يتذكر "الياس سكاف" لحظات يحنُّ إليها كثيراً خلال عمله في معمل إسمنت طرطوس، وتلك العلاقات الاجتماعية والأسرية التي نسجها مع زملاء العمل، وهو الذي يعدُّ من أوائل العاملين في المعمل عند افتتاحه قبل عقود.

أسرة واحدة

يتحدث "سكاف" عن التصورات والأحلام التي رافقت انطلاق معمل إسمنت "طرطوس" وخاصة أن العمل فيه كان حينها مغرياً للكثيرين ومصدر تفاخر للحاصلين عليه، كونه من أضخم المنشآت الإنتاجية في المحافظة، وموارده المادية مرضية للعاملين، وفيه ما يحلم به أي شاب في مقتبل العمر باحث عن الأمل بالمستقبل، كالسكن والاستقرار النفسي والاجتماعي وما كانت تعكسه هذه الأجواء من أثر إيجابي على الصعيد الشخصي.

كان يجري تقسيم العمل إلى ورديات تحقيقاً للاستمرارية فيه فعدد الكوادر العاملة كان كبيراً، وانتشر على مساحات واسعة في منطقة "وطى" قرية "حصين البحر" على الأوتستراد الدولي بين "طرطوس" و"اللاذقية"

خلال حديثه" لمدوّنة وطن eSyria يصف "سكاف" بسعادة كبيرة عمله في المعمل، وهو من أوائل العاملين فيه، إذ لم يتجاوز رقمه الذاتي الوظيفي حينها /302/، في حين أن مَلَاك هذه المنشأة يصل إلى /3000/ موظف، وتابع: «بدايات العمل كانت رائعة لا تشوبها هموم أو شجون، وإنما تزينها المحبة بين العاملين من مختلف الفئات الوظيفية ومختلف المناطق الجغرافية ومختلف الفئات العمرية، فالجميع كان فرداً من العائلة التي جمعتنا بمحبة وود، وهذا انعكس على واقع العمل الذي كنا نبقى فيه ساعات طويلة دون كلل أو ملل، نتناول وجبات الطعام سوية، ونتحاور بأمورنا العائلية بحثاً عن الأفضل لها دوماً، وهذا التقارب بيننا فرض علاقات اجتماعية تعالت على كل شيء وأسست لعلاقات وصلت للارتباطات الأسرية... لقد شكّل العمل بمعمل الإسمنت نواة حقيقية لأسرة كبيرة أفخر بأني جزء منها، خاصة مع الاستقرار المادي الذي وفره للعاملين فيه، والسكن الاجتماعي أيضاً الذي كان أساساً في تشكل الخلية المجتمعية الأولى وهي الأسرة والعائلة، فلم تكن لنا أية هموم نتحدث بها وإنما كان همنا تطوير العمل والبحث عن خبرات جديدة دوماً».

جانب من الشركة

حديثٌ ذو شجون

سمير صفية

شجون الحديث عن معمل إسمنت "طرطوس" لم تكن أقل دفئاً لدى "سمير صفية" أحد موظفيه المتقاعدين، بل حمل بين مفرداته ما يرسم الصورة الحقيقية التي غابت عن الجميع، حيث قال: «كانت أياماً خوالي نشأنا فيها معاً بكل ودٍّ وحب كعاملين فنيين ومهنيين، وكنا إلى جانب آلاتنا نعيش الأيام يوماً بعد آخر، ونتجاوز صعوبات العمل بسعادة قلّما نجدها في أي عمل آخر.

بعد عملي في المعمل أسست أسرتي الصغيرة وأنجبت أطفالاً وكونت لهم حياة جيدة، وبفضل الراحة النفسية التي وفرها لنا هذا العمل المهني والاجتماعي تفرغت لموهبتي في الفن ونميتها بالشكل الذي يرضيني، ومجموعتنا الفنية معظمها من زملاء العمل».

شركة إسمنت طرطوس

خبز وملح

بدوره يرى "محمود بدور" أن العلاقات الاجتماعية بين عمال المعمل ارتقت إلى أعلى مستوى نتيجة الراحة النفسية التي وفرتها الأجواء العامة بالعمل، ويتذكر كيف كان يستلقي في أوقات الراحة بجانب آلته العملاقة في قسم المراجل حرصاً منه على سلامتها ومواصلة العمل، ويضيف: «كانت الآلات جزءاً من حياتي أحرص عليها جيداً، قضيت بجانبها أربعين عاماً قبل التقاعد، ولا أنسى في أوقات الراحة حين نجتمع ويضع كل منا وجبة طعامه ونتشارك طعامنا كأفراد أسرة واحدة.. كانت المعدات والتجهيزات جديدة ولا أعطال فيها، ولكننا نقوم بأعمال صيانة مستمرة تستمر لأيام نقضيها بسعادة -رغم التعب- نتيجة تقدير الجهد من قبل الكوادر الإدارية».

ويتابع: «كان يجري تقسيم العمل إلى ورديات تحقيقاً للاستمرارية فيه فعدد الكوادر العاملة كان كبيراً، وانتشر على مساحات واسعة في منطقة "وطى" قرية "حصين البحر" على الأوتستراد الدولي بين "طرطوس" و"اللاذقية"».

وتعدُّ شركة إسمنت طرطوس واحدة من كبريات شركات صناعة الإسمنت الأسود في "سورية" تأسست عام 1977، وتتوضع على مساحة تقارب ثلاثة ملايين مترٍ مربعٍ شمال مدينة "طرطوس"، وفيها سبع مديريات منها المديرية التجارية والمالية والإدارية والتخطيط، وإحدى عشرة دائرة تخصصية وتضم سبعة وثلاثين قسماً، إضافة إلى تسعة أقسام مستقلة وثمانين وحدة.