ليست وحدها غرف الاجتماعات من كانت تحتضن اللقاءات والمشاورات السياسية، فتحت أشجار الزيتون في بستان "الباشا" كثيراً ما دارات أحاديث ونقاشات في الشأن العام والسياسي للبلاد. هناك حيث كان يقضي "سلطان باشا الأطرش" معظم وقته يعمل كمزارع.

"حزحز" واحدة من الخرب الكثيفة التي تنتشر في جبل العرب وسهل حوران، والتي تنطوي على أرض زراعية، وبستان "الباشا" تقدر مساحته بين 300 إلى 400 دونم من الأرض، وينتج من الزيتون إنتاجاً وفيراً يختلف باختلاف المعاومة فيه، فقد عمل فيه "سلطان باشا الأطرش" كمزارع بعد أن نال الوطن الاستقلال في 17 نيسان عام 1946، ومن أراد أن يراه في وسط النهار يجده تحت الأشجار يحرث هنا ويزرع هناك، هذا ما تحدث به لموقع مدوّنة وطن "eSyria" حفيده المهندس "ثائر الأطرش" الذي أضاف: «من يدخل إلى بلدة "القريا" الواقعة في الجنوب الغربي لمدينة "السويداء" والتي تبعد عنها حوالي 17 كيلومتراً تستقبله على جوانب الطريق مجموعة من أشجار السرو الحراجية والتي يزيد عمرها على قرن من الزمن لترى خلفها بستاناً مشجراً بأشجار الزيتون التي انطوت كل منها على حكاية تاريخية وربما واقعة وحدث اجتماعي إنساني أو وطني مع صاحبه وهو المغفور له "سلطان باشا الأطرش" ولهذا أطلق عليه اسم بستان "الباشا" وهذا الموقع سمي "حزحز" لأنه ينطوي على أسرار باطنية كثيرة، وهو بالأصل عبارة عن خربة قديمة جداً تعود لعصر الأنباط، ولكن نال المكان في التاريخ المعاصر خصوصية تاريخية واجتماعية للأحداث والوقائع التي جرت به».

نستطيع القول أن موقع "حزحز" شهد أحداثاً وطنية كثيرة ومواقف عديدة، ولهذا الزائر لبلدة "القريا" يرشف من معين المكان ثلاث قضايا أساسية الأولى منها أنها منطقة تاريخية نبطية، والثاني أن أشجار الحراج وهي الأشجار الشاهدة على العمل وقيمته منذ ما يزيد على قرن، والثالثة الوقائع والأحداث التي جرت في هذا المكان وهو "حزحز" أو ما يعرف باسم "بستان الباشا"

وعن بعض الأحداث بيّن الباحث التاريخي "إبراهيم جودية" عضو الجمعية العلمية التاريخية بالقول: «عندما كان "سامي الحناوي" رئيساً عام 1949 زار وفد حكومي محافظة "السويداء" برئاسة "خالد العظم" وكان معه "ناظم القدسي، وعادل العظمة، وأكرم الحوراني" وبعض المسؤولين وأرادوا اللقاء بعطوفة "الباشا سلطان الأطرش" غادروا دار الحكومة باتجاه بلدة "القريا" وكان "سلطان الأطرش" عند كل صباح يذهب إلى البستان للعمل به بعد أن أعلن أنه عاد الى بلدته مزارعاً فلاحاً وكان في مزرعته الواقعة في منتصف الطريق بين قريتي "العفينة والقريا"، توقف الوفد العتيد في موقعة "حزحز" واستقبلهم القائد العام في المزرعة نفسها مرتدياً ملابس العمل، أرادوا التحدث معه والمشورة في الأمور الوطنية وتهامس بعض الوزراء هذا هو القائد العام للثورة، وبعد السلام والاستقبال لم يجدوا مكاناً للاستراحة به أو مقاعد للجلوس لأنه كان عاشقاً للأرض وغالباً ما يجلس فوق التراب ليستريح من تعب العمل، فما كان من أحد السائقين إلا وانطلق مسرعاً وأتى ببعض الصحف ووضعها لأحد الوزراء كي يجلس، حاول الوزير الجلوس لكن "سلطان الأطرش" وبأسلوب شفاف خاطب الوفد قائلا: "الأرض غالية وانجلبت بالدم لا تجعلوا فاصلاً بينكم وبينها"، وقد وُثقت هذه الحادثة في "جريدة الجبل" كما ذُكرت للتوثيق بشريط مسجل من قبل الأستاذ "صياح النبواني"، وهناك حادثة توثيقية أخرى حينما جاء إليه وفد رسمي بقصد المشورة وكان أيضاً يعمل في الموقع نفسه بثياب العمل، وطلبوا منه الرأي في وضع "فارس بك الخوري" رئيساً للوزراء ولا سيّما مع تحفظ البعض بحجة أنه "مسيحي" فقال لهم "سلطان الأطرش" يومها: كلمته المشهورة والتي رددت في الأوساط الثقافية والاجتماعية كثيراً، قال: "هل سيحكمنا "فارس بك الخوري" بالإنجيل أم بالدستور الناظم للبلاد" وكان رداً مقنعاً ووطنياً بامتياز».

الباحث التاريخي ابراهيم جودية

وتابع بالقول: «نستطيع القول أن موقع "حزحز" شهد أحداثاً وطنية كثيرة ومواقف عديدة، ولهذا الزائر لبلدة "القريا" يرشف من معين المكان ثلاث قضايا أساسية الأولى منها أنها منطقة تاريخية نبطية، والثاني أن أشجار الحراج وهي الأشجار الشاهدة على العمل وقيمته منذ ما يزيد على قرن، والثالثة الوقائع والأحداث التي جرت في هذا المكان وهو "حزحز" أو ما يعرف باسم "بستان الباشا"».

المهندس ثائر الأطرش
بستان الباشا