يعتبر "بيت العقاد" من أهم البيوت الدمشقية، التي يعود تاريخها إلى 400 سنة، والتي تعكس الطراز الدمشقي المعماري القديم بزخرفاته ورسوماته ومزاياه المعمارية من مختلف العصور، ليحكي قصص وحكاية الحضارات السورية المتنوعة.

ولمعرفة أكثر حول هذا القصر الدمشقي العريق من الناحية التاريخية والمعمارية "eDamascus" التقى المهندس المدني "مازن سليمان" الذي حدثنا عن عراقة هذا البيت، فيقول: «يشكل "بيت العقاد" أحد البيوت الدمشقية التي تتميز بكبر مساحة البناء وروعة التزيين ودقة التنظيم الحياتي ضمن المنزل العربي، الذي كان مؤلفاً من ثلاثة أقسام هي "الحرملك والخدملك والسلملك"، وللأسف مازالت الدراسات حول تاريخ بناء قصر العقاد في بدايتها، حيث إن المصادر المدونة مازالت ضئيلة، وأكثر المعلومات المتوافرة ترتكز على الدراسات الأثرية والقرائن المحيطة به في "دمشق القديمة"، وفي نص "فلافيوس جوزيفيوس" أشير إلى أن "هيرود العظيم" بنى مسرحاً على طول الجهة الجنوبية، وهو ينطبق على الخريطة للأزقة المنحنية في دمشق القديمة بجانب سوق "مدحت باشا"، وبعض الدارسين افترضوا بأن المسرح قد يكون موقعه في جنوب سوق "الصوف" تماماً، لكن المفاجأة كانت عندما ظهرت آثار حقيقية لجدران رومانية مطمورة في الجدران الطينية لبيت العقاد، وهذا يؤكد أن البيت بني على خرائب مسرح "هيرود العظيم" العائد إلى القرن الأول قبل الميلاد».

أقيم خلال الفترة الأخيرة حوالي 200 من النشاطات المتنوعة لفرق موسيقية دانمركية وسورية، والمعارض التشكيلية لفنانين من سورية والبلاد العربية والدانمرك، وساهم المعهد في استكشافات أثرية، وأقام أنشطة ثقافية عديدة في عديد من المدن السورية "دمشق، حلب، حمص، تدمر" وأقام أسابيع ثقافية وأسابيع للأفلام وحفلات غنائية ومسرحيات

يواصل "سليمان" حديثه قائلاً: «بعد تدمير المغول لدمشق استغرقت إعادة إعمارها وقتاً طويلاً، وفي عهد السلطان المملوكي "قايتباي" قام ببناء عدد من الأبنية الهامة، وبعضها يجاور بيت العقاد بشكل مباشر مثل جامع "القالي" ودار القرآن "الحيدرية"، كما هناك بناء مملوكي هام وهو جامع "الهشام" الذي كان على مسافة تقل عن مئة متر غرب بيت العقاد، وهناك أسباب قوية لتصديق أن الأجزاء الأساسية من القاعة والإيوان هي أجزاء من بناء مملوكي، وما يثير الاهتمام من هذه القرائن أيضاً وجود عدد من شظايا الفخار المزجج "الممزوج بالزجاج" السوري والفارسي والصيني من القرن الثالث عشر في البيت اكتشفت أثناء عمليات الترميم».

اللوحة المملوكية

كما التقينا السيد "زياد كوجك" مدير الصيانة في المعهد الدانمركي "بيت العقاد"، فيقول: «لا يوجد دليل على أعمال البناء تمت في قصر العقاد خلال القرنين السادس والسابع عشر، كما ان مالكي المنزل خلال هذه الحقبة التاريخية غير معروفين من قبلنا، لكن أثناء عمليات الترميم للقاعة المملوكية ظهر لدينا نقش أعطي تاريخ 1754 ورسومات اثنتين من الغرف مؤرخة بالنقش 1963، كما هناك تطابق كبير في الشكل بين التصميم الداخلي لقصر العظم وخان أسد باشا اللذين تم بناؤهما من قبل "أسد باشا" وبين التصميم الداخلي للقاعة الشتوية لبيت العقاد، وأن استعمال نفس التصميم الداخلي يعلل بأنه نتيجة لاتباع موضة فنية استعملت من قبل العائلات الدمشقية الثرية في منتصف القرن الثامن عشر، وبعد أن امتلكت عائلة العقاد للبيت في منتصف القرن التاسع عشر أعادوا تصميم "دوكرة" بعض الغرف "الغرفة الزرقاء" بزخارفها ورسوماتها العثمانية، وهي مثال جيد لشكل "الرقعقع أو الركوكوكو" التركي الظاهر لأول مرة في سورية في تلك الحقبة التاريخية، وهذا إذا كان يدل على شيء فإنه يدل على ان المنزل يعود بناؤه إلى أكثر من 400 سنة، وآخر مرحلة مرت على القصر هي المرحلة العثمانية، فوجد أثناء عمليات الترميم في بعض الغرف نوع من أنواع الرسومات والزخارف العثمانية، فهذا يدل على تعاقب الحضارات على هذا المنزل، وهناك توقعات بأن يكون السلطان "نور الدين الشهيد" هو الذي قام ببناء هذا المنزل لقربه من مقامه وحمام "نور الدين الشهيد"، كما أن الحجم الكبير للمنزل يدل على أنه قد يكون لأحد المماليك في ذلك العصر أو دار للسلطان "نور الدين الشهيد" نفسه».

وحول أقسام قصر العقاد يقول "كوجك": «بيت العقاد منزل دمشقي متكامل بجميع المقاييس، يتألف من أرض ديار تتوسطها بحرة كبيرة في غاية الروعة والجمال، وتعتبر من أكبر البحرات في بيوت الدمشقية القديمة ولها حوالي سبعة عشر ضلعاً ملبسة بالرخام، بالإضافة إلى إيوان كبير في الجهة الشمالية للمنزل يعلوه قوس مملوكي مزخرف بأجمل الرسومات والزخارف العربية الإسلامية في عصور مختلفة، من العصر المملوكي وحتى العصر العثماني، كما يعتبر هذا القوس حسب دراسات المعهد أعلى قوس تم بناؤه في العالم أثناء تلك الحقبة التاريخية، بالإضافة إلى مجموعة الغرف والقاعات ذات الديكور الإسلامي في غاية الجمال والإبداع موزعة على طابقين، ومن أهم هذه القاعات قاعتان "الحرملك والسلملك" يعني قاعة النساء وقاعة الاستقبال وهما نفساهما القاعتان الصيفية والشتوية».

القوس المملوكي الذي يعلو الإيوان

يواصل "كوجك" حديثه، فيقول: «كما يتكون المنزل من عدة أقسام تمت إضافتها لاحقاً من قبل قاطني الدار وقد يكون من عائلة العقاد نفسها أو الذين سكنوا المنزل من قبلهم، ومن هذه الأقسام منزل صغير يقع في الجهة الجنوبية، على يمين المدخل الرئيسي لبيت العقاد المقابل لسوق الصوف، وهو منزل متكامل، يتألف من طابقين وقبو وغرف وقاعات موزعة على الطابقين، وبعد عمليات الترميم تم تأكيد أن هذا الجزء تم إضافته لاحقاً إما لتوسيع المنزل أو لجعل إطلالة بيت العقاد على سوق الصوف، لأن بيت العقاد لم يكن يطل على السوق لوجود باب آخر للبيت يطل على حارة دمشقية ضيقة، كما تم اكتشاف باب للمنزل الصغير يطل على سوق الصوف، لكن تم إلغاؤه من قبل قاطنيه وفتح باب آخر له يؤدي إلى بيت العقاد يصبح جزءاً منه، كما أن الأجنحة الجانبية الشرقية الغربية للساحة الداخلية كانت قد أضيفت إلى الأقسام الرئيسية للمنزل، وكانت هذه الأقسام تستخدم كمطابخ وغرف للشاي والخدم».

وحول أهم معالم البيت، يقول "سليمان": «من أهم معالم البيت لوحة فنية ضخمة في الواجهة الشمالية، محاطة بسبعة إطارات بشكل زخرفي وبداخلها الرسم القديم وهي عبارة عن قرصين للشمس وخط هندسي عربي وعدد من شظايا الفخار الممزوج وتكاد تكون فريدة من نوعها، نظراً لمساحتها الكبيرة واستخدام عدّةِ أحجار بألوان مختلفة، واللوحة من الطراز المملوكي، وهي مشهورة جداً في البيوت الدمشقية القديمة والأماكن الأثرية التي يعود تاريخها إلى العهد المملوكي لكن بأحجام أصغر، وتعتبر أكبر لوحة معروضة في الهواء الطلق في العالم، وطبعاً تم ترميمها بطريقة في غاية الحرفية والإبداع حتى عادت إلى جمالها، وليس هناك أي معلومات لدي بالرسام أو النحات الذي صنع هذه التحفة النادرة جداً».

قاعة سلملك

كما تابع "كوجك" في معرض حديثه، فقال: «بعد أن تركت عائلة العقاد المنزل تم استثماره في التعليم فأصبح مدرسة "زينب فواز" لأكثر من ستين سنة، وكانت هذه الفترة صعبة جداً على بيت العقاد حيث تم تجاهله وقل الاهتمام به من الناحيتين الأثرية والتاريخية واضمحلت أجزاء كبيرة منه، حتى قامت مديرية الآثار والمتاحف باستملاكه ونقل المدرسة إلى مكان آخر، وبعدها قامت السفارة الدانمركية في دمشق باختيار بيت العقاد ليكون مركزاً ثقافياً لها، وقام بأعمال الترميم خبراء دانمركيون وتم تحويل البيت إلى مركز ثقافي دانمركي بموجب اتفاقية بين الحكومتين السورية والدانمركية، ويهتم المعهد بالآثار والتاريخ وإقامة العديد من المعارض الفنية للفنانين والرسامين الدانمركيين والسوريين».

وحول نشاطات المعهد الذي يزخر بمكتبة كبيرة في إحدى قاعاته، يقول "كوجك": «أقيم خلال الفترة الأخيرة حوالي 200 من النشاطات المتنوعة لفرق موسيقية دانمركية وسورية، والمعارض التشكيلية لفنانين من سورية والبلاد العربية والدانمرك، وساهم المعهد في استكشافات أثرية، وأقام أنشطة ثقافية عديدة في عديد من المدن السورية "دمشق، حلب، حمص، تدمر" وأقام أسابيع ثقافية وأسابيع للأفلام وحفلات غنائية ومسرحيات».