تعددت أشكال "العقال" على مدى الزمن، فكان يصنع في فترة ما على شكل الخوذة الواقية، كدائرة سميكة الأطراف يتدلى منها عدد كبير من الشراشيب، أو يصنع على شكل حلقتين مزدوجتين تنتهيان بالشراشيب الطويلة، أو من حلقة واحدة ثخينة، أو تعترض حلقاته فواصل تزيينية منبسطة، وهو في كل الحالات وسيلة لتثبيت الكوفية على الرأس.

مدونة وطن eSyria التقت مع صانع "العقال" السيد "موفق قشلان" بتاريخ 28/4/ 2008 في في محله في "سوق البرغل" في "دمشق القديمة" فبدأ حديثه بالقول: «أصبحت أعرف خيطان شعر الماعز وصوف الغنم وأخيرا النايلون من ملمسها، فقد قضيت أكثر من نصف قرن وأنا أتعامل معها لأصنع هذا اللباس العربي الأصيل الذي يستمد أصالته من البيئة العربية بكل ما فيها، وقد حافظ العرب على هذا الزي كشارة مميزة للرجل العربي الأصيل.

كان للعقال دور هام وكبير بين صفوف العرب، فهو فخرهم ورمز شرفهم، ودليل رجولتهم وشهامتهم، فقديماً عندما كانت تعتدي قبيلة على أخرى، ينتخي أبناء القبيلة التي هوجمت فينزع جميع أفرادها عقالاتهم، ويستعدون لأخذ الثأر، واسترداد حقوقهم، ولا يرتدون "العقال" حتى تسترد الكرامة. أما اللفظ المتعارف عليه فيما بينهم إزاء ذلك قول الرجل مقسماً: «يحرم عليّ لباس "العقال".. حتى آخذ الثأر وأرد العار

تمر صناعة "العقال" بعدة مراحل، أهمها تحضير الوجه الخارجي فيه ويتم ذلك بأن تلف الخيوط ما بين خطافين متباعدين لمسافة معينة 12متراً تقريباً ولعدد معين من الخيوط 600 تقريباً، حيث تكون هذه الخيوط متجانسة في الثخن والشد، وعندها تبرم بواسطة المغزل ثم تلف على الوتد، وفي هذه الأيام يتم استخدام ماكنة كهربائية ولكن بذات الآلية القديمة، أما الحشوة الداخلية فنستعمل هنا "المسداية" وهي قطعة خشبية ثخينة أطوالها بالسنتيمتر 8-25-170 سنتيمتراً، فيها ثقوب ما بين يمنى ويسرى، يوضع في ثقبين معينين منها وتدان من خشب السنديان البلدي القاسي، ويلف حول هذين الوتدين القطن الأبيض ثم يبرم قليلاً لوضع طبقة جديدة من القطن الأسود فوقه، وتبرم حتى تصل إلى مستوى معين، ويشير "قشلان" هنا إلى أن العمل كان في السابق كله يدوياً، ورغم ذلك فان الإنتاج حالياً هو ثلاثة أضعاف فقط، لأن العمل سابقاً كان بمهارة وحرفية عالية.

السيد "موفق قشلان"

بعد ذلك تأتي مرحلة لف "العقال" فيلف الوجه المحضر في المرحلة الأولى فوق الحشوة الداخلية من أول الحشوة إلى آخرها، وتظهر في هذه المرحلة مهارة العامل، وخاصة عندما ينقص الوجه الخارجي، حيث يقوم العامل عندها بتسحيب الوجه دون فكه. ثم في النهاية تكون عمليات الحبك حين يصل العامل ما بين طرفي "العقال" بقطعة من القطن الأسود وهنا تبدأ عملية الحبك، والتكعيب، وصنع الشرشوبة، عمليات التجميل أي عمليات حرق الوبر الخارجي، وتنميشه، وإزالة الخيوط الزائدة، ودلكه بالفرشاة، وبقية أعمال التنظيف والإعداد».

ويحدثنا السيد "موفق قشلان" عن "العقال" وما ارتبط به من عادات وتقاليد ومفاهيم اجتماعية قديمة وأصيلة ترسخت عبر السنين، وعدّت مدعاة للاعتزاز بها فيقول: «كان للعقال دور هام وكبير بين صفوف العرب، فهو فخرهم ورمز شرفهم، ودليل رجولتهم وشهامتهم، فقديماً عندما كانت تعتدي قبيلة على أخرى، ينتخي أبناء القبيلة التي هوجمت فينزع جميع أفرادها عقالاتهم، ويستعدون لأخذ الثأر، واسترداد حقوقهم، ولا يرتدون "العقال" حتى تسترد الكرامة. أما اللفظ المتعارف عليه فيما بينهم إزاء ذلك قول الرجل مقسماً: «يحرم عليّ لباس "العقال".. حتى آخذ الثأر وأرد العار»، وأكبر عار في مفهوم العربي القديم هو العار الذي يمس الأرض أو العرض، وخلع "العقال" دون الكوفية هو إشارة إلى أن هذا الرجل يبحث عن ثأر له».

التقينا أيضاً الصانع "أحمد القواسمي" وسألناه عن أنواع "العقال" فأجاب: «للعقال أنواع عديدة منها: "السحاب، الحريري، الملون "المقصب" التقليدي، المفرد، المزدوج، الثخين، الرفيع ولعل "العقال" الملون أو المقصب له ميزة ينفرد بها عن غيره وهي ميزة إبراز التناظر والتضاد في ألوانه، مع العلم أن الطلب عليه لا يتجاوز الواحد بالألف ولذلك اقلعنا عن صناعته نهائيا، وهنا لابد أن نشير الى ان "العقال" المصنوع من شعر الماعز يسمى "عقال مرعز" وهو من أغلى الأنواع، وهناك "عقال شهاب" وهو مصنوع من الصوف الطبيعي».

لقد نال "العقال" الكثير من أبيات الشعر العربي الشعبي والفصيح، وهناك أغان تدور كلها حول "العقال" والكوفية، حتى إنه يمكننا القول: إن هذا الزي ميزة من مزايا الاعتزاز بتقاليدنا العربية يمكن له أن يبقى خالداً ومنسجماً مع كل حضاراتنا المرتقبة.

(*) تم تحرير المادة في 28/4/ 2008