من حلب، كما من غيرها من المناطق السورية انطلقت بوادر الوعي الوطني السوري بضرورة فتح الباب للمرأة لكي تساهم في بناء المجتمع الجديد، ممثلة بشخصية نسائية نادرة الوجود هي "فائقة المدرس".

ولدت هذه السيدة الجليلة في حلب عام 1885 لبيت عرف بالعلم والأدب والكرم فأبوها "جميل المدرس" من وجهاء حلب المعروفين نهاية القرن التاسع عشر، يتصل نسبه بالحاج "عطاء الله أفندي" ابن الحاج "عبد الرحمن أفندي المدرس" من أوائل مدرسي حلب كما تشي كنيته وفقاً لكتاب "كنز الذهب في تاريخ حلب"، والدتها "شريفة الشعباني" تعود بنسبها العريق إلى كبرى عائلات حلب.

عندما دخل الجنرال "غورو" إلى حلب، أراد أن يتعرف على وجهاء حلب، فذكر أمامه اسم "فائقة المدرس"، التي تبرعت بكل أموالها في سبيل تأسيس مدرسة للإناث، فذهب الجنرال إلى مدرستها، وطلب منها السماح بتقبيل يديها، عرفاناً وتقديراً لجهودها في رفع مستوى التعليم في المدينة، وربما كان هذا ثناء لم تحصل عليه أي امرأة من جنرال غاز ومحتل، كما الجنرال غورو

يتحدث المؤرخ "عامر رشيد مبيض" مؤرخ حلب المعروف لمدونة وطن eSyria بتاريخ 20/4/2013 فيقول: «عاشت هذه السيدة في بيت يجمع أطراف المجد فتعلمت القراءة والقرآن والشعر، وافتتحت أولى المدارس النسائية في حلب وهي مدرستها الشهيرة "الصنائع" في عام 1919 في بيتها في منطقة "الفرافرة" ، وقد تبرعت بكل ما تملك من المال في سبيل بناء هذه المدرسة وتجهيزها، وكان هدفها في البداية إيواء اليتيمات وتعليمهنَّ الحرف والخياطة والتطريز والطهو وجميع لوازم المنزل والمرأة، وقد قدمت لهن على نفقتها آلات الخياطة ليتعلمن العلوم، فضلاً عن بعض ألوان الفنون (الموسيقا، الخياطة، الرسم)، فكانت مدرستها هذه أول مدرسة نموذجية للإناث وكان عدد طلابها أكثر من مئة طالبة».

ويتابع: «عندما دخل الجنرال "غورو" إلى حلب، أراد أن يتعرف على وجهاء حلب، فذكر أمامه اسم "فائقة المدرس"، التي تبرعت بكل أموالها في سبيل تأسيس مدرسة للإناث، فذهب الجنرال إلى مدرستها، وطلب منها السماح بتقبيل يديها، عرفاناً وتقديراً لجهودها في رفع مستوى التعليم في المدينة، وربما كان هذا ثناء لم تحصل عليه أي امرأة من جنرال غاز ومحتل، كما الجنرال غورو».

إلا أن هذا الثناء عليها لم يمنع من تحول بيتها إلى خلية نابضة بالحياة مقارعة للمستعمر الفرنسي، فمن بيتها بدأت التظاهرات النسائية ضد هذا المستعمر، فقد شاركت مع حـميدة بنت عبد الحميد الجابري، مندوبة النساء الحلبيات لمقابلة لجنة «كرايين» بشأن مستقبل سورية عقب الحرب العالمية الأولى وقائدة وخطيبة المظاهرات النسائية ضد الاستعمار الفرنسي بحلب، كما يذكر كتاب "حلب في مئة عام 1850-1950" من تأليف الباحث المرحوم "محمد فؤاد عينتابي" والمهندسة "نجوى عثمان".

في عام 1929 انتقلت المدرسة إلى دار صلاحية في منطقة «مستدام بك» وكان من أبرز المدرسات فيها: "عائشة غنام، مفيدة مرعشي، صبحية قناعة"، ومن المدرسين: "منيب النقشبندي، ومصطفى برمدا، ومحمد فائق المدرس" الذي انتقل إلى دمشق، وقد ضمت إلى المدرسة كل أبناء الشهداء الذين سقط آباؤهم في الدفاع عن الوطن، وفي كل عام كانت المدرسة تقيم تمثيلية يعود ريعها للأطفال الفقراء. كما أسهمت المدرسة في إحياء التراث الغنائي الحلبي الأصيل من موشحات ورقص السماح.

اجتمع حولها طائفة من التلاميذ غدوا أعلاماً شامخين فيما بعد في تاريخ سورية، وتؤكد الآنسة" بيانكا ماضية" رئيسة تحرير القسم الثقافي في جريدة الجماهير قائلة: «"فائقة المدرس" كانت من أول المناضلات في ميدان تعليم المرأة في حلب الشهباء، و"الحاجة فائقة" كما يلقبها كبار الكبار من أعلام حلب تبوأت مكانة بارزة في ميدان التعليم والخدمة الاجتماعية والعمل الخيري حتى بلغت درجة التخصص في هذا الميدان، فكل اهتماماتها انصبت على تحقيق أهدافها الخيرية في هذه المدينة، وبالتالي فإن أعمالها جاءت متكاملة وذات فائدة كبيرة وامتدت إلى دمشق عن طريق "سامية علبي" التي كانت تعمل مديرة في مدرستها، حيث تعرفت المديرة "سامية علبي" على السيد "فائق المدرس" في دمشق، وكان يعمل في محكمة التمييز وهو ابن عم الحاجة "فائقة المدرس" وعاشت "سامية علبي" عشر سنوات عند القاضي "فائق" في دمشق، وافتحت مدرسة الشهداء في دمشق، ولقبت بـ"سامية المدرس"».

استمر عطاء "فائقة المدرس" طوال سنوات حياتها، وقد سكنت في آخر حياتها في حي الشيخ طه بحلب، وتوفيت في الساعة الثالثة صباحاً من يوم 17 تموز 1986، ودفنت في حلب، ولم يدر أحد بموتها، رغم أنها صاحبة أول مدرسة للبنات وصاحبة أول دار للأيتام في حلب.