الخزان الطبيعي لتجميع السيول المنجرفة بمختلف محتوياتها في موقع "رشة" الأثري، تعد معملاً لاستخراج فلذات المعادن لعشرات القرون، أصلها آرامي ومازالت قائمة حتى اليوم على الرغم من التغيرات التي طرأت عليها.
فريق "eSyria" الاستكشافي التابع لمدونة وطن، وخلال مهمته في "سهل الغاب"، زار موقع "رامة راشة" بتاريخ 13 تموز 2015، والتقى المدرّس "شفيق الموعي" ابن قرية "رشة" التراثية، ليحدثنا عنها بالقول: «بداية يجب التأكيد على أمر مهم أن "رامة رشة" حالياً كمظهر عام تغيرت عما كانت عليه قبل عشرات السنين، فقد كان حولها غابات كبيرة وكثيفة من الأشجار والشجيرات البرية المتنوعة، ومنها السنديان والبلوط والغار والزعرور والشيخ، وغيرها.
هناك من يقول إن أصلها "رشأ" وهو الغزال، وهذا معنى قد يصح أيضاً لأنه يوجد في المكان الكثير من الغزلان، وبرأيي الشخصي إن تفسير الكلمة السليم أن يكون من كلمة رشاء وهو الدلو، وهذا لوجود الكثير من الآبار في موقع "رشة الأثري"
وهذه التفاصيل أدركها تماماً لأن الرامة كحوض، هي بالنسبة لي هي جزء من طفولتي وتكويني وشخصيتي، وكذلك أهل القرية، وهذا كوّن لدي شغف الغوص بتفاصيلها وأساس تسميتها وأهميتها بمختلف جوانبها، وهنا يمكن القول إنها حفرة على الأغلب بركانية، ظهرت ضمن الكتلة الصخرية السوداء المتربعة عليها، وغير الموجود أو المتوافر بعيداً عن هذا الموقع.
شكلها قمعي متدرج بالصغر نحو الأسفل، كانت خلال فترة حياة الأهالي في قرية "رشة" المجاورة لها، محط اهتمام أبنائها وسكانها للعناية بها وتنظيفها وتعزيلها من السيول والأتربة المتجمعة والمتراكمة فيها بفعل مقصود بشرياً، حيث تجمع الأتربة منا على الأطراف ليتم التعامل معها لاحقاً وفق الهدف المنشود منها».
"أحمد علوش" من الأهالي والسكان السابقين لقرية "رشة" التراثية، يقول: «تعدّ "رامة رشة" خلال فترة الحياة البشرية بالقرية مورد الماء المهم للمواشي التي تجوب الطبيعة رعياً، وهي من مختلف القرى والتجمعات السكانية، إضافة إلى أنها كانت بالنسبة لنا كأطفال المسبح الذي تعلمنا فيه السباحة وفنونها، ومارسناها بطرائق مخفية بعيداً عن أعين الرعاة، لذلك هي ذات أهمية وذكرى كبيرة في نفوس الجميع».
وبالعودة إلى حديث "شفيق" قال عن حدود موقعها الجغرافي: «يحيط بالرامة من الجهة الشمالية أراضٍ خصبة جداً، نطلق عليها اسم "جوبة الرامة"، وقد زرعت على مدار عقود عدة بالبقوليات والقمح والشعير، وكانت وفيرة الإنتاج، ومساحتها خمسة أضعاف مساحة الرامة، وهي على شكل متدرج أشبه بتدرجات مدرجات "بصرى"، وقد كان جزء منها ملعباً لنا أيام الطفولة، وأستذكره جيداً في كل لحظة أزور موقع "الرامة"، من الجهة الغربية سهول متدرجة أيضاً هي مثل الخزان الذي تأتي منه مياه الأمطار والسيول الجارفة، ومن الجهة الغربية "كرم ضوا" و"وادي عيسى" الخصبين، ومن الجهة الشرقية طرق تؤدي إلى "نهر البارد"، ومن الجهة الغربية طلعت الرامة.
و"الرامة" جزء من موقع قرية "رشة" التراثي والأثري، وتبعد عنه بعض الكيلومترات، وعن قرية "فقرو" التراثية أيضاً حوالي 2كم».
ويتابع: «قيل إنها استخدمت أو أوجدت -إن صح التعبير- في السابق كمعمل لترقيد وجمع فلذات المعادن الموجودة في التربة الخصبة المحيطة بها، وذلك عبر توجه السيول المائية الجارفة للتربة إليها، بحكم موقعها المنخفض، حيث بعد جفافها من المياه تعزل التربة من منتصفها وتوضع على جوانبها الخارجية ليتم التعامل مع فلذات المعادن المرقدة في منتصفها عبر الجرن الذي يتوسطها».
وعن معنى التسمية يقول: «هناك من يقول إن أصلها "رشأ" وهو الغزال، وهذا معنى قد يصح أيضاً لأنه يوجد في المكان الكثير من الغزلان، وبرأيي الشخصي إن تفسير الكلمة السليم أن يكون من كلمة رشاء وهو الدلو، وهذا لوجود الكثير من الآبار في موقع "رشة الأثري"».
وفي لقاء مع "أكرم العفيف" مشرف لجان التنمية المجتمعية في القرى الأشد فقراً، والمطلع على تاريخ "رامة رشة"، يقول: «كلمة "رشة" آرامية تعني معمل الرصاص، وهذا تصحيحاً لمن يقول إن التسمية تعود إلى الرومانية، حيث أكد هذا باحث روماني بقوله: "لو كانت الحضارة هنا ومنها النواعير، أساساها روماني، لكانت النواعير الموجودة في روما متطورة كما التي في حماة"، و"الرامة" جزء من الحضارة التي عاش في كنفها أجدادنا، حيث أوجدوا أو وظفوا "الرامة" لتجمع المياه بما تحمله من ترب معدنية مجروفة عبر السيول القوية، من مختلف مناطق موقع "رشة" الأثري التراثي، وبموجب الوزن النوعي تستقر المعادن في الأسفل وتبقى المياه في الأعلى، وقد واظبوا بحسب المعلومات المتناقلة بالتواتر في شهري نيسان وأيار على تعزيل التربة من الموقع، ثم جمع المعادن المستقرة فيها، ليصار إلى تعريضها لدرجات حرارة متفاوتة الارتفاع، فيذوب الرصاص فيها ثم بقية المعادن المتوافرة، ليتم التعامل معها حرفياً وفق المطلوب والحاجة».