تعلم التعامل مع الحجر لتكون مهنته التقصيب لعقود طويلة بقي فيها العم "سالم القاسم" معلم الحجر الذي اشتهر في قريته.

موقع eSuweda للتعريف بهذه المهنة التي توكل لعدد من الرجال الذين خبروا الحجر وطرق الحصول عليه حاور "نضال القاسم" الذي حدثنا عن حرفة رافقت الأب لعقود طويلة وقال: «عندما نعود لسنوات ماضية كانت فيها عملية البناء تعتمد بشكل أساسي على الحجر البازلتي، نستطيع أن نتصور واقع العمل في تلك الفترة، وقد تابعت والدي منذ الصغر وكنت أراقب حجم العمل الذي يقوم به، حيث تغيب الآلات ووسائل النقل لتكون مهنة القصاب والبناء من أصعب المهن التي تستهلك الوقت والجهد، لكنها مهنة تعني الكثير لمن أحبها مثل والدي وتمسك بها ولغاية هذا التاريخ تجده يعتمد على ساعده في بناء سور المنزل والاستفادة من الحجارة لعدة استخدامات، لقناعته أن هذا الحجر ثروة يجب استثمارها لتكون منسجمة مع طبيعة المنطقة ونحافظ على نمط البناء الذي كان الأجمل والأفضل».

عندما نعود لسنوات ماضية كانت فيها عملية البناء تعتمد بشكل أساسي على الحجر البازلتي، نستطيع أن نتصور واقع العمل في تلك الفترة، وقد تابعت والدي منذ الصغر وكنت أراقب حجم العمل الذي يقوم به، حيث تغيب الآلات ووسائل النقل لتكون مهنة القصاب والبناء من أصعب المهن التي تستهلك الوقت والجهد، لكنها مهنة تعني الكثير لمن أحبها مثل والدي وتمسك بها ولغاية هذا التاريخ تجده يعتمد على ساعده في بناء سور المنزل والاستفادة من الحجارة لعدة استخدامات، لقناعته أن هذا الحجر ثروة يجب استثمارها لتكون منسجمة مع طبيعة المنطقة ونحافظ على نمط البناء الذي كان الأجمل والأفضل

عن زمن كانت فيه القوة العضلية مورد الرزق تحدث العم "أبو نضال" لموقعنا الذي زاره في قرية "الثعلة" وقال: «لأننا ولدنا في بيئة مكافحة عرفنا أن العمل وسيلة لحياة أفضل وكان المستقبل بالنسبة لنا مقترن بما نقوم به من عمل لكفاية الأسرة، بغض النظر عن طبيعة المهنة وصعوبتها ففي ذلك الزمن كانت الحاجة كبيرة للقوة العضلية، ومهنة التقصيب التي اخترتها في ذاك الزمن كانت من المهن الشاقة، التي تحتاج للصبر والتحمل وهي من الأعمال التي يطلبها الأهالي، حيث كانت الحجارة المادة الأولى لبناء المنازل تلك الحجارة التي تجمع من الأراضي خارج القرية أو من صخور بازلتية كبيرة كنا نتعامل معها للحصول على الحجارة لنبني منازلنا.

معدات العمل القديمة

وقد كان أصحاب هذه المهنة يُعدون على أصابع اليد في ذاك الزمن وكانت الخبرة مطلوبة، كثر من تعلموا المهنة لكن قلة منهم أتقنوها لأنها تحتاج لذهن صاف إلى جانب القوة العضلية، فالممارسة اليومية تجعل الشخص قادراً على التعرف على ما نسميه مفتاح الصخرة والخبرة في هذا المجال تجعلنا نتعامل مع صخور كبيرة قد تكفي حجارتها لبناء منزل وقد حدث ذلك في عدة مرات، أتذكر إحداها عندما كنا نعمل في أراضي تحاذي قريتنا من الغرب وعثرنا على صخور كبيرة يزيد طول الواحدة منها على 2 متر وبسماكة كبيرة، فكانت العملية الأولى للقص لا تعتمد على مجرد النقر "بالمهدّة" (وهي آلة تشبه الفأس برأس مدبب وثقيلة الوزن تستخدم لتقطيع الحجر)، بل كنا نعد لأسافين متوازية والإسفين قطعة اسطوانية من الحديد الصلب لها رأس دقيق تحدد المكان المناسب لقطع الصخرة، حيث نحيطها بحذوات الخيل لتثبت في المكان المحدد، ويتم الطرق عليها ليتم تقسيم الصخرة ومن ثم نتعامل بالمهدة لنحصل على الحجارة بالقياس المطلوب للبناء».

يحتفظ العم "سالم" بمعدات العمل التي رافقته لسنوات طويلة لتكون تحت الطلب ليستخدمها في بعض الأعمال وقال عن ذلك: «اليوم وجدت الآلات الضخمة للتعامل مع الصخور وبات عملنا موضة قديمة لا يقدم عليها إلا من أحب الحجر، ففي منطقتنا تتوافر أنواع جميلة من الحجر البازلتي تعارفنا عليها بتسميات شعبية وكلها تتفرع عن البازلت وكل هذه الأنواع تصلح للبناء، وكنا نتحكم بحجم الحجر حسب الحاجة وحسب طلب صاحب المنزل والقدرة المادية لديه، وهذا ما يفرض على القصاب امتلاك المعدات اللازمة، مثل "المهدّة" بعدة أوزان خمسة أو ثمانية كيلوغرامات، و"المخل" (رافعة) وهو عبارة عن أنبوب طويل رأسه دقيق يوضع تحت الصخرة للتمكن من اقتلاعها من الأرض أو رفعها، وله عدة قياسات، والزوايا المعدنية لضبط زوايا الحجر والقياس المطلوب، و"الأسافين" الحديدية بعدة قياسات وقد احتفظت بها لهذه الأيام فقد كانت رفيقتي لسنوات طويلة قبل دخول الاسمنت والاستعاضة به عن الحجر البازلتي، وفي هذه الفترة التي خرجت فيها للعمل في لبنان لتكون مهنة البناء بديلاً لمهنة التقصيب التي لم أتخل عنها ولغاية هذا التاريخ احمل المهدة وأنضد الحجارة أي أسوي سطحها وأرتبها في مدخل المنزل أو في حديقة المنزل التي حافظت على شكلها القديم وسورها الحجري».

العم أبو نضال سالم القاسم

الجدير بالذكر أن العم "أبو نضال" في نهاية عقده السابع يتمتع بالنشاط والحيوية ولم ينقطع عن العمل الذي يعتبره أوكسجين الحياة الذي يمده بالصحة بين أولاده وأحفاده.