجتمع الحلبي التناصح فيما بينهم فينصحون بالتواضع (عمرا شجرة ما وصلت لربا)، دلالة على التواضع بين أفراد المجتمع و(النبي وصى بسابع جار)، لكي يكون الإنسان لطيفاً حريصاً على شعور جاره، وتصور لنا بعض الأمثال الشعبية الحلبية ما يسود فئة قليلة من المجتمع الحلبي من عيوب وأنانية وعدم الشعور بالمسؤولية ومن هذه العيوب التي استنكرتها أمثالهم وفيها حب الذات (ما حدا بقول عن زيته عكر) (وما حدا بقول عن دبسو حامض)، وعدم حلف اليمين كذباً (كل حلاف كذاب) (رأس مال الدلال الكذب) (اذا بدك تكذب بعد شهودك).

رشاقة لفظية

وتنوعت الأساليب اللفظية والمعنوية في الأمثال الشعبية الحلبية، ويشير الباحث "عبد المحسن" إلى أن المثل قد يكون حاد النقد لاذع السخرية، أو للدلالة على تشخيص، او للاستفهام والنداء والمدح والذم مثل قولهم (قالوا للأعمى أش بدك قلهم جوز عيون)، وللحذر من المغامرة المبالغ فيها (لا تنام بين القبور وتشوف منامات وحشة)، وللمستقبل والحيطة (خلي قرشك الأبيض ليومك الأسود)، وللمكر (ياما تحت السواهي دواهي)، وللعطف (ياما في السجن مظاليم)، وللجود والبخل (يا فتاح بابك وانشهر يا سكرو وانستر)، وأغلب أمثالهم لا تخلو من الرشاقة اللفظية والتناغم الموسيقي، ما يسهّل حفظها ويساعد على سرعة تداولها ويعتمد بعضها على السجع والفواصل كما في مثلهم (يا كحلا من تمك أحلى) (الناس أجناس)، وللمجاملة يقولون (كل من أخد أمي بقول له عمي)، ولصاحب الضحكة الدائمة (لما بكشر عن نابه ما حدا بستهابو)، وللغني (الي بكتر فلوسه بنت السلطان بتكون عروسه)، ولعدم التغنج الزائد يقال (كتر الدلال بكره العاشق)».

الدكتور محمد حسن عبد المحسن أثناء إلقائه محاضرة عن الأمثال الحلبية

ويميل الحلبيون إلى المرح وتسري في أحاديثهم روح الدعابة والنكة، وقد يتخذون في أمثالهم الرسم (الكاريكتوري) المضحك مثل قولهم (إن جعت غني وإن كترت همومك نام) و(الحي أفضل من الميت)».

شرح الأمثال

وعن أسباب إطلاق بعض هذه الأمثال يقول الأديب الصحفي "عمر مهملات": «هناك مثل يقول (أيد من ورا وأيد من قدام) والمثل يروي حالة رجل دخل مقامرة، وخسر كل ماله ولباسه وخرج وهو يستر عورته، واضعاً إحدى يديه أمامه والأخرى خلفه، والمثل الآخر (دخول الحمام مو مثل خروجه)، ويقصد به أن أحد صاحب الحمامات القديمة علق لوحة أمام باب حمامه مكتوب عليها الدخول مجاني، لكنه اصطاد الزبائن عند الخروج بطريقة ذكية، تجبرهم على الدفع بحجز لباسهم حتى يدفعوا، وعندما سألوه قال لهم أنا كتبت الدخول مجاني ولم أقل الخروج مجاني، أما مثل (الجار قبل الدار) فهو يطلب ويرشد من يريد شراء منزل أن يسأل كثيراً جيرانه قبل الشراء، ومثل (فرخ البط عوام) للدلالة على أن الابن هو نسخة عن والده في عاداته وحتى في ميوله وهواياته».

وللنساء نصيب

وتحفظ السيدة الحلبية "منى دركزنلي جلبي" آلاف الأمثال وتردد بعضها مثل: «(إن وجعك راسك كرمه وإن وجعك بطنك حرمه)، دلالة على فائدة الحمية للجسد (وكول تفاح بقشوره بغنيك عن الحكيم وحضوره)، وفي كتم الحزن والمصيبة تحفظ المثل (خليها بالقلب تجرح ولا تطلع لبرا وتفضح)، وفي هم المال (صاحب المال تعبان )، وفي النصح لعمل الأشياء عند المختصين (عطي خبزك للخباز لو أكل نصفه)، وعن البذخ المبالغ (الي بتطالعه السمرة بتحطه خطاط وحمرة)، وفي مطبخ المنزل ورسالة بين الزوج وزوجته (قلها يامرا اطبخي قالت له يا زلمة اتكلف)، وفي الزواج (إذا ما بدك تزوج بنتك غلي مهرا)، وفي الأمور الواضحة والمكشوفة (ثلاثة ما بتخبو الحب والحبل وركوب الجمل)».

تمت مواد البحث والتصوير في حي "الجامعة" مع الدكتور "محمد حسن عبد المحسن" والطالبة "بانة قدو" ومن خلال الماسنجر مع الأديب "عمر مهملات" و"منى جلبي" بتاريخ السابع والعشرين من شهر حزيران لعام 2021.