يرافق العرس الريفي في الساحل السوري العديد من العادات والطقوس، ومنها حمام العروس وحنتها التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بأغانٍ تراثية جسدت مراحل هذا الحمام على نبع القرية بمشاركة الصبايا.

الجدة "بديعة برهوم" من ريف مدينة "بانياس" قالت لمدونة وطن eSyria التي التقتها بتاريخ 10/5/2013: «خلال مرحلة الشباب شاركت عدداً من الشابات المقبلات على الزواج بحمامهن على نبع القرية، وهو ما كنا نعتبره دينٌ يجب تسديده سلفاً قبل استحقاقه علينا، فجميعنا مقبل على هذه المرحلة الاجتماعية، حيث كانت مراحل حمام العروس تتم على نبع القرية، وفي الأغلب يكون ضمن الغرفة الحجرية التي كانت تجهز بعد الاستيطان البشري بجانبه لهذا الغرض، إضافة إلى حمايته والمحافظة عليه من الانهدامات».

خلال مرحلة حمام العروس كنا ننتظر على مسافة ليست بقريبة من النبع ريثما نسمع أغنية الحمام والحنة والزغاريد من الصبايا المشاركات بالحمام لنطلق أعيرتنا النارية معلنين لأبناء القرية انتهاء هذه المرحلة وليستعدوا لاستقبال العروس وإقامة العرس في الساحة أو على البيدر

أما الجد "أحمد برهوم" فيعتقد أن الهدف الرئيسي من بناء الغرفة الحجرية للنبع كان لاستخدامات الاستحمام بشكل عام، حيث تتوافر المياه بشكل كاف هناك فيتم تسخينها وتعطيرها بأوراق الريحان والغار ما يضفي رائحة ذكية على جسد العروس ومستخدمها بشكل عام، موضحاً: «خلال مرحلة حمام العروس كنا ننتظر على مسافة ليست بقريبة من النبع ريثما نسمع أغنية الحمام والحنة والزغاريد من الصبايا المشاركات بالحمام لنطلق أعيرتنا النارية معلنين لأبناء القرية انتهاء هذه المرحلة وليستعدوا لاستقبال العروس وإقامة العرس في الساحة أو على البيدر».

الفرح باعلان انتهاء حمام العروس وحنتها

وفي لقاء مع الباحث التراثي "حسن اسماعيل" تحدث عن طقوس الحمام والحنة والأغاني التراثية التي ارتبطت بهذه المرحلة من العرس الريفي بالقول: «أين هي العروس الآن فالناس مشغولون بما يعرف بـ"القيمة" وتناول الطعام وإطلاق "الهناهين"، والعروس مشغولة بحمامها على نبع القرية وحولها عدد من الصبايا يؤدين مراسم الغسيل ولسان حالهن يقول "الدنيا دين ووفا" يعني أن كل فتاة ستكون يوماً ما بحاجة لمن يحممها يوم عرسها، لذلك لا بأس أن تساهم اليوم بإجراءات الحمام لرفيقتها لترد الدين سلفاً.

وكن خلال مرحلة الحمام يطلقن الأغاني التراثية التي أعتدن على غنائها فرحة وبهجة بزواج صديقتهن فيقلن فيها:

وصول خبر انتهاء مراسم الحمام والحنة واجتماع الأهالي

حمام طـافح بجــرونـو / كـيـس غسـيل البنيـة

يا عين عيني يا سمرا / حوره وربيت عالمية

دعوة بدء مراسم الدبكة الشعبية وتناول التين اليابس

والثوب ريش الحمامي / وخدود يا تفاح شامي

وريحة يا عطر خزامي / والصوف خرج الشتوية

يا عين عيني يا سميرا / الزنار داير عاخصيرا

ومنديل شغل السنيرة / وطرحة حرير صينية

وخروص تلمع بدانا / وناطور لولح عاجبينا

وعيون صلوا عانبينا / تسبي غزال البريـة.

وهنا كان الجميع بانتظار إعلان انتهاء الحمام وإلباس العروس لثيابها الجديدة وتمشيطها وتعطيرها، أما كيف سيصل الخبر عن انتهاء حمام العروس إلى المعازيم فهذه مهمة الصبايا أولاً، حيث يبدأن الغناء لها وهن يلبسنها مع اطلاق الزغاريد، وهناك بين موقع النبع والقرية يجتمع عدد من الشباب ومع كل منهم بندقية الصيد أو ما كان يعرف بالطبنجة فيطلقون الأعيرة النارية كدلالة على انتهاء حمام العروس فيصل الصوت إلى القرية ليسمعها الأهالي في القرية فيدركون أن العروس أصبحت جاهزة لإتمام مراسم العرس».

يتابع: «يعتقد أن طقس حنة العروس دخل متأخراً إلى مرحلة حمامها على النبع، وهذا مقارنة مع طقس الحمام الأساسي الذي كان يتم دون حنة، لأن هذه الحنة كان يحضرها الباعة الجوالة الذين يجولون مختلف القرى الريفية، والذين هم بدورهم دخلوا مؤخراً بعملهم هذا إلى هذه القرى الريفية، بعدما تحسنت الأحوال المادية لأبناء الريف.

حيث كان يحنى يدا العروس أولاً ومن ثم أيدي أخواتها وحتى بعض أقربائها إذا زادت كمية الحناء عن الحاجة، وكانت مرحلة الحناء هذه تأتي بعد الحمام فيجتمع حول العروس عدد من الصبايا والنساء ذوات الخبرة ويحنون يديها مع أغنية الحنة المشهورة والتي تقول:

حنوها حنوها / للعروس حنوها

ويا أما ويا بيا / للغالي ودوها

حنولا صابيعا / من فوق التربيعة

بدهب ما منبيعا / غنوجة أبوها

نيال البيشوفا / وهيي تحني كفوفا

ومن حسنا ومعروفا / بيت عما رادوها.

وبعد التلبيسة والحنة أصبحت العروس جاهزة لترحل إلى منزل زوجها، ولكن قبل هذا يجب أن يسبقها "العفش" وهو حاجيات منزلية هدية الأهل لها أو ما يعرف بالجهاز، وهذا الجهاز يعلن عنه خلال مرحلة الخطبة، وهنا يجب أن يكون هناك حمالة العفش الذين ينقلونه إلى منزل العريس، وخلال مرحلة نقل الجهاز تنطلق أغانٍ ارتبطت بهذه المرحلة ومنها:

عالماشي عيني عالماشي / طلع الصندوق والفراشي

كتر خيرك يا بيا / عطيتنا العروس ببلاشي».

أما الباحث التراثي "برهان حيدر" فأضاف: «لقد كانت النساء تطلق أغانٍ خاصة لاستئذان الأهل وهم الأب والأخ لحناء العروس ومنها:

مدي أيدك مديا / والإيد التانية رديا

وا عان عيني وا خيا / أعطينا أمر نحنيا

وبالله عليك وا بيا / وأعطينا أمر نحنيا.

أما خلال مرحلة الحناء فيطلقن أغنية تقول في مطلعها:

تمر حنة شدولا / مبارك كليتكن قلولا

جبنا الحلق للعروس / وكلو مشنشل بلولا

جبنا الفستان للعروس / وكلو مشنشل بلولا».

وقد كان لمدلولات الأيام حساب في يوم حمام العروس وحنتها ضمن الطقوس التراثية، وهنا يذكر: «لقد كانت نساء القرية يحسبن للأيام الجميلة "الطيبة" التي فيها راحة لحياة العروس وإتمام زواجها بخير، فيختارونها لمرحلة الحمام والحنة فيقلن مثلاً:

الليلي طيب ما منحوس / وجايين نحني العروس

عروستنا منظومي / وغيرا ما نحني عروس

عروستنا خياطة / وغيرا ما نحني عروس

عروستنا من مشقيتا / وكل العالم حبيتا.

وعند إتمام حمام العروس وحنتها يدعونها غناءً على نغمة "عالواح" إلى لباس ثوبها الجديد فيقلن:

عالواح ثم الواح ثم الواحي / واللون أسمر والخدود تفاحي

شوفا تقنقش والسوار تخشخش / قومي تنلبس يا زين الملاحي.

وخلال هذه الأثناء يصل خبر انتهاء العروس من حمامها وحنتها فيطلق المشاركون أغنية لتناول "التين اليابس" كطقس من طقوس التحلاية والفرح لبدء مراسم الدبكة الشعبية فيقولون:

طلع الضو ربي يعين / وعينينا بخلايا التين

ورقصنا ونطينا كتير / وعينينا بخلايا التين».