تأخذ مبادرات الجمعيات الخيرية والمجتمع الأهلي والمشروعات متناهية الصغر في محافظة "طرطوس" خطاً تصاعدياً من حيث العدد، ومنحىً أفقياً من حيث التنوّع، الأمر الذي انعكس إيجاباً على المستوى المعيشي لشريحة من الأسر من جهة، والمساهمة بنشر ثقافة الإنتاج من جهة أخرى.

يبدو لافتاً خلال الفترة الحالية، تصاعد النشاطات التي تقوم على المشاركة المجتمعية والعمل التطوعي، سواء من خلال مبادرات المجتمع الأهلي، أو مبادرات الجمعيات الخيرية، مبادرات عكست جانباً حضارياً أعطى للمحافظة تميّزاً من ناحية أنه زاد التفاعل بين مكونات المجتمع، ومن جانب آخر عزّز ثقافة العمل الجماعي، وسدّ بعض الثغرات التي لن تكون الجهات الرسميّة وحدها –ربما- قادرةً على سدّها لأسباب عديدة، والبعض من المبادرات لا تحتاج إلى كمّ كبير من المصادر الماديّة، بقدر ما تحتاج إلى مبادرين يساهمون في طرح الأفكار الخلاقة، وقادرين على استثمار مهاراتهم وقدراتهم بالمكان المناسب، وصولاً إلى تحقيق التنمية المستدامة.

هذه المشاريع تشكل ركيزةً أساسيةً نظراً للدور الذي تلعبه في تحسين الوضع الاقتصادي، وأهميتها تكمن في كونها تُعدّ مصدر دخل لأسر محتاجة ستساهم في تحسين وضعهم المعيشي تدريجيّاً، كما أنها مشاريع سهلة البدء والتنفيذ، ولا تحتاج سوى رأس مال بسيط، وعدد قليل من الأيدي العاملة، كما أن لهذه المشاريع دوراً هاماً في استغلال المنتجات الزراعية والحيوانية في القرى، واستخدامها في صناعات محلية، ما يحقق قيمةً مضافةً من ناحية تصريف فائض الإنتاج الزراعي والحيواني المحلي، وتأمين الطلب المتزايد في السوق

تكافلٌ مجتمعيّ

ومن أبرز الجمعيات التي تقدم المساعدات والخدمات الاجتماعية بأشكالها كافة جمعية "القدموس" الخيرية التي باشرت عملها منذ العام 2007، حيث تعمل على عدّة برامج منها ما هو متعلّق بالقطاع الصحي، كتأمين أدوية الأمراض المزمنة للمرضى غير القادرين على تأمينها، وإعانات مالية للمرضى المحتاجين لإجراء عمل جراحي طارئ، بالإضافة إلى الإعانات المقدمة لمرضى السرطان والأمراض المزمنة، أيضاً تقدّم إعانات الوفاة، هذا إلى جانب المساعدات الغذائية والعينية.

من منتجات مشروع بيت الضيعة

وفيما يخصّ قطاع التعليم، فالجمعية تقدّم منحاً للطلاب الجامعيين وطلاب الدراسات العليا على شكل إعانات مالية شهرية، خاصةً الطلابُ الملزمون بدوام يومي ويعانون أوضاعاً معيشية صعبة، كما تقيم دورات تعليمية مجانية على مدار العام لطلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية.

ويستفيد حالياً من مساعدات الجمعية وخدماتها 350 شخصاً من مختلف الشرائح، والعمل يجري حالياً لزيادة المستفيدين حتى يتجاوز عددهم 500 مستفيد، وخلال شهر رمضان الفائت قدمت عدة مبادرات شملت توزيع مبالغ مالية على عدد من الأسر كمرحلة أولى، تبعها توزيع سلل غذائية بلغت قيمة محتوياتها 50 ألف ليرة سورية، استفادت منها 150 أسرة، ومبادرة سلة العيد التي وزّعت على أكثر من 100 أسرة في قطاع مدينة "القدموس".

رئيسة الجمعية "سمر كعدي" ترى أن الظروف الحالية أعطت أهميةً مضاعفةً لما تقدّمه الجمعيات الخيرية من مبادرات برز دورها الإيجابي في المجتمع ككل، وقد أثبتت الجمعيات أنها الرافد الحقيقي لمؤسسات الدولة من تلبية للاحتياجات الإنسانية للطبقات الفقيرة، وتحويلها لطبقات منتجة ذات مردود مادي، من خلال تقديم التأهيل والتدريب بإقامة الدورات المهنية التي تخولهم دخول سوق العمل، كذلك توظيفها في المشاريع المقامة بالشراكة مع المنظمات الدولية والجهات الداعمة لها، والاهم أنها جسّدت مبدأ التكافل الاجتماعي وخاصةً في ظل الظروف الراهنة التي فرضتها الحرب على "سورية".

فائدةٌ متبادلة

إلى جانب الأنشطة والمبادرات التي تقدمها الجمعيات، تبرز حالياً عدّة مبادرات لفرق شبابية من المتطوعين تقدم مساعدات وخدمات للمحتاجين، لكن في المقابل تسهم هذه المبادرات التطوعية في تنمية مهاراتهم وتصقلها، وتزيد من قدرتهم على التواصل مع مختلف شرائح المجتمع، ما يكسبهم الخبرة اللازمة لخوض معترك الحياة بكم كبير من الخبرة، والكثير من هذه المبادرات يمكن أن تكون بداية لأفكار إنتاجية توصلهم إلى تأسيس مشروعاتهم الصغيرة الخاصة، ما يسهم في تعزيز ثقافة الإنتاج في المجتمع.

قيمةٌ مضافة

كما شهدت محافظة "طرطوس" ازدياداً بعدد المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، منها مشروع "بيت الضيعة" الذي أسسته خمس سيدات من قرية "المجيدل" في ريف "الشيخ بدر"، وهو منحة من عدّة منح قدمتها منظمة الأغذية العالمية بالتعاون مع اتحاد غرف الزراعة، ومن خلال المشروع يعملنَ على إنتاج مختلف أنواع الأغذية والمؤن والمنتجات الريفية، وبيعها بأسعار مدروسة حققت لهنَّ مردوداً ماديّاً لا بأس فيه.

مشرفة المشروع المهندسة الزراعية "ديمة محمد" قالت في حديثها لمدوّنة وطن: «هذه المشاريع تشكل ركيزةً أساسيةً نظراً للدور الذي تلعبه في تحسين الوضع الاقتصادي، وأهميتها تكمن في كونها تُعدّ مصدر دخل لأسر محتاجة ستساهم في تحسين وضعهم المعيشي تدريجيّاً، كما أنها مشاريع سهلة البدء والتنفيذ، ولا تحتاج سوى رأس مال بسيط، وعدد قليل من الأيدي العاملة، كما أن لهذه المشاريع دوراً هاماً في استغلال المنتجات الزراعية والحيوانية في القرى، واستخدامها في صناعات محلية، ما يحقق قيمةً مضافةً من ناحية تصريف فائض الإنتاج الزراعي والحيواني المحلي، وتأمين الطلب المتزايد في السوق»، وترى المهندسة "ديمة" أنّ تعميم هذه التجارب لتشمل أكبر عدد ممكن من الأيدي العاملة أمر في غاية الأهمية، كونه سيسهم في تحسين الدخل في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وإلقاء الضوء عليها سيساهم في تعريف الناس بها وبمقومات نجاحها، وتشجيعهم على محاولة إقامة مشاريعهم الخاصة.

دور الإعلام الداعم

الإعلامية "حلا سلمان" ترى أنّ المبادرات أيّاً كان نوعها والمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر، تسهم في الارتقاء بالمستوى المعيشي، وتشكّل داعماً وسنداً للكثير من العائلات على اختلاف ظروفها، ومن جانب آخر لها دور هام في التنمية الاقتصادية والبشرية، خاصةً في ظل الأزمة التي فرضتها الحرب على هذا الصعيد، وتقول: «من خلال عملي ضمن فريق إعداد برنامَجَي صباح الخير ومسارات، نحاول التركيز على المبادرات بكافة أشكالها، سواء كانت خيريةً أم مجتمعاً أهلياً، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان، وكان الهدف من هذا التركيز بالإضافة للإضاءة عليها، التشجيع على المشاركة وعمل الخير، وخلال الفترة الحالية تنوّعت المبادرات بين مطبخ رمضاني وتوزيع سلل غذائية، والحقيقة أن بعض هذه الجمعيات كانت تتنقل بخدماتها من منطقة إلى أخرى، لتشمل أكبر عدد من الأهالي، كما لمسنا من خلال التغطية المستمرة حالة العمل بروح المحبة والفرح بين المتطوعين، أما فيما يخص المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فكان إلقاء الضوء عليها يهدف من ناحية لدعم أصحابها ومن ناحية أخرى لتكون حافزاً لكثير من الباحثين عن فرصة عمل، فقمنا بالتشبيك مع هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لتمدنا ببعض المشاريع للتعريف بها، وطبيعة الدعم الذي يحصل عليه أي شخص ليبدأ مشروعه الخاص، مع تقديم النصيحة من قبل مختصين نستضيفهم».

إذاً من خلال التركيز على المبادرات والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وتعميم التجارب الناجحة منها، سيكون الاستثمار الأهم هو استثمار العقول وتنمية القدرات، ليتحول الشباب إلى هبة ديموغرافية منتجة، بدلاً من ثقافة الاستهلاك.

يذكر أنّ اللقاءات أجريت بتاريخ 16 أيار 2021.