في العشرين من عمره، دفعه ولعه بالقراءة وشراء الكتب متنوعة المجالات، إلى التفكير في تأسيس مكتبة "دار الإرشاد للنّشر" لبيع الكتب ورعاية المؤلفين والكتّاب واحتضان مؤلفاتهم الحديثة، ووضع فرعي المكتبة في "حمص" و"مصر" أمانة بأيدي ولديه وكلّ روّاد المكتبة بعد رحيله.

انطلق بمشروع مكتبة "دار الإرشاد للنّشر" منذ عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين، بالشّراكة مع صديقيه "سمر روحي" و"بشير كيشي" شهيد حرب تشرين التحريرية. باع مكتبته الخاصّة وجهاز الرّاديو لديه من أجل افتتاح المكتبة التي حلم بها مراراً. ومع توالي النجاحات المحققة، تمّ افتتاح فرع في "مصر".

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع "نبيه عبد الجبار الجندلي"، وخلال الحوار معه قال: "أوصانا والدي دوماً بأن نسعى إلى نهضة الدار. وكان يطالبنا بذلك مع كلّ صباح عمل جديد، فتحققت النهضة، وتحققت سعادته معها. تم افتتاح مكتبة دار الإرشاد عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين، وكان عمر الأستاذ "عبد الجّبار" آنذاك عشرين عاماً. اقتصر عمل المكتبة في البداية على بيع القرطاسية وأهم الكتب الأدبية والعلمية والتنموية المتنوعة، وبعد ذلك وبسبب دراسته في جامعة "دمشق" بكلية الحقوق، لاحظ صعوبة السّفر بالنّسبة إلى طلاب "حمص" الذين يدرسون في جامعتي "دمشق" و"بيروت العربية"، فقررَّ أن يذللّ هذه الصعوبات عبر تأمين المحاضرات والملخصات الدراسيّة المطلوبة في الامتحانات، وأضحى اسم المكتبة وقتها "دار إرشاد الجامعيين"، وبالتالي أصبحت المكتبة مقصداً لهواة الثّقافة وطالبيها والمتعلمين من جميع المراحل".

بناء المكتبة الأثري في "حمص".

رأى أثر عمله في وجوه رواده من الأطفال والمثقفين الشّباب والكبار والأدباء الجدد، الذين أخذت مخطوطاتهم الأدبية طريقها إلى النّشر، فكانت أولى إصدارات الدّار "الإنسان في القرآن الكريم" للكاتب "عبد الحكيم بحلاق"، وتوالت الإصدارات بعدها، وضمّت المعاجم والقواميس والكتب التعليميّة وكتب اللّغات التي ألفّ فيها "خالد حدّاد".

وأضاف "نبيه": "إنّ من أهمّ مشاريع الدّار كتاب إعراب القرآن الكريم لمؤلفه "محي الدّين الدّرويش" مدرّس لغة عربية، وكان يصدر على أجزاء تباعاً، كما أنَّ الأستاذ "عبد الجبار" ألّفَ بعض القصص للأطفال وصدرت ضمن مجموعة أسماها (براعم الأطفال)، وكتاباً في سيرة رسول الله للناشئة، بالإضافة إلى تحقيق بعض الكتب ومنها كتاب المعلقات السّبع لـ"لزّوزني". وإن الإصدارات التي هي قيد التسويق والفعّالة حالياً تقارب الثلاثمائة والخمسين كتاباً".

"عبد الجبار الجندلي" مع ولديه "نبيه" و"محمد".

ولعدم وجود تقنية متقدمة في الطباعة والتنضيد آنذاك، فقد كانت عملية إصدار الكتب مثقلة بالصعوبات. ويقول "نبيه" عن ذلك: "كان الكتاب يُكتب في مكتبة خاصّة بـ"دمشق" على رولات (لفائف) من الورق، ويعاد إلى الدار في "حمص" للمراجعة الأولى، ثمّ يرسل من جديد إلى "دمشق" ويعاد للمراجعة الثّانية وهكذا، إلى أن يخرج الكتاب بأفضل نسخة خالية من الأخطاء. وبين الإرسال والإعادة للتصحيح هناك جهدٌ وعمل كبيران يُبذلان من قبل "عبد الجبّار"، فكما شاركناه دوماً في النجاح والعمل الدؤوب وبذل الجهد وتخطي الصعوبات، مشاهدين حلمه في الارتقاء باسم الدار أكثر وأكثر، نعمل الآن على المحافظة على أساس الثّقافة التي بناها والدنا مصرين على متابعة ما بدأه بعروضٍ جديدة وإصدارات مستقبلية هامّة في فرعَي "حمص" و"مصر"، ونستمدّ قوتنا دوماً من محبّي الدّار ومتابعي كلّ جديد فيها".

منذ نشأة الدار وحتّى اللحظة، هناك إصدارات لكتّاب جدد على حساب الدار بالكامل، وتقام لها حفلات توقيع، وتتم دعوة صحفيين وأدباء. وفي هذا الصدد تقول الأديبة "ابتسام الصّالح": "تبنّى "عبد الجبار الجندلي" أوّل مجموعة قصصية للأطفال كتبتها عام ألف وتسعمائة وثمانية وتسعين، وتمت طباعتها بالكامل على حساب الدّار، وهي بعنوان "سلسلة الجمان"، وتوالت بعدها الأعمال. وهناك عدّة أدباء شقّوا طريقهم عبر الدار أيضاً كالكاتب "سامر أنور الشّمالي" الذي أصدرَ أولاً مجموعة "الكاتب الصّغير"، والأديبة "سريعة حديد"، والإعلامية "سعاد السّليمان". وجميعنا بدأنا من الدار، وانطلقنا بعدها لنتواجد في المحافل الأدبية المهمة وجريدة الأسبوع الأدبي".

من إعادة افتتاح المكتبة ب"حمص".

إن أهمّ ما ركّز الرّاحل "عبد الجّبار" على تحقيقه، هو استثمار حفلات توقيع الكتب الصّادرة عن الدار لإدارة نقاش أدبي وتنموي وعلمي وذلك بحضور الأدباء والمترجمين والكتّاب جميعهم، فضلاً عن اهتمامه بتعريف الأجيال على شعراء المهجر، وعن ذلك قالت "ابتسام": "دعينا لتوقيع عدّة دواوين لشعراء سوريين في المهجر، بالتنسيق المباشر مع الدكتور والشّاعر المغترب "حسان قمحية" الذي وقع الديوان بالنيابة عنه شقيقه الدكتور "أحمد قمحية"، فأدار الأستاذ "نبيه" جلسة أدبيّة حول أهمية تعريف الأجيال بالشّعراء السّوريين المهجريين من جهة، ودعم الشّعراء الشّباب المغتربين من جهة أخرى، واستمرَّ اللقاء والحوار لساعات طوال. وتكرر الأمر كثيراً، من دون أن ينسحب صحفيّ أو أديب من اللقاء، وذلك لأهمية ما يُحكى وما يطرح من نظريات نقديّة ومعلومات تتعلق بالسّرد الأدبي بمختلف أنواعه وطرق تناوله؛ حيث تتحول الدار في مثل هذه اللقاءات إلى منبر يشعّ بالمعلومات والفائدة. ويعاد اللقاء من قبل الأستاذ عبد الجبار".

وختمت "ابتسام" حديثها بالقول: "الأستاذ "عبد الجبار" بمثابة أب روحي لي ولكثيرٍ من النّاس، فهو أوّل الداعمين. هو محبوب من قبل الجميع، ومتعلقٌ بـ"حمص" كثيراً. تضررت المكتبة في"حمص" بالحرب، ونُهبت وحُرقت، وأعادَ افتتاحها من جديد بحفلٍ كبيرٍ شارك فيه جميع الأدباء والصحفيين والشخصيات الرسمية وروّاد المكتبة قبل إغلاقها، وجعل من بهوها المبني من الحجارة البازلتية وذي الطراز العريق مركزاً للضيافة، فمتى حللت تجدها تنبض بالنّاس الذين يتبادلون الأحاديث معه عن أمور الحياة وأهم الكتب وحياة كتّابها وآراء نقدية لكتب أدبية".

والجدير بالذّكر أن "عبد الجبار نبيه الجندلي" من مواليد "حمص" عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين، وتوفي في 18 كانون أول عام ألفين وعشرين.

وقد جرى اللّقاء بتاريخ 20 آذار عام 2021.