من المعروف أن الكبة هي الأكلة التي يشتهر بها أهل "حلب"، لكن ما هو ليس معروفاً أن لأهل الساحل أيضاً "كبَّتهم" التي اشتهروا بها وقدموها لزوارهم على أنها جزءٌ من تراثهم.

لكن "كبة" أهل الساحل تختلف كثيراً عن غيرها من حيث المكونات وطريقة الطهو وحتى التسمية، فهنا يطلقون عليها اسم "الكبيبات بالسلق" ويقولون إنها طعامهم وطعام آبائهم وأجدادهم المفضل، وهذا ما عبر عنه بوضوح السيد "محمود صالح علي" من قرية "قلعة بني قحطان" وهو رجلٌ في العقد التاسع من العمر، حيث التقاه موقع eSyria بتاريخ 1/2/2012: «الكبيبات هي الأكلة الشعبية الأكثر انتشاراً في ريف الساحل السوري وهي من أقدم الأكلات لدينا حيث إننا عرفناها عن آبائنا وأجدادنا وأذكر أنني أكلتها طفلاً وشاباً وكهلاً واليوم آكلها وأنا في التسعين من عمري.

"الكبيبات بالسلق" هو اسم الجمع حيث إن كل قطعة منها تسمى "قرص كبة" وهو بشكل طبيعي محشو بالسلق لذلك سميت "الكبيبات بالسلق"

لقد كانت ومازلت الأكلة الرئيسية التي نقدمها للضيوف القادمين من خارج المنطقة والذين يزورون القرية على أنها أكلتنا المفضلة والجزء الذي لا يتجزأ من تراثنا، حيث كنا نحتفل بضيوفنا بهذه الأكلة التي تعتبر من أشهى المأكولات التراثية إضافةً إلى كونها أشهرها وأكثرها صعوبةً في الطهو تقريباً».

الكبيبات

الجدة "نظيرة محمد" تطهو "الكبيبات" منذ أكثر من \70\ عاماً بحسب ما قالت لموقع eSyria وأضافت متحدثةً عن الطريقة التي يتم بواسطتها تحضيرها: «في البداية يتم نخل الطحين بواسطة المنخل لكي تتم إزالة أية شائبة فيه، ثم يتم وضع الطحين المنخل في طشت كبير (وعاء) ويضاف له الماء والملح ويتم عجنه بشكل جيد، ثم تقوم السيدة بتقطيع العجين إلى دوائر صغيرة على شكل (كبول) وبعد الانتهاء من ذلك كنت أذهب إلى الأرض لإحضار السلق وأقوم بغسله بشكل جيد قبل أن أبدأ بتقطيعه بالسكين (المكتة)، ثم أقوم بعملية فرك للسلق وأصفي المياه منه بشكل جيد لكي يلتصق جيدا على العجين، بعدها تتم إضافة البصل المقطع وزيت الخريج مع الفلفل والكمون والنعنع، وبذلك تصبح الخلطة جاهزة».

وتضيف: «بعد أن تصبح الخلطة جاهزة نقوم بوضع مادة "الفريفور" (مادة أشبه بالقشور يتم استخراجها عبر طحن القمح) على يديها ومن ثم تبدأ بحشو الخلطة داخل أقراص العجين التي لا يزيد حجم الواحد منها عن حجم صفار البيض حيث يتم فتح فراغ في وسطها وتحشى بالسلق ثم يتم إغلاقها مجددا بالعجين حتى تأخذ شكلاً مخروطياً ويكون "الفريفور" غشاءها الخارجي».

"محمود صالح علي"

عملية التحضير هذه تستهلك جهداً كبيراً وقد تستغرق نصف يوم تقريباً بحسب ما قالت السيدة "نظيرة": «بعد الانتهاء من الحشو نحضر طنجرة النحاس ونضعها على الحطب ونملأ نصفها بالماء مع ملعقتين من زيت الخريج وننتظر حتى تصل المياه إلى درجة الغليان حينها نضع "الكبيبات" بداخلها ونجعل النار هادئة من تحتها لكي تنضج الأقراص مع محافظتها على شكلها وتكورها، ولتبقى محافظة على السلق داخلها، هذه العملية لا تستغرق أكثر من \20\ دقيقة بعد أن يغلي الماء بعدها تصبح "الكبيبات" جاهزة لتناولها كطعام للغداء».

إلى جانب طريقة السيدة "نظيرة محمد" هناك طريقة أخرى مشابهة لها حدثتنا عنها السيدة "فاطمة ديب" وهي ربة منزل حيث قالت: «لم يتغير أسلوب طبخ الكبيبات كثيراً لكن ما تغير هو الأدوات المستخدمة في صناعة الطبخة كالوعاء وأداة التقطيع، كما أن "الفريفور" لم يعد موجوداً في أيامنا هذه إلا ما قل وندر، فأصبحنا نضيف إلى العجين "البرغل الناعم" وهي طريقة كانت شائعة في الماضي ايضاً، وهناك حديثاً من يضيف اللحمة الناعمة إلى الحشوة وهؤلاء قليلون جداَ حيث إن "الكبيبات" تكون أشهى وأطيب بالسلق وبالمواد النباتية 100% ويضاف إليها بعد أن تصبح جاهزة أثناء تناول الطعام ما يسمى "التوامة" وهي عبارة عن ثوم وزيت وملح، كما أنها طبخة شتوية لا يتم طهوها إلا في هذا الفصل نظراً لتوافر "السلق"».

المختار "أيمن عيسى"

وعن سبب تسميتها "الكبيبات" حدثنا "أيمن عيسى" مختار "بشراغي" قائلا: «"الكبيبات بالسلق" هو اسم الجمع حيث إن كل قطعة منها تسمى "قرص كبة" وهو بشكل طبيعي محشو بالسلق لذلك سميت "الكبيبات بالسلق"».

ويضيف "عيسى": «في اليوم الذي كانت تُطبخ فيه "الكبيبات" كان منزلنا يبدو وكأنه يعيش يوم عيد فأمي تقضي نصف نهارها في التحضير، وكأنها تحضر حلويات العيد ونحن ننتظرها بفارغ الصبر حتى تنتهي لكي نجتمع على المائدة».

يذكر أن من أشهر أنواع الأطعمة التراثية في الساحل السوري إلى جانب "الكبيبات" التي تحدثنا عنها "البرغل مع لحم الدجاج البلدي أو لحم الخروف، القمحية، الترموسة، فطائر السلق، هريسة البربارة" وتأتي بالدرجة الثانية المأكولات التي تنبت دون زراعة، من الطبيعة وفي مقدمتها "السلبين (العكوب)، قرص عنة، هندباء، حميضة".