أتقنت الخياطة منذ طفولتها، وعملت بها بعد زواجها حيث انتقلت للعيش في مدينة "الرستن" لتلحق بزوجها الموظف في معمل الإسمنت، ثم عادت إلى مدينتها "سلمية" عام 2012 لتتابع الخياطة في تنجيد عربات الأطفال، وفي 2017 اتبعت دورة تنجيد أثاث منزلي في شبكة الآغا خان، وتميزت بأدائها لتنافس الرجال.

هي مراحل موجزة لقصة نجاح الحرفية "عواطف الشيخ علي" ابنة مدينة "سلمية" في مهنة الخياطة والتنجيد التي صنعت تفاصيلها بالخيط والإبرة وحاكتها بالعزيمة والإصرار.

نقطةُ البداية

علّمتها والدتها المهنة وهي في الثانية عشرة من عمرها حيث درجت العادة أن تتقن الفتاة الخياطة في سن مبكرة، وحين بلغت الرابعة عشرة مرضت والدتها وتقاعدت عن العمل، فالتحقت "عواطف" بدار للخياطة لتتعلم تفصيل الألبسة بأنواعها، وخلال سنتين من التدريب، تميزت بتفصيل وخياطة ملابس الأطفال، التي كانت تبيعها للمحال في السوق والتي ناسبت أذواق الناس.

العامل محمد حمود

تزوجت"عواطف" في العشرين من عمرها واستقرت في "حمص" وابتاعت ماكينة خياطة لتصنيع الستائر والملاحف و"التكايات" لتساعد زوجها على المعيشة، ولكن في عام 2012 تهجرت من بيتها، فعادت لـ"سلمية" بعد أن خطف زوجها ولم يحرر إلا بعد سنة ونصف السنة، وخلال هذه الفترة كانت تعمل لدى الهلال الأحمر ولكن المردود لم يكن كافياً لإعالة أطفالها الثلاثة.

تدريبٌ متواصل

قصة نجاح الحرفية "الشيخ علي" بدأت حسب قولها عندما قررت العمل بمفردها في المنزل بصناعة لباس من القماش مخصص للأطفال، وغطاء لكرسي الهزاز، ثم تنجيد عربات الأطفال بمساعدة الخياط "عدنان القصير" الذي شجعها فكان يصمم ويقص، وهي تقوم بالتنفيذ، وبعد خمسة شهور من التدريب قامت بكامل العمل لوحدها لتتخصص بصناعة أدوات الأطفال، مضيفة: في عام 2017 التقيت "طلعت زينو" موظف في شبكة "الآغا خان" وساعدني في التسجيل بدورة تنجيد أثاث تقيمها المؤسسة ومدربها "حسن إبراهيم" مدتها ثلاثة أشهر فتعلمت فيها العمل على أدوات تنجيد الأثاث المنزلي، لتتبعها دورة أخرى، ومدتها ثلاثة أشهر أيضاً في إحدى الورش وهي تحويل المعلومات النظرية في الدورة الأولى لعملية، حيث اكتسبت فيها الخبرة المطلوبة، وبعد إنهاء الدورة افتتحت ورشة صغيرة بأدوات بسيطة عبارة عن ماكينة خياطة عادية وضاغط هواء صغير، فانطلقت للعمل بمساعدة أخي الذي اشترى لي ماكينة خياطة صناعية، وبدعم زوجي الذي ساندني وكان يشتري الأقمشة من السوق في "سلمية".

من أعمال الحرفية عواطف الشيخ علي في تنجيد عربة الأطفال

من الهواية إلى الاحتراف

من أعمال الحرفية عواطف في تنجيد أثاث المنزل

وتضيف "الشيخ علي": في عام 2019 منحتني مؤسسة "الآغا خان" منحة مالية مقدارها 500 ألف ليرة لتطوير مشروعي واستكمال العدة الناقصة في الورشة، ولا سيّما أنّ المؤسسة تشرف على كل من يتدرب عندها وتتابعه وتدعمه وتساعده في كل طارىء، وبذلك كبرت ورشتي بمساعدة زميلي الحرفي "شادي إدريس" ومساعده المنجد "حسن حسن" والحرفي "محمد حمود" وابني "محمد نور قداح"، وبدأت بالعمل على تنجيد أثاث كامل جديد وشاركت في معارض عام 2018 بصالة الزهور بـ"سلمية" بقطعتين من أعمالي ولاقت القبول وكانت تمهيداً لشهرة كبيرة، حيث قمت بطباعة بطاقات للدعاية وتوزيعها على الزوار وشاركت عام 2019 بمعرض "سلمية تجمعنا" بقطعة من أعمالي ولاقت القبول كذلك وزادت الطلبات، لكن المعارض توقفت بسبب كورونا".

حسٌّ إبداعي

وبشهادته على خبرة "عواطف" يتحدث "محمد حمود" أحد أبناء "سلمية" لمدوّنة وطن بالقول: "منذ بضعة شهور قصدت ورشة الحرفية "عواطف" وأبدت استعدادها لتعليمي التنجيد بعد أن علمت بظروفي الصعبة وحاجتي لعمل إضافي، وأدهشني إتقانها للعمل وخبرتها التي فاقت خبرة الرجال من أصحاب الكار، فأحببت العمل معها لمعاملتها الطيبة كأم.. وأفكر عندما أتقن الحرفة بافتتاح ورشة تنجيد خاصة بي، فقد تعلمت الآن استعمال المثقب وفرد المسامير وشد القماش وهي مرحلة لا بأس بها خلال فترة قصيرة".

بدوره يقول حرفي التنجيد "حسن إبراهيم" الذي أمضى خمسين عاماً في المهنة: "منذ أربعة أعوام وأنا مدرب في دورات تعليم التنجيد في شبكة "الآغا خان" وفي إحدى الدورات كانت "عواطف الشيخ علي" موجودة فيها، لقد تفوّقت على المتدربين في الدورة البالغ عددهم ثلاثة عشر متدرباً ومتدربة، وأهم ما يميزها هو اندفاعها لحب التعلم ومهارتها بكل مراحل التنجيد أكثر من الرجال، فهي مميزة بالخياطة وطرح الأفكار والبحث عن كل جديد.. أفخر بأعمالها التي تنجزها فهي تجمع الحسّ الفني والإبداعي.

دقةٌ في المواعيد

ويشير "إبراهيم المير" صاحب معرض للمفروشات إلى أنّ معرفته بالحرفية "عواطف" بدأت عندما تواصل معها عبر إعلان على مواقع التواصل الاجتماعي بغية تنجيد عدد من الكنب "القديمة" وهو الأمر الذي قامت به بكل دقة وإتقان، مضيفاً: "إنها إنسانة صادقة تلتزم بمواعيد العمل، وأسعارها مناسبة وهذا ما شجعني على متابعة العمل عندها، فهي ترفد المعرض بأعمالها حيث أحضر لها الهياكل الخشبية الجديدة وتقوم بتنجيدها وشراء الإسفنج والقماش المناسب.

الحرفي "حسن حسن" وهو خياط منذ 1996 ويعمل في التنجيد منذ 2011 يحدثنا عن الحرفية "عواطف" قائلاً : "أعرفها منذ كنا صغاراً بحكم الجيرة، وبدأنا العمل في التنجيد في عام 2018 وهي متدربة في ورشة التلمذة التي كنت أعمل بها، حيث أقوم بتنفيذ أي نموذج ليقوم المتدربون بالعمل على منواله وكانت مميزة باندفاعها للعمل وكانت الأفضل هي و"مها طنجور" بين الجميع، وما زلنا نعمل معاً حيث أقوم بمساندتها حتى الآن في ورشتها".

يذكر أنّ الحرفية "عواطف الشيخ علي" من مواليد "سلمية" عام 1971.

جرى اللقاء في 7 أيار 2021، الحارة الشمالية، شمال قبة تامر بـ200متر، ورشة طوق الياسمين.