هو ابن الفرات "السوري" كما وصف نفسه في كتبه، ورغم مرور نحو ألفي عام على رحيله مازالت كتبه تترجم إلى لغات العالم الحي اليوم.

ولد "لوقيان" Lucian of Samosata عام 115 للميلاد (وفي مصادر أخرى 125م) في بلدة تقع على ضفة نهر "الفرات" تسمى "سمسياط" أو "شميشطا" بالسريانية (السورية القديمة) جنوبي مدينة "مرعش" حالياً، ويعني اسمها "شط النهر أو السماء" كما قال المؤرخ السوري "آشور شليمون" (من الحسكة) في حديث مع مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 21 كانون الأول 2013 وقد غمرت المدينة بالمياه بعد إنشاء سد على النهر.

عاش "لوقيان" في عائلة تنتمي إلى وسط صانعي التماثيل، ويمكن ملاحظة الأثر الذي تركته هذه المهنة في كتاباته فقد وصف في كتبه التماثيل وأنواعها وعيونها وصفاً بارعاً، ولذلك بعد أن أنهى تعليمه الأول حيث درس اللغة السريانية والمنطق والحساب حاول والده تعليمه فن النحت وصناعة التماثيل إلا أنه فشل في ذلك، فأرسله إلى جامعة (إيونيا) على المتوسط في اليونان حالياً، إبان ذروة ازدهار الدولة الرومانية ومن ضمنها "سورية"، فتلقى تعليماً طيباً على يد كبار الأساتذة الذين يذكرهم لاحقاً في كتبه وقصصه أمثال "بوليمون اللاوديسي" (اللاذقاني)، وتعلم الخطابة من "ديموستين" والمنطق والبلاغة، ودرس التاريخ والقانون الروماني الذي وضعه ابن بلده "بابنيان" الحمصي شهيد العدالة

وتابع المؤرخ "شليمون" قوله: «عاش "لوقيان" في عائلة تنتمي إلى وسط صانعي التماثيل، ويمكن ملاحظة الأثر الذي تركته هذه المهنة في كتاباته فقد وصف في كتبه التماثيل وأنواعها وعيونها وصفاً بارعاً، ولذلك بعد أن أنهى تعليمه الأول حيث درس اللغة السريانية والمنطق والحساب حاول والده تعليمه فن النحت وصناعة التماثيل إلا أنه فشل في ذلك، فأرسله إلى جامعة (إيونيا) على المتوسط في اليونان حالياً، إبان ذروة ازدهار الدولة الرومانية ومن ضمنها "سورية"، فتلقى تعليماً طيباً على يد كبار الأساتذة الذين يذكرهم لاحقاً في كتبه وقصصه أمثال "بوليمون اللاوديسي" (اللاذقاني)، وتعلم الخطابة من "ديموستين" والمنطق والبلاغة، ودرس التاريخ والقانون الروماني الذي وضعه ابن بلده "بابنيان" الحمصي شهيد العدالة».

فسيفساء لوحة لوفيان

بعد أن انتهى من دراسته انتقل إلى "أنطاكية" عاصمة "سورية" القديمة ليعمل محامياً، ولكنه ضاق بالمهنة ذرعاً فهجرها مع أنه تمتع في المدينة بسمعة كبيرة كرجل قانون وكخطيب لامع كما يذكر ذلك في كتابه "الآلهة السورية The Syrian Goddess"، في السنوات 148 و149م زار "سورية وفينيقيا ومصر"، ويروي لنا مشاهداته للتماثيل في "هيرابوليس، وبيبلوس وجبال لبنان، وصيدا، ومن ثم فلسطين"، وتعرف خلال جولته أيضاً على العقائد الشرقية لأهل المنطقة بإعجاب وعناية.

تذكر المصادر التاريخية القليلة التي أرخت لحياته ومن بينها "معجم المؤلفين" للمؤلف "لافونت بومبياني" أنه تجول في أنحاء المتوسط فذهب إلى "ليبيا" ومنها إلى بلاد الغال "فرنسا" حيث درّس البلاغة هناك، ثم رجع إلى "روما" حوالي العام 150م ليعالج نفسه من مشكلات في البصر وبقي فيها سنتين، عندما سمع الإمبراطور "جوستنيان" أنه سيحل ضيفاً في "روما" أمر بتكليس المدينة وتنظيف شوارعها، وفرض على التجار التبرع بالذهب والفضة لصناعة عربة تليق بضيفه الكبير، ويذكر أحد المصادر أنه كان يعلن عن خطبته كما يعلن عن مرور فرقة عزف للسمفونيات حيث يتقاطر الناس لحضورها.

كتاب المحاورات

بعد أن سمع بافتتاح المناظرات العامة للعموم في "أثينا" نحو عام 164م انتقل إليها ومكث هناك نحو عشر سنوات (بعد أن أحضر أهله إلى المدينة) ممتهناً "السفسطة" كخطيب لا يضارع، وحقق شهرته التي طبقت الآفاق فتقاعد بعد أن جنى مالاً كثيراً ونذر نفسه لدراسة الفلسفة بعد أن بلغ الأربعين من العمر.

في "أثينا" لمع نجمه كخطيب بارع يتحدث اليونانية (لغة العالم آنذاك) في قضايا تهم المجتمع والناس سوية، وبات الناس في حفلاته العامة يتقاطرون لسماع مخاطباته ومحاورته على مسارح "أثينا" فيسرعون لابتياع بطاقات محاضراته، كما خطب أمام الأغنياء في مواضيع وصفها هو في كتابه "محاورات الأموات" بقوله: "إنها محاربة المتشدقين والمشعوذين والكذابين والمتكبرين". وقد جلبت له هذه المهنة الكثير من المخاطر والأعداء.

لوحة Botticelli, Sandro 1445 عن مقولة يجب ألا نصغي للوشاية للوقيــان السميساطي

كتب أكثر من ثمانين كتاباً، كما استخدم في حياته اللاتينية والسريانية والآرامية والمصرية القبطية، وتناول في كتبه "علوم الخيال والوجود والحياة والفلسفة" وتتراوح بين "الحكاية والرواية والرسائل الفلسفية" وهو أول من كتب قصة في الخيال العلمي في تاريخ الأدب العالمي هي قصته "قصة حقيقة True Story"، ويتحدث فيها عن رحلة إلى الجحيم وإلى السماء، ليسبق بذلك الكثيرين ممن قلدوه لاحقاً أمثال: "دانتي والمعري ورابيليه ودي برجراك" وغيرهم، وفي هذه الرحلة يصف رحلته إلى "القمر والنجوم" قبل رحلة "جون فيرل" الذي قلده أيضاً، كما يصف مخلوقات غريبة وعجيبة على الكواكب الأخرى، وفي الجزر المتخيلة التي وصفها في رحلاته بخيال نادر وفذ.

الميزة الرئيسة لكل كتاباته هي السخرية، فانتقد وسخر من الفلاسفة كما من المؤرخين والعلماء المدعين، ولم يترك ظاهرة يراها تستحق النقد والسخرية إلا وتناولها في كتبه وقصصه مستخدماً بلاغته وقدرته على التفنُّن في الحديث، وهذا من أهمّ الركائز التي اعتمد عليها في حواره الذي اعتبره النقّاد مثلاً يحتذى به، وهيّأ له مكانة بين المشاهير من ذوي الأساليب المعروفة بالحوار.

بعد أن أنهى دراسته للتاريخ كتب مؤلفاً بعنوان "كيف تكتب التاريخ؟" قال فيه: "إن المؤرخ المثالي يجب ألا يكون متخوفاً أو فاسداً، بل حراً، صريحاً وصديقاً للحقيقة كي يسمي الأشياء بمسمياتها، كما يجب ألا يكون تحت تأثير الأشياء المفضلة أو المرفوضة أو أي نوع من الاعتبارات العاطفية"؛ (من كتاب من "أعمال لوقيانوس السمسياطي" بترجمة سعد صائب – دار المعرفة – دمشق - 1988).

ولم يسلم المجتمع من نقده، فانتقد الشعوذة والإيمان بالخرافات وقصص الآلهة وجعل الإنسان مركزاً للوجود، وجعل "الإنسان" الرمز الأسمى الذي يتحدث عنه في كثير من قصصه، هاجم أيضاً الأديان الإغريقية القديمة بكل عنف وسخر من محتواها وتناقضها، يذكر في كتابه "سلطة الكذب" قوله: "لو نتجاهل الأسطورة الإغريقية الدينية لما بقي للإغريق شيء واحد يفتخرون به ولماتوا جوعاً"؛ (عن دائرة المعارف الفرنسية "كران لاروس"ـ م 6 ص 891).

اشتهر في الغرب كواحد من كبار الكتاب والفلاسفة الذين عرفهم التاريخ وله مكانة كبيرة بين علمائهم، نال شهرة كبرى على وجه الخصوص في "فرنسا" في عصر النهضة، حيث يعتبر "موليير" الأديب الفرنسي الساخر نفسه تلميذاً من تلامذته، كما ترك أثره الكبير على "شكسبير" بكتابه "تيمون كاره الإنسانية"، وترك أثره الواضح على شعر "شيلر" و"غوته" وغيرهم.

كتب فيلسوفنا كتاباً واحداً في المديح، هو كتاب "في مديح الوطن"، وهو من الكتب الفريدة في التاريخ ، واضعاً الوطن فوق كل شيء، فوق الأديان والأشخاص والثروات، يقول في كتابه هذا: «الوطن فوق كل شيء والحرية أعز صديق لي».

من أشهر كتبه "محاورات الأموات" الذي ترجمه إلى العربية "إلياس سعد غالي" وهو مترجم سوري، وأيضاً كتابه "المحاورات" وترجمه "سعد صائب" وكتب أخرى، وكتب عنه كثيراً في مختلف لغات العالم، وترجم "فيلاند" أعماله كلها إلى اللغة الألمانية منذ فترة قريبة.

توفي في "أثينا" عام 192م وفق بعض الروايات، في حين تقول روايات أخرى أنه توفي عام 180م في مصر حيث تولى هناك وظيفة المدعي العام.

المصادر:

  • "محاورات لوقيانوس السمسياطي" الكاتب السوري الساخر، نقلها عن الفرنسية "سعد صائب"، دار طلاس، دمشق، الطبعة الأولى، 1989.

  • من "أعمال لوقيانوس السمسياطي" ترجمة "سعد صائب" – دار المعرفة – دمشق -1988.

  • "لوقيان فيلسوف الشام والشرق"، "عبد السلام زيان"، عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام في القاهرة - 2010.