لا يزال أهل البادية في "دير الزور" يحافظون على عادة اجتماعية لا يجوز التقصير بها، وهي "قرى الضيف"، فاستقبال الضيف من الأمور الأساسية لدى البدوي، والتقصير في هذا الواجب يجلب العار لأسرته.

مدونة وطن التقت بتاريخ 18/8/2013 السيد "غسان حسن" أحد الأشخاص المهتمين بالتراث البدوي الذي تحدث عن قرى الضيف في بادية "دير الزور" بالقول: «يشتهر البدو بكرم الضيافة، فالمسافر بين أقوام البدو بقصد ما أو عابر سبيل أو قاصداً شخصاً بعينه فعلى مضيفه أن يقوم بإكرامه وتقديم الطعام والشراب له، فإذا كان قاصداً حاجة لا يُسأل عن حاجته إلا بعد مضي ثلاثة أيام، ويتنافس البدو في إكرام الضيف، لكونهم يشتهرون بالكرم، والكل يريد أن يكون في ضيافتهم، وقد تصل الأمور فيما بينهم إلى المشاجرة، وفي هذه الحالة يلجؤون إلى القاضي ليقر من يقوم بالاستضافة، وأولى قواعد الضيافة تقديم القهوة المرة واللبن لسدّ الرمق، وفي هذه الأثناء يقوم أصحاب الدار الباقين بتجهيز الذبائح ليقدموها شرفاً للضيف».

بيت أبو فلان رحى مستديرة / تعشي ضيوف لفت عل جزيرة بيت أبو فلان رمل ما ينداس / من كثر ما تجري دموم الذبايح

ويردد "حسن": «بيت أبو فلان رحى مستديرة / تعشي ضيوف لفت عل جزيرة

القهوة المرة حاضرة في المضافة

بيت أبو فلان رمل ما ينداس / من كثر ما تجري دموم الذبايح».

ويشير الباحث "عمر صليبي" في كتابه "لواء الزور في العصر العثماني اجتماعياً وإدارياً" بالقول: «مهما كان الواقع الاجتماعي سيئاً فإن قرى الضيف واجب على البدوي وهذه العادة من الموروثات الاجتماعية التي لا يجوز التقصير فيها حسب القدرة، ويدعى البخيل في العشيرة "الردي"، وهذا الشخص يجلب العار لنفسه ولغيره وتأنف الأسر من الارتباط به سواء أكان في البادية أم في الريف، ونرى في الشعر الشعبي الفراتي مثل هذا التصريح بالقول:

تجهيز المناسف

لا تاخذين الردي / ترى الردي يرديج

ويجييج منه ظنا / مثل الخرب يعديج.

وفي الشعر الشعبي الفراتي مدح للكريم فيقولون:

صينية أبو فلان عشرة نقلوها / زبيد والعربان ما خلصوها».

وأضاف: «تتناوب الخيام على تقديم الطعام بعد ذلك كل في دوره حسب ترتيب البيوت، وإذا حدث أن كان رب البيت غائباً حينئذ تنوب عنه زوجته في تقديم واجب الضيافة، وفي حال لم تقدم صاحبة البيت الواجب اتجاه الضيف يقوم البدوي بترك رسالة عند صاحبة البيت خاصة إذا كان زوجها من أصحاب الكرم فيقول لها "قولي لأبو فلان يغير عتبة داره"، وعتبة الدار المقصود بها "الزوجة" وإذا قامت بواجبه يقول لها "قولي لأبو فلان يحتفظ بعتبة الدار" وهنا تكون المرأة ابنة أصل ومن منبع كرم».

ويشير مدرس اللغة العربية "محمد الحمود" بالقول: «كلمة (ق ر ي) هي فعل: ثلاثي متعدٍّ، قَرَيْتُ، أَقْرِي، اِقْرِ، ومصدر قِرىً، قَرَاءٌ، "قِرَى الضَّيْفَ هو ما يقدم للضيف، وعندما يقترب الضيف من أحد بيوت القرية يقول "وين يا أهل البيت".. فيجيبه صاحب البيت قائلاً: "حياكم الله طبتم وطاب ممشاكم" فيقدم له القهوة، والقهوة هي مدار الكلام والكرم، إلى أن يكون صاحب المنزل قد ذبح الذبيحة.

وقال دعبل الخزاعي وهو شاعر من "دير الزور":

نَغَمَاتُ الضَّيْفِ أَحْلى عِنْدَنا / مِنْ ثُغاءِ الشاءِ أوْ ذاتِ الرُّغا

نُنْزِلُ الضَّيْفَ إذا ما حَلَّ في / حَبَّةِ القَلْبِ وأَلْواذِ الحَشا.

ألواذ: جوانب.

وما يميز "قرى الضيف"، أن يشعرَ الضيفُ أنه صاحب البيت، فيغدو للضيف ضيوف، وهذا قمة في إكرامه.

ومما قاله "دعبل الخزاعي":

اللهُ يَعْلَمُ أَنَّني ما سَرَّني / شَيْءٌ كَطارِقَةِ الضُّيوفِ النُّزَّلِ

ما زِلْتُ بالتَّرحِيبِ حتى خِلتُني / ضَيفًا لَهُ والضَّيْفَ رَبَّ المَنْزِلِ».