إلى الغرب من محافظة "الحسكة" قامت حضارةٌ عريقة، بنت نفسها لتعيش الدهر بأسره، إلا أن دوام الحال من المحال، فقد أصبحت بعد ردحٍ من الزمن أثرٌ بعد عين.

"تل مبطوح" من الحضارات التي بنيت على أسس عصرية شملت معظم جوانب الحياة موقع eHasakeh رجع في التاريخ أعواماً مديدة ليقف على حضارةٍ بقيت أشلاؤها تشهد عليها، والتقى مدير دائرة الآثار في "الحسكة" الدكتور "عبد المسيح بغدو" ليتحدث عن التل فقال: «يقع "تل مبطوح شرقي" على الضفة اليسرى لوادي "عقربة"، على بعد 37 كم غربي مدينة "الحسكة" إلى الشمال من "جبل عبد العزيز"، على مساحة تبلغ حوالي 29 هكتاراً، ويرتفع عن السهول المحيطة به 16.5 متراً، وهو عبارة عن تل دائري الشكل قطره الداخلي 542 متراً والخارجي 833 متراً، ويحيط بالتل سوران داخلي وخارجي يتخللهما سبعة مداخل ظاهرة، وهي على الأغلب بوابات المدينة القديمة للموقع تتجه نحو المدن الهامة، مثل "تل براك، تل بيدر، تل خويرة وتل الحريري /ماري/"».

يقع "تل مبطوح شرقي" على الضفة اليسرى لوادي "عقربة"، على بعد 37 كم غربي مدينة "الحسكة" إلى الشمال من "جبل عبد العزيز"، على مساحة تبلغ حوالي 29 هكتاراً، ويرتفع عن السهول المحيطة به 16.5 متراً، وهو عبارة عن تل دائري الشكل قطره الداخلي 542 متراً والخارجي 833 متراً، ويحيط بالتل سوران داخلي وخارجي يتخللهما سبعة مداخل ظاهرة، وهي على الأغلب بوابات المدينة القديمة للموقع تتجه نحو المدن الهامة، مثل "تل براك، تل بيدر، تل خويرة وتل الحريري /ماري/"

يضيف "بغدو": «بين عامي 1986 – 2001 أجرت بعثة أمريكية من جامعة "ييل" برئاسة الدكتور "فرانك هول" أعمال تنقيب شملت عدداً من التلال كان منها تل "مبطوح"، وفي عام 2001 بدأت بعثة أثرية "سورية" من المديرية العامة للآثار والمتاحف أعمال التنقيب في الموقع برئاسة الدكتور أنطوان سليمان" وانا "عبد المسيح بغدو"، بهدف التعرف على بنية التل من الناحية المعمارية، ومعرفة الدور الاقتصادي والتجاري لهذه المدينة خلال الألف الثالث قبل الميلاد، وقد دلت الكسر الفخارية أن تاريخ الاستيطان في التل يعود إلى النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد، كما وجدت كسر فخارية في الجزء الشمالي منه تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وإلى فترتي الحضارة البيزنطية والإسلامية، وبينت التنقيبات طوال ستة مواسم وجود حضارة هامة في التل، من خلال الكشف عن بقايا معمارية ذات نظام محصّن مدني وديني وعسكري وسياسي».

جانب من تل مبطوح

وعن مواصفات الأبنية قال "بغدو": «تميزت العمارة المدنية بوجود أبنية سكنية ذات جدران عريضة، شُيدت على أساسات حجرية كلسية طليت جدرانها بالجص الأبيض، تم التعرف عليهم في القطاعين "p.j"، إذ تتألف معظم المنازل من غرف كبيرة وصغيرة ضمت مصاطب للجلوس، وقد رصفت الباحة بالحجارة والكلس، كما عثر في الغرف على ساحقات حبوب وتنانير وأقنية لتصريف المياه، أما العمارة الدينية فتمثلت بوجود معبدين الأول في القطاع "n" ذي شكل مستطيل يتألف من قاعة واحدة بطول 14 متراً، تراوح عرض جدرانها بين 1.6 – 2 متر، أما المعبد الثاني فقد تم التعرف علية في القطاع "c"، كان شكله شبه مربع، تألف من قاعة واحدة بطول 12 متراً، وبلغ عرض جدرانها 2 متر، أما التحصينات الدفاعية فتبينت من خلال سور بعرض تراوح بين 3 -5 أمتار، وبرجين متقابلين على طرفي المدخل، لم يبق منهما سوى الأساسات، بينما أشارت الأبحاث إلى أن العمارة السياسية تمثلت بمنشأة ضخمة، تم التعرف عليها في القطاع "k"، كانت مُحاطة بجدران طويلة زاد ارتفاعها على 4 أمتار وعرضها على 2 متر، توضَّع في داخلها غرف وممرات، كما ضمت مبنى شيد من اللبن الأحمر القوي، ويعتقد أنه كان مبنى إدارياً هاماً، يحده باحتان كبيرتان وجد على أرضياتهما رماد أسود، ما يدلل على احتمال وقوع حريق كبير في الموقع».

وعن نتائج البعثة الأثرية الوطنية الأخيرة التي أنهت أعمالها مؤخراً قال "بغدو": «تابعت البعثة أعمالها التنقيبية السابقة التي بدأتها عام 2001 بتاريخ 12/5/2011، وقد أنهت البعثة أعمالها بتاريخ 8/6/2011، حيث عملت خلال هذه الفترة في القطاعات K – J - L بغية استكمال المكتشفات المعمارية السابقة، وتبين أن مدينة "مبطوح" لها مخطط هندسي، يبين مسارات الشوارع وقنوات تصريف المياه، تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، كما تم التعرف خلال هذا الموسم على أربع طبقات أثرية، من ضمنها سوية الفخار المعدني تعود إلى فترة الحضارة "الأكادية"، عثر بداخلها عن جدران وأرضيات من الجص، إضافةً إلى معصرة مؤلفة من حوض وجرن بجانبها جدار حجري في القطاع "K"، وفي القطاع "J" تم التعرف على استمرارية الجدران السابقة، وقد تم الكشف عن جدران مبنية من اللبن على أساسات حجرية، وقبور مشيدة بأشكال مختلفة، وصل عمقها إلى 325 سم، احتوت على لقى جنائزية مثل "فخار، برونز وخرز مختلف الأشكال والأحجام"، وتشير الدراسات الأولية إلى أن هذه المكتشفات تعود إلى الفترة "الأكادية" القديمة، ومن أهم المكتشفات الأثرية لهذا الموسم كانت دمية إنسانية لامرأة، مصنوعة من الطين بلغ ارتفاعها حوالي 10 سم، بوضعية الوقوف وشعرها مسدول على ظهرها، وعلى رأسها أربعة أقراص فخارية، ونموذج يمثل برجاً مصنوعاً من الطين المشوي ارتفاعه حوالي 15 سم، يتوضع في أعلاه طيور تمثل الحمام وله فتحات عديدة، وتعود هذه اللقى إلى الفترة "الأكادية"».

لقى اثرية من تل مبطوح

من جهته قال الدكتور "سليمان أنطوان" في تقريره عن أعمال التنقيب الأثري في "تل مبطوح": «إن الموقع الاستراتيجي الهام للتل الواقع غرب مجرى نهر "الخابور"، في المنطقة الممتدة شمال سلسلة جبال "عبد العزيز" ذات الطبيعة الكلسية البيضاء، والغنية بالثروات النباتية والحيوانية، جعل منه مدينةً عامرة على مساحة إجمالية تقدّر بـ 69 هكتاراً خلال الألف الثالث قبل الميلاد، حيث بسطت هذه الحضارة وجودها على منطقة واسعة ما بين جبل "سنجار" ومناطق جبل "عبد العزيز" التجارية، كما ساعدها على التواصل والاتصال بالحضارات القديمة، هذه المعطيات أوصلتنا إلى أن الموقع قام على حضارة لها كيانها السياسي والديني والاقتصادي، بدءاً من المرحلة الأكادية القديمة عام 2400 قبل الميلاد، انتهاءً بالمرحلة الأكادية المتأخرة الممتدة لعام 2100 – 2000 قبل الميلاد، ما جعلها في موقع المنافسة والسيطرة والتواصل في الجزيرة السورية، خصوصاً في منطقة جبل "عبد العزيز"»..

الدكتور عبد المسيح بغدو