تذخر الذاكرة "الإدلبية" بالعديد من الأكلات التي تحمل صفة التاريخية والتراثية، والتي حافظت على وجودها منذ فترات سابقة، ولا تزال إلى الآن مستمرة بطابعها وطريقة صنعها الأولى، والتي أوجدها الواقع المعيشي الذي كان سائدا في ذلك الوقت، والذي اتصلت معظم أكلاته بالواقع الزراعي الذي كان طاغياً على واقع هذه المحافظة بشكل ملحوظ.

فكانت أغلب الأكلات متصلة بما تنتجه الأراضي الزراعية، وما تجود به بيوت المونة في فصل الشتاء، وقد قُرنت بعض الأكلات ببعض المناطق في المحافظة، واشتهرت بها، وتُعتبر بلدة "سرمين" من المناطق التي حافظت على أكلة "اللحم بعجين" ولا تزال متمسكة بها.

تُعتبر "اللحم بعجين" من أكلات "سرمين" المميزة والمفضلة، ويعود الفضل بذلك إلى الفرن اليدوي والعاملين فيه، لما يتمتعوا بخبرة كبيرة في عملية تحضير هذه الأكلة التراثية، التي تعود إلى تاريخ البلدة، والتي كغيرها من الأكلات اعتمدت على مواد زراعية أساسية في تكوينها، والتي أهمها "القمح واللحم"، وكلها مما كانت تُنتج محلياً تماشياً مع الواقع الزراعي الذي تتمتع به بلدة "سرمين" ومحافظة "إدلب" على حد سواء

موقعeIdleb زار فرن "سرمين" اليدوي، والتقى العاملين فيه ليحدثونا عن طريقة تحضير هذه الأكلة، وكانت البداية مع "سامر قدور" والذي يقول: «تتطلب عملة تحضير "اللحم بعجين" عدة مراحل، تبدأ بعملية عجن "الطحين" والتي أقوم بها أنا، وكانت عملية يدوية في فترة سابقة، حيث يقوم العامل بيده بعجن "الطحين" مع الماء حتى يصبح عجين، ويُستخدم الطحين الذي يعرف بـ"الزيرو" في هذه الأكلة، وهو نوع من "الطحين" مقشور "القمح"، أما الآن فأصبح العمل آلي، والآلة التي تقوم بذلك تعرف بـ"العجانة"، وتتألف من "الصحن"، وهو وعاء نحاسي كبير، و"الزند" وهو قضيب من المعدن يوجد داخل "الصحن" يقوم بتحريك الطحين والماء حتى يتم عجنه بشكل جيد، وبعد أن يصبح "العجين" جاهزاً ينتقل إلى العامل الذي يقوم بتقطيعه إلى قطع صغيرة، ومن ثم يبدأ بعملية "رقّ العجين" أي تحويل هذه القطع الصغيرة إلى أقراص عجينية رقيقة، وأيضاً الآن ناب عن العامل آلة تسمى "الرقاقة"، تقوم بهذه المهمة، وبعد أن تُصبح الأقراص جاهزة ننتقل إلى المرحلة الثانية».

جميل القدور صاحب الفرن

وعن هذه المرحلة حدثنا "عبدو الأكحل" والذي يقول: «في هذه المرحلة وهي عملية سكب "اللحمة" التي تصلني جاهزة من "الجزار" على أقراص العجين، التي تأتيني أيضاً جاهزة، وتحتاج هذه العملية دقة بعض الشيء، بحيث يتوجب وضع "اللحمة" على أقراص العجين بمقدار محدد، ومن ثم أقوم بعملية توزيعها على قرص العجين بطريقة متساوية في كافة أنحاء القرص، ويتم ذلك على مصطبة من الحجر ذات سطح مستوي خصصت لذلك، وبعد أن يُصبح القرص جاهز أقوم بوضعه على لوح خشبي يتسع لستة أقراص، ومن ثم ننتقل إلى المرحلة الثالثة وهي عملية الشواء».

وعن هذه المرحلة حدثنا السيد "جميل القدور" صاحب الفرن والذي يقول: «يُعرف مكان شوي الأقراص بـ"بيت النار"، وهو فجوة من الحجر داخل الحائط، صُنعت بطريقة متقنة ليتم فيها إنضاج الأقراص العجينية، وتعتمد على المازوت حالياً في إشعال النار في حين اعتمدت على "الكرس والحطب والفحم" فيما مضى، تصلني أقراص العجين موضوعة على لوح خشبي، أقوم بنقلها إلى أداة تُعرف بـ"الباج"، وهي أيضاً عبارة عن لوح خشبي موصول فيه عصا طويلة، تُستخدم لإدخال الأقراص إلى داخل "بيت النار"، ويبقى العجين برهة من الوقت حتى ينضج، فأقوم بإخراجه بأداة أخرى، أيضاً تُسمى "الباج" ولكن ينوب عن اللوح الخشبي لوح معدني محدب ومرقق من الأمام، يُستخدم فقط لإخراج الأقراص الناضجة من "بيت النار"».

عبدو الأكحل يضع اللحم على أقراص العجين

ويقول "غسان جراد" أحد أبناء البلدة: «تُعتبر "اللحم بعجين" من أكلات "سرمين" المميزة والمفضلة، ويعود الفضل بذلك إلى الفرن اليدوي والعاملين فيه، لما يتمتعوا بخبرة كبيرة في عملية تحضير هذه الأكلة التراثية، التي تعود إلى تاريخ البلدة، والتي كغيرها من الأكلات اعتمدت على مواد زراعية أساسية في تكوينها، والتي أهمها "القمح واللحم"، وكلها مما كانت تُنتج محلياً تماشياً مع الواقع الزراعي الذي تتمتع به بلدة "سرمين" ومحافظة "إدلب" على حد سواء».

اخراج الأقراص الناضجة من بيت النار